لقد اعتنى الإسلام بـ حقوق المرأة وكرمها وأعطاها حقوقها كاملة بما يناسب فطرتها وطبيعة تكوينها، لأن دين الإسلام ليس اجتهادا بشريا، وإنما هو وحي من الخالق سبحانه، الكتاب والسنة، وقد قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك (14).

قال عمر بن الخطاب: “كُنَّا في الجاهليةِ ما نَعُدُّ للنساءِ أمراً حتى أنزلَ الله فيهنَّ ما أنزَلَ، وقسمَ لهُنَّ ما قسم وذكرهنَّ الله، رأينا لهن بذلك علينا حقاً”[1].

هكذا كان حال المرأة قبل الإسلام في الجاهلية الأولى وهكذا الحال في جاهلية القرن العشرين، قد لا يكون الظلم وامتهان الكرامة، بنفس الأساليب والنمط بل تغيرت الأساليب والوسائل ولكن المؤدى واحد.

ولهذا تقول الدكتورة الأمريكية كاري آن أوين: أعجبني احترام الإسلام لتعليم الجنسين، وتوفير حقوق المرأة.[2] وقد دخلت كاري في الإسلام لتجد حقوقها كامرأة.

هذه شهادة من امرأة مثقفة عركتها الحياة، وعركت الحياة في مجتمعها، ورأت وسمعت وعايشت كيف تعامل المرأة في غير الإسلام، وحينما عرفت منزلة المرأة في الإسلام وغير ذلك من شأنه اقتنعت به فنطقت بالشهادتين.

فالإسلام قد كرم المرأة تكريما عظيما، أما كانت، أو زوجة، أو بنتا، أو أختا، أو غير ذلك.

ومن تكريم الأم ما جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، ومنها قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } الإسراء(23، 24). وقوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} الأحقاف (15).

وجاء في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ[3].

وروى ابن ماجة من حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ: قَالَ: وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ قُلْت: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ.[4]

هذا من صور تكريم الأم في الإسلام، فقد أوجب برها، وطاعتها، والإحسان إليها، وجعل رضاها من رضا الله تعالى، وأخبر أن الجنة عند رجليها، وحرم عقوقها ولو بالتأفف منها، وجعل حقها أعظم من حق الوالد، وأكد العناية بها ولا سيما في حال كبرها وضعفها، وهذا ليس خاصا بالأم المباشرة، بل يشمل الجدة أيضا فإنها أم.

ولهذا لما رأت الطبيبة الأمريكية أم عبد الملك، عناية أحد المسلمين بأمه المريضة في المستشفى أذهلها ما رأت وقالت: عشت بعده في أحلام يقظة أتخيل خلالها أني أم ولي أبناء يحبونني ويسألون عني ويحسنون إلي حتى آخر لحظة من عمري، ودون مقابل، هذا الحلم الجميل جعلني أعلن إسلامي دون أن أعرف عن الإسلام سوى حقوق الوالدين فيه.

ثم إن المرأة إذا كانت زوجة فالإسلام قد كرمها، وأوصى بها الأزواج خيرا، وأمر بالإحسان في عشرتها، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء(19). وقال صلى الله عليه وسلم: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا.[5]

كما أخبر الإسلام أن للزوجة على زوجها من الحق مثل ما له عليها إلا أنه يزيد عليها درجة، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة. قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة(228).

ومن صون حقوق المرأة كرم الإسلام المرأة إذا كانت بنتا، فرغب بالأجر العظيم والثواب الجزيل على إحسان تربيتها وتعاهدها، بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سببا للقرب منه في الجنة، فقد روى ابن ماجة في سننه من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[6].

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ[7].

كما كرم الإسلام المرأة إذا كانت أختا، أو عمة، أو خالة، بما أمر به من صلة الرحم الواجبة، والإحسان إليها ولو أساءت، وصلتها ولو قطعت.  فلها حق الإجلال والتكريم والإحسان والصلة وذلك مما يبتغى به رضى الله تعالى؛ للحديث القدسي أن اللَه تعالى قال عن الرحم: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ[8].

ولا يمكن للمرء استقصاء النصوص الشرعية في الإسلام الدالة على تكريم المرأة، أو حصر أوجه ذلك التكريم.

وبضدها تتميز الأشياء كما قيل، فمن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى، علم بأنها لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام.

لكن بعض الناس لعمى في البصيرة، وانتكاس في الفطرة، قد يحسب ما هو إهانة تكريما، وهنا تنقلب الموازين وينشأ سوء الفهم ويحصل الخلط والخبط.

قد تُنْكِر العَيْن ضَوء الشَّمْس مِن رَمَدٍ *** ويُنْكِر الفَـمُ طَعْمَ الْمَاء مِن سَقَمِ

يذكر محمد شاهين في كتابه سماحة الإسلام: أن البرلمان الإنجليزي أصدر قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد لأنها تعتبر نجسة[9].

ويذكر المقدم في عودة الحجاب أن: القانون المدني الفرنسي نص بعد الثورة الفرنسية على أن القاصرين هم الصبي والمجنون والمرأة، حتى عدل عام 1938، ولا تزال فيه بعض القيود على تصرفات المرأة المتزوجة.

وظلت النساء طبقا للقانون الإنكليزي العام- حتى منتصف القرن الماضي تقريبا- غير معدودات من “الأشخاص” أو ” المواطنين” الذين اصطلح القانون على تسميتهم بهذا الاسم، لذلك لم يكن لهن حقوق شخصية، ولا حق في الأموال التي يكتسبنها، ولا حق في ملكية شيء حتى الملابس التي كن يلبسنها.

بل إن القانون الإنكليزى حتى عام 1805م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات “نصف شلن” ، وقد حدث أن باع إنكليزى زوجته عام 1931م بخمسمائة جنيه، وقال محاميه في الدفاع عنه:  “إن القانون الإنكليزي عام 1801م يحدد ثمن الزوجة بستة بنسات بشرط أن يتم البيع بموافقة الزوجة”، فأجابت المحكمة بأن هذا القانون قد ألغى عام 1855م بقانون يمنع بيع الزوجات أو التنازل عنهن، وبعد المداولة حكمت المحكمة على بائع زوجته بالسجن عشرة أشهر.

ويستطرد في وصف بعض ما هنالك نقلا عن الدكتور مصطفى السباعي، أن المرأة في بلاد الغرب قد دفع بها الوضع الاجتماعي الذي لا يرحم إلى أن صبحت تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في الكدح لنيل لقمة العيش، وإذا ما رغبت- أو أجبرتها الظروف- في البقاء في المنزل مع أسرتها بعد هذه السن، فإنها تدفع لوالديها إِيجار غرفتها، وثمن طعامها، وغسيل ملابسها، بل تدفع رسمًا معينا مقابل اتصالاتها الهاتفية[10].