لقد أخبر سلمان الفارسي في قصة إسلامه الطويلة أن راهب النصارى في عمورية عندما حضرته الوفاة طلب منه سلمان أن يوصيه، فقال الراهب: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه”.
ثم قصَّ سلمان خبر قدومه إلى المدينة واسترقاقه، ولقائه برسول الله حين الهجرة، وإهدائه له طعاماً على أنه صدقة فلم يأكل منه الرسول، ثم إهدائه له طعاماً على أنه هدية وأكل منه، ثم رؤيته خاتم النبوة بين كتفيه، وإسلامه على أثر ذلك (1).
وكذلك فإن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان بعثة النبي قد أقترب، وكانوا يزعمون أنه منهم، ويتوعدون به العرب، وقد بيَّن الله تعالى أنهم يعرفونه بصفاته التي ذكرت في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، وإنما أنكروا نبوته بعد ظهروه لما تبين لهم أنه من العرب فجحدوا نبوته.قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} البقرة : 89 (2).
وقد قال رجال من الأنصار: “إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم” (3)
وقال هرقل ملك الروم عندما استلم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: “وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم” (البخاري ومسلم) .