خباب بن الأرت رضي الله عنه صحابي جليل من بني تميم، سبي في الجاهلية وبيع في مكة. بلغه النبأ العظيم، فكان من السابقين الأولين إلى الإسلام. تحمّل في سبيل الله أنواعًا قاسية من العذاب، لكنه ثبت على إيمانه ولم يتراجع عن دينه،فكان مثالًا حقّا للمؤمن الصادق الذي لم تثنه المحن عن عقيدته، بل زادته إيمانًا وتسليمًا.
نسب خبّاب ونشأته
خباب بن الأرت رضي الله عنه هو ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة ، من تميم . يكنّى بأبي يحيى التميمي وقيل كنيته أبو عبدالله. قيل إنه سبي في الجاهلية وأُخذ إلى مكة، هناك اشترته أمّ أنمار الخزاعيّة ليصير مولى لها وهو غلام لم يبلغ الحُلُم، وجعلته في صناعة السيوف حتى غدا سيافا ماهرا.
سمع خباب بن الأرت رضي الله عنه كلاماً عجبا، وبلغه خبر رسالة محمد ﷺ فكان سادس ستة أسلموا حتى قيل إنه (سُدس الإسلام). ,كان خباب رضي الله عنه من البدريين وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله ﷺ.
صفات خبّاب وصور من صبره
كان خبّاب شجاعا أبيّا صبورا، أوذي في الله عز وجل فما وهن لما أصابه في سبيل الله وما ضعف ولا استكان. لم يكتم خبّاب خبر إيمانه، ولم تكن له إذ ذاك عشيرة تحميه، ولا أموال تسنده، ولا عصبية يلجأ إليها. فأخذته قريش فعذّبته عذابا شديدا، وكانت تُحمي السلاسل فتكبّل بها يديه وقدميه، وتُخمِد الجمر في جلده رضي الله عنه. وما نقمت منه قريش إلا إيمانه بالله العزيز الحميد، وبغضه للجاهليّة الجهلاء، ومحاولة خروجه من ضيقها وظلامها إلى سعة الإسلام ونوره.
يحكي خباب بن الأرت رضي الله عنه قصة ذهابه ذات يوم مستنجدا برسول الله ﷺ، ومعه بعض المعذّبين فيقول: شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبة، فقلنا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فقال: “قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمِنْشَارِ فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصُدُّهُ ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غَنَمِه، ولكنكم تستعجلون”.
فكان أن زادت كلمات رسول الله ﷺ قلوبَ أصحابه إيمانا فوق الإيمان، وثباتا فوق الثبات.
سألَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافتِه خبّاباً عما لَقِيَ من المشركين، فقال خباب: (يا أمير المؤمنين، انظُر إلى ظهري)، فقال عمر رضي الله عنه: (ما رأيت كاليوم)، قال: (أوقَدُوا إليّ ناراً، فما أطفأها إلا وَدكُ ظهري). والودك هو الشّحم.
ويروي الثوري عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي، قال: قال عمر رضي الله عنه لخباب: ادنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمّار. قال : فجعل يريه بظهره شيئا، يعني : من آثار تعذيب قريش له.
مواقف من حياة خباب بن الأرت
هاجر خباب بن الأرت مع من هاجر إلى المدينة، فآخى رسول الله ﷺ بينه وبين تميمٍ مولى خِرَاش بْن الصمّة، وقيل: جَبرِ بنِ عَتِيك.
يحكي خبّاب رضي الله عنه عن هجرته فيقول: هاجرنا مع رسول الله ﷺ نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات، ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد، وترك نَمِرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه، بدا رأسه، فأمرنا رسول الله ﷺ أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها. ومعنى يهدبها أي يقطفها ويجتنيها.
ولخباب رضي الله عنه قصة مع العاص بن وائل، وكان حينها رجلًا قَيْنًا له على العاصِ بنِ وائلٍ دَيْنٌ فأتَاه يتقاضاه فقال له: لا أَقضيك حتَّى تكفُرَ بمحمَّدٍ فقال خباب: لن أكفُرَ به حتَّى تموتَ ثمَّ تُبعَثَ قال: وإنِّي لَمبعوثٌ بعدَ الموتِ سوف أَقضيك إذا رجَعْتُ إلى مالي وولدي. فنزَلتْ هذه الآيةُ { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا } (مريم: 77).
وفاة خبّاب ومعاناته مع المرض
نزل المرض بالصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه، فاشتدّ به، ودخل عليه في حالته تلك قيس بن أبي حازم رضي الله عنه فقال: دخلنا على خَبَّابٍ وقد اكْتَوَى سبعَ كَيَّاتٍ في بطنه، فقال: «لَوْ مَا أَنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا أَنْ نَدْعُوَ بالموت، لَدَعَوْتُ بِهِ». توفي خباب رضي الله عنه ودفن بالكوفة عام سبع وثلاثين عن ثلاث وسبعين سنة فرضي الله عنه .
وقيل: مات في خلافة عمر وصلى عليه عمر رضي الله عنه وردّ الذهبي على هذا بقوله: ليس هذا بشيء، بل مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين وصلى عليه علي رضي الله عنه. وقيل إنه لم يمت حتى عاش ثلاثا وسبعين سنة.
لخبابٍ رضي الله عنه اثنان وثلاثون حديثا بالمكرر. حدّث عنه : مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعدة.
دروس وعبر
من أهم الدروس المستفادة من قصة الصحابي الجليل خبّاب، الثبّات على المبدأ والصبر على الابتلاء، فخبّاب رضي الله عنه رغم التعذيب الشديد، ما تخلى عن إيمانه وما داهن أو بدّل.
ومن الفوائد كذلك المسارعة في الخيرات والسبقُ إليها، إذ كان خباب بن الأرت رضي الله عنه من السابقين الأولين الذين استجابوا لله ورسوله.
من العِبر كذلك التضحية، حيث كان خبّاب مثالا للتضحية الحقّة، تاركا وراءه كل شيء، مهاجرا ابتغاء مرضاة الله ونصرةً لدينه.