“اليوم الدولي للسلام” هو يوم يتم الاحتفال به في جميع أنحاء العالم في 21 سبتمبر من كل عام. باعتباره يوما مكرسا لتعزيز مُثُل السلام داخل جميع الأمم والشعوب وفيما بينها. فماذا يعني السلام؟ ولماذا نحتفي به؟ وكيف يمكن نشر ثقافة السلام في العالم؟ وما موقع السلام في الإسلام وماهو مفهومه وأهدافه وعلاقته بالقرآن الكريم؟
تم إنشاء اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تدعو من خلاله جميع الدول والشعوب إلى احترام وقف الأعمال العدائية خلال اليوم ، والاحتفال باليوم من خلال التثقيف والتوعية العامة بشأن القضايا المتعلقة بالسلام.
مامعنى السلام؟
يعرف الموقع الرسمي لـ”اليوم الدولي للسلام” مصطلح “السلام” بأنه :غياب الاضطرابات وأعمال العُنف، والحروب، مثل: الإرهاب، أو النزاعات الدينية، أو الطائفية، أو المناطقية، وذلك لاعتبارات سياسية، أو اقتصادية، أو عرقية. كما يأتي تعريف السلام بمعنى الأمان والاستقرار والانسجام، وبناء على هذا التعريف فإن السلام يكون حالة إيجابية مرغوبة، تسعى إليه الجماعات البشرية أو الدول، في عقد اتفاق فيما بينهم للوصول إلى حالة من الهدوء والاستقرار، فالسلام في هذا التعريف لا يعني عدم وجود الاضطرابات بكافة أشكالها، وإنما يعني السعي في الوصول إلى المظاهر الإيجابية”.
دعوة لنشر ثقافة السلام
لا شك أن ثقافة السلام هي ثقافة الحوار والتسامح والوقاية، أما مفهوم ثقافة السلام كمصطلح حسب منظمة “عالم ما بعد الحرب” (حركة عالمية غير عنيفة لإنهاء الحرب وإقامة سلام عادل ومستدام). فهي تعني “مجموعة الأنماط السلوكية الحياتية، والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والاعتداء عليهم، وممارسة العنف ضدهم، وقبول الاختلاف بين الناس”.
والحقيقة أن دور الأمم المتحدة لم يبلغ قط في هذا السياق ما بلغه من الأهمية في الوقت الراهن. وتؤكد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أن “لا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة”. وانطلاقا من هذه الروح ذاتها، اتخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتهما في عام 2016 بشأن “الحفاظ على السلام”.
وفي هذا المسار الصعب ينبغي اعتماد نهج جديد شامل لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات، ولتوطيد سيادة القانون، وتعزيز التنمية المستدامة، بالارتكاز على الحوار والاحترام. وتسترشد منظمة “اليونسكو” بهذا النهج في جميع جوانب عملها الرامي إلى بناء السلام من خلال دعم التربية والتعليم، والنهوض بحرية التعبير، وترسيخ الحوار بين الثقافات، واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وتعزيز التعاون العلمي.
سلام 2022 “إنهاء العنصرية وبناء السلام“
اختارت الأمم المتحدة لليوم الدولي للسلام لهذا العام 2022 شعارا هو “إنهاء العنصرية – بناء السلام“. فالعنصرية تسمم المجتمعات وتجعل التمييز أمرا طبيعيا وتحفز العنف. ويجب مكافحتها بالتصدي لخطاب الكراهية وتشجيع الحوار ومعالجة الأسباب الجذرية لعدم المساواة.
وفي رسالة بهذه المناسبة جاء “إن السلام هدف نبيل وضروري، والطريق العملي الوحيد إلى عالم أفضل وأكثر إنصافا للناس كافة.ومع ذلك، فما أكثر الأماكن وما أكثر السياقات التي نخذل فيها قضية السلام..وموضوع “إنهاء العنصرية، وبناء السلام” يذكرنا بالطرق العديدة التي تسمم بها العنصرية قلوب الناس وعقولهم وتقوض دعائم السلام الذي نسعى إليه جميعا، فالعنصرية تسلب الناس حقوقهم وكرامتهم. وتؤجج ضروب اللامساواة وانعدام الثقة. وتُبعد الناس بعضَهم عن بعض، في وقت ينبغي لنا أن نجتمع فيه، كعائلة بشرية واحدة، لإصلاح عالمنا المتصدع.
وتضيف الرسالة “لكن تحقيق السلام الحقيقي يتطلب أكثر بكثير من مجرد إلقاء السلاح. إن الأمر يتطلب بناء مجتمعات يشعر فيها جميع أعضاء المجتمع أنهم قادرون على الازدهار. كما ينطوي على خلق عالم يُعامل فيه الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن أعراقهم”.
السلام في الإسلام
قد يكون من المجحف في حق الإنسانية جمعاء، أن نتحدث عن السلام ولا نتحدث عن الإسلام. وإن كان الحديث عن السلام في الإسلام أكبر من يختصر في مقالة أو دراسة حتى، فالإسلام هو دين السلام.
