هي أم القاسم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية أم المؤمنين، وأول امرأة تزوجها النبي ﷺ، وأول من آمن برسالة النبي ﷺ، فقد اعتنقت الإسلام في عشية نزول أول وحي على النبي ﷺ بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا امرأة، ولم يكن على وجه الأرض مؤمن غيرها، وصدقته قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة، وهي سيدة نساء المسلمين في زمانها، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة.
تزوجت خديجة بنت خويلد قبل النبي ﷺ أبي هالة بن زرارة التميمي، وبعده تزوجت عتيق المخزومي، وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال على مالها مضاربة، فلما بلغها عن رسول الله ﷺ ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج لها في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة فقبله رسول الله ﷺ منها، وخرج في مالها ذاك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى نزل الشام.
وحكى لها غلامها ميسرة الذي صحبه عن أخلاقه وطباعه، فأعجبت به، وقد خطبها لأبيها خويلد بن أسد فزوجه منها[1].
زواج النبي بخديجة: تزوج النبي ﷺ بخديجة بنت خويلد، فأصدقها عشرين بكرة، وكانت أول امرأة تزوجها، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت قال ابن إسحاق: فولدت لرسول الله ﷺ ولده كلهم – إلا إبراهيم -: القاسم وكان به يكنى وعبد الله وهو الطيب والطاهر، وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة[2].
وأكبر ولده عليه الصلاة والسلام القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية وكان أول من مات من ولده القاسم ثم عبد الله، وبلغت خديجة خمسا وستين سنة. وإن وفاة خديجة كانت بعد أبي طالب عم الرسول ﷺ بثلاثة أيام، وكان موتها في رمضان، ودفنت بالحجون[3]، ولما اجتمع حزن فراقها على رسول الله عليه وسلم وموت عمه في عام واحد أطلق على ذلك الوقت بعام الحزن وذلك قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة بثلاث سنوات.
مناقب خديجة رضي الله عنها وفضائلها
ثبتت لأم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها مناقب كثيرة ومآثر طيبة تدل على مكانتها في قلب النبي ﷺ وحسن إسلامها، وصبرها وتحملها لأنواع الأذى والبلاء التي تواجهها وهي مع النبي ﷺ في مراحل الدعوة في مكة المكرمة.
ويشير حديث بدء الوحي في الصحيحين إلى وقفتها الخالدة مع النبي ﷺ مع أول الوحي الإلهي حين لقيه جبريل عليه السلام، وقد ذكرت عائشة في حديث بدء الوحي ما صنعته خديجة من تقوية قلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لتلقي ما أنزل اللَّه عليه، فقال لها: «لقد خشيت على نفسي» .
فقالت: كلا، واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. وذكرت خصاله الحميدة، وتوجهت به إلى ورقة.
وقد ذكره ابن إسحاق، فقال: وكانت خديجة أول من آمن باللَّه، ورسوله وصدق بما جاء به، فخفف اللَّه بذلك عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه، فيرجع إليها إلا تثبته وتهوّن عليه أمر الناس[4].
عن عائشة، ” أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب “[5].
وفي حديث أبي هريرة يقول: أتى جبريل النبي -ﷺ- فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران “، قال أبو كريب: وأشار وكيع إلى السماء والأرض
وعن عائشة، قالت: “ما غرت على أحد من أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عله وسلم لها، وإن كان مما تذبح الشاة يتبع بها صدائق خديجة، فيهديها لهن.
وعن عائشة، قالت: كان رسول الله ﷺ لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها.
فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: ” هل كانت إلا عجوزا، فقد أبدلك الله خيرا منها فغضب حتى أهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا، والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء “.
قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبدا.
وكان من وفاء النبي ﷺ وحسن العهد به وصلة رحمه مع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وعن أنس كان النبي ﷺ إذا أتي بهدية قال اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة وإنها كانت تحب خديجة.
[1] قال أكرم العمري: ويذهب ابن إسحاق إلى أن خديجة كانت في الثامنة والعشرين من العمر، في حين تذهب رواية الواقدي إلى أنها كانت في الأربعين. انظر: «السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية» (1/ 113).
[2] «البداية والنهاية» (3/ 463 ت التركي).
[3] الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.
[4] «الإصابة في تمييز الصحابة» (8/ 100).
[5] والحديث اشتهرت روايته عن جمع كبير من الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم أبو هريرة وابن أبي أوفى وغيرهم. انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة (7/80).