مما شاع في بعض البلاد العربية توريث إيجار العقار، بمعنى أن يؤجر رجل عقارا بغير تحديد مدة، ثم يرثه ورثته من بعده، بل يتنازعون فيما بينهم أيهم أولى بهذا الميراث! في حين يقوم بعض ورثة الميت بالذهاب إلى صاحب العقار دون علم إخوته، ويغير عقد الإيجار باسمه، ويرى الورثة أن هذا نوع من الخديعة والغش؛ لأن حق توريث تأجير العقار حق لهم جميعا، فيتعاملون معه معاملة الميراث.

تعريف عقد الإيجار

الإجارة عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض. وهو عقد على المنافع لا العين، وهذا يعني أن حق المستأجر هو الانتفاع بالعقار أو الشقة، وليس له حق في العقار نفسه؛ لأن حق العقار لصاحبه ولورثته من بعده.

حكم عقد الإيجار

عقد الإيجار مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: ﵟ‌فَإِنۡ ‌أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﵞ ، ومن السنة ما أخرجه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- أن رسول الله قال:” أعطوا الأجير أجره؛ قبل أن يجف عرقه. أما الإجماع، فإن علماء الأمة على جواز عقد الإيجار منذ زمن الصحابة إلى يومنا هذا، ولم يعرف مخالف قال بعدم جوازه.

اختلف الفقهاء  في حكم عقد الإيجار على النحو التالي:

الرأي الأول: عقد الإيجار هو عقد لازم عند جمهور الفقهاء، واستدل جمهور الفقهاء بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]، ويترتب عليه أنه لا يفسخ إلا بوجود عيب، شأنه شأن العقود اللازمة.

  الرأي الثاني: حكي عن أبي حنيفة أنه  عقد لازم، لكن يجوز للمستأجر فسخ العقد إن حصل له طارئ، كحرق بضاعته ونحوه.

الرأي الثالث: حكي الفقيه المالكي ابن رشد عن بعض الفقهاء أنه عقد جائز، يعني يجوز للمؤجر أو المستأجر فسخ العقد. واستدل من قال بجواز فسخه؛ أنه عقد أشبه الجعل والشركة.(بداية المجتهد 2/ 344 طبعة المكتبات الأزهرية، و المغني المطبوع مع الشرح الكبير 6 / 20 , 21 ط الكتاب العربي)

لكن إن نص في العقد على حق الفسخ بتراضي الطرفين، على أن يبلغ أحدهما الآخر، أو يكون حقا للمستأجر أن يفسخ عقد الإيجار من قبله، على أن يبلغ المؤجر بمدة معينة؛ صح ذلك؛ لانه من الشروط التي يتم التراضي عليها. 

المسألة الأولى تأبيد عقد الإيجار : الأصل في الإجارة أنها عقد مؤقت، محدد بمدة معينة، ولا يجوز أن يكون مؤبدا؛ لأن تأبيده يعني أنه أشبع البيع، وهناك فرق كبير بين البيع الذي هو تمليك عين، وبين الإجارة التي هي تمليك منافع، ولأن تأبيد الإيجار يحرم الورثة من العين المؤجرة بعد وفاة المالك.

جاء في المهذب للشيرازي 1/ 396 ط عيسى الحلبي: ” وما عقد على مدة لا يجوز إلا على مدة معلومة الابتداء والانتهاء”.

وفي المغني لابن قدامة (5/ 323): ” الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة. ولا خلاف في هذا نعلمه، لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرفة له، فوجب أن تكون معلومة، كعدد المكيلات فيما بيع بالكيل. فإن قدر المدة بسنة مطلقة، حمل على سنة الأهلة؛ لأنها المعهودة في الشرع، قال الله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] فوجب أن يحمل العقد عليه”.

وعلى هذا، فلا يجوز عقد الإيجار على التأبيد، لكن إن لم ينص على المدة؛ فيمكن الرجوع فيه إلى العرف أو القانون في تحديد المدة، فإن كان القانون يجعل عقد الإيجار مؤبدا؛ بطل عقد الإيجار.

المسألة الثانية أقصى مدة لعقد الإيجار: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:

الأول: أنه ليس للإجارة مدة معينة، فتكون بأي مدة مادامت العين المؤجرة باقية صالحة للاستئجار، وهو رأي جمهور الفقهاء، وهو الصحيح.

الثاني: لا يجوز أكثر من سنة؛ لأن الحاجة لا تدعو إلى أكثر منها.

الثالث: لا تجوز أكثر من ثلاثين سنة؛ لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى أكثر منها، وتتغير الأسعار والأجر.

وعليه، فيجوز أن يكون عقد الإيجار سنة أو عشرين أو خمسين ، أو أي كان العدد، المهم أن ينص على مدة معينة مهما طالت؛ مادامت العين المؤجرة قابلة للاستئجار.

المسألة الثالثة توريث عقد الإيجار للورثة: اختلف الفقهاء في توريث مدة الإجارة للورثة على رأيين:

الأول: ينتهي عقد الإيجار بموت أحد المتعاقدين، وهو مذهب الأحناف.

جاء في مختصر القدوري (ص: 105) :” وإذا مات أحد المتعاقدين وقد عقد الإجارة لنفسه انفسخت الإجارة وإن عقدها لغيره لم تنفسخ”.

الثاني: أن عقد الإجارة لا يفسخ بموت المستأجر، بل ينتقل إلى ورثة حسب المدة المحددة في العقد.

جاء في المغني، 6/3: ” لأنه يصح تمليكها في حال الحياة، وبعد الموت.

وفي الفقه المالكي: ” إذا كان وجيبة ولم ينقد فلا ينفسخ الكراء بموت المستأجر بل يبقى على ورثته”. شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 156).

وعلى رأي جمهور الفقهاء، فإن بقي في عقد الإجارة مدة معينة، فينتقل حق الانتفاع بالإيجار للورثة جميعا، بحيث يمكن أن يتراضوا، إما أن ينتفعوا بها معا، أو يتنازل البعض لشخص في مقابل.

الخلاصة

  1. لابد من تحديد مدة زمنية لعقد الإيجار، ولا اعتبار للقانون إن خالف هذا.
  2. الراجح من أقوال الفقهاء أنه ليس هناك مدة محددة بعينها، فيصح اشتراط أي مدة، مادامت العينة صالحة للاستئجار.
  3. الراجح أنه يجوز توريث عقد الإيجار، مادام بقي فيه مدة باقية من العقد الأول، وينتفع به الورثة حسب درجة الورثة، ويجوز التنازل فيه بالتراضي بين الورثة.