وقد ربطت الشريعة الإسلامية حياة المسلمين بكل معان وحقائق وأوصاف السلم، ونادى على كل من ينتسب إلى الإسلام بالدخول في السلم في قوله تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً” (البقرة: 208)، وحقيقة السلم تقع على ثلاثه معان من حيث الاشتقاق: فهو أولا من السلامة وهي النجاة من أي مضرة، وكذا على المسالمة وهي ترك المقاومة، يقال أمسالم أنت أم محارب، كما يطلق على الصلح والمساومة، وهذه المعاني الثلاثة تنطبق على دين الإسلام.
وتبعا لاختيار حمل السلم في الآية على الإسلام، يُؤول الدخول في “السلم” المأمور به، أن يكون اتصاف المسلمين فيما بينهم بالمسالمة دائما، ورفع المشادة والعنف والحرب بين أفرادهم كما كان في الجاهلية.
لقد ذاق العرب قبل البعثة من ويلات الحروب ما لم تذقه أية أمة. فقد نشبت حروب استمرت عشرات السنين لأتفه الأسباب وأحيانا بدون أسباب، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضا منها في نشأته، حتى جاء الإسلام لينتزع كل هذه الجاهلية ويقر مبدأ السلام والأخلاق وحسن المعاملة، بعيدا عن الحروب والصدامات.
لكن البعض لا يزالون يعتبرون الإسلام دين القتل و الفتح بالسيف والحرب، والحقيقة إن السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم وفيما بينهم، وأن الجهاد (الحرب) شرع لأجل الحفاظ على السلام من اعتداء الظالمين على الضعفاء. فلم تكن الحرب أبدا هدفا للمسلمين بقدر ما كانت وسيلة لدفع الضرر ومواجهة الظام ونشر الحق والعدل وتحقيق غاية أسمى هي السلم.
أما ما يقال عن الغزوات والحروب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت لنفس الغاية، والدليل أنه عليه الصلاة والسلام مكث ما يقرب من نصف دعوته صابرا محتسبا لم يحارب أحد، بل كان يحث أصحابه على التحمل والصبر، رغم كل ذلك الظلم والتشريد والتعذيب والقتل الذي كانوا يتعرضون له.
السلام و الحرب 144 مقابل 6
ورد لفظ “السلم” ومشتقاته في القرآن الكريم 144 مرة، فيما وردت كلمة “الحرب” وما اشتق منها 6 مرات فقط. وكانت نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم للسلام نظرة عميقة وداعمة ودافعة للرحمة والأمن والسلم، عكس نظرته للحرب التي كانت رافضة تماما لكل أشكال العنف والظلم والعداوة والتصادم، حتى أنه عليه الصلاة والسلام كان يكره اسم “حرب” الذي كانت العرب تتداوله في الجاهلية، فكان صلى الله عليه وسلم يختار الأسماء اللطيفة الجميلة ويغير اسم مَن اسمه حرب إلى اسم آخر، فعَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: “لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُو حَسَنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟” قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ”، ثُمَّ قَالَ: “سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ. (رواه أحمد).
لماذا الإسلام دين السلام؟
الإسلام هو دين السلم والسلام، وقد استعملت كلمة السلم والسلام في الإسلام كتابا وسنة في موارد كثيرة منها:
- أولا وقبل كل شيء، مصدر كلمة الإسلام واشتقاقها مأخوذ من مادة السلم والسلام، وذلك كتناسب الحكم والموضوع، لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة والتقدم.
- الإسلام جعل السلام شعارا لـه واختاره تحية للمسلمين، حيث إن تحية المسلمين هي – ببساطة – “السلام عليكم” والرد عليها يكون بعبارة: “..وعليكم السلام”. كما أن تحية اللـه للمؤمنين تحية سلام: “تَحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ” (الأحزاب – 44)، وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام: “وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” (الرعد – 24)، وتحية المؤمنين بعضهم لبعض في الجنة هي سلام: “لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا”(مريم – 62).
- السلام من الأسماء الحسنى، قال تعالى: “هُوَ اللـه الّذِي لاَ إِلـه إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللـه عَمّا يُشْرِكُونَ”(الحشر – 23). كما قال سبحانه: “يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام” (المائدة-16)
- يظهر في سورة القدر أن اللـه تعالى يقدر السلام في كل شيء ولكل شخص. قال سبحانه: “سَلاَمٌ هِيَ حَتّىَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ” (القدر-5).
- خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو حامل راية السلم والسلام، لأنه يحمل إلى البشرية الهدى والنور، والخير والرشاد، والرحمة والرأفة. ويحدث القرآن عن رسالته فيقول: “وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء – 107)، فالرحمة والسلم والسلام جاء بها الإسلام للناس كافة.
- صلاة المسلمين كلها سلام، حيث تتكرر الكلمة عدة مرات خلال الصلاة، حيث يقول المسلم: (السلام عليك أيها النبي ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على رسول الرحمة. كما يقول بعد ذلك: (السلام علينا وعلى عباد اللـه الصالحين) وهو سلام على المجموعة الصالحة من العباد. ثم (السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على جميع من ينطبق عليه الخطاب.
- من أسماء الجنة (دار السلام) كما في الآية المباركة: “لَهُمْ دَارُ السّلاَمِ عِندَ رَبّهِمْ”(الأنعام – 127)، وأهل الجنة لا يسمعون من القول ولا يتحدثون بلغة غير لغة السلام: “لاّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاّ سَلاَماً”(مريم – 62)، وحتى جوابهم رداً على الجاهلين هو السلام: “وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً” (الفرقان – 63).