لا تزال شعوب الأمة العربية تعاني من تبعات التراجع الحضاري الذي تعيشه على كافة الأصعدة العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب ابتعادها عن وسائل النهوض المتمثلة في القراءة والمطالعة التي أثبتت التجارب أنها أقصر الطرق إلى بلوغ مصاف الأمم المتقدمة في العصر الحديث.
ولعل أخطر ما تواجهه أمة “اقرأ” هو الابتعاد عن القراءة وضعف مستوى الاطلاع لدى شرائح واسعة من الشعوب العربية، ففي الوقت الذي يقرأ فيه الفرد من أمم أخرى عشرات الكتب خلال سنة واحدة يشترك عشرات العرب في قراءة كتاب واحد بحسب التقارير الصادرة في هذا المجال.
إلا أن الصورة ليست قاتمة إلى هذا المستوى الذي يصوره بعض الباحثين والدارسين، -على الأقل في بعض الدول العربية- التي بدأت تبرز فيها بين الحين والآخر تجارب تستحق الإشادة والتشجيع نظرا لما يمكن أن تحققه من نجاح في بعث روح القراءة من جديد وإحياء الدور الريادي للعرب الذين قامت الحضارة الحديثة وعلومها التجريبية على كتبهم عندما كانوا يعرفون قيمة الكتب.
في ليلة من ليالي شهر /10/ 2013 كان المجتمع القطري على موعد مع انطلاق تجربة ثقافية رائدة بطلاتها فتيات قطريات نابهات على قدر كبير من المسؤولية ووضوح الرؤية فيما يتعلق بأهمية ودور الكتاب.
في ذلك التاريخ أعلنت تلك المجموعة عن ميلاد ” نادي خير جليس” الذي يعتبر تجربة رائدة في عالم القراءة والمطالعة والرفع من المستوى الثقافي لدى المجتمع القطري، بل والعالم العربي أجمع عندما تنتشر التجربة وتصل إلى المستوى الذي يخطط له القائمون على هذه التجربة الرائعة.
ف ” نادي خير جليس” يراد له أن يكون نواة لإعادة المثقفين إلى درب المطالعة، حيث بدأت التجربة باتفاق الحاضرات على انتقاء كتاب معين وتوزيع نسخ منه على أعضاء المجموعة، وبعد شهر تجتمع لمناقشة الكتاب وأهم محتوياته، وشيئا فشيئا توسّعت دائرة النادي من مجموعة واحدة إلى 15 مجموعة للسيدات و6 مجموعات للرجال، أكملوا خلال سنتي 2013 – 2014 قراءة عشرات الكتب في مختلف المجالات، علما أن النادي يواصل جهوده لتوسيع نشاطه وتشكيل مجموعات إضافية سعيا لبلوغ الهدف المنشود وهو إشاعة المطالعة وقراءة الكتب في المجتمع القطري، وغيره من المجتمعات التي ستستفيد من هذه التجربة مستقبلا بحسب القائمين على النادي.
ولا تتوقف أنشطة ” خير جليس” على انتقاء الكتب ومطالعتها، بل إنها تتعدى ذلك إلى استضافة كتاب بارزين في الساحة القطرية وربطهم بجمهور القراء عن طريق ورش تدريب يقدمها هؤلاء لرواد النادي وتعليمهم فنون الكتابة بكل أنوعها، لذا كانت الشخصية الأدبية والثقافية والكاتبة المشهورة الأستاذة عائشة جاسم الكواري ضيفة شرف على النادي في جلسته النقاشية لشهر يناير 2015 لتطلع أعضاء نادي خير جليس على تجربتها في عالم الكتابة ولتعطي درسا عمليا للشباب –من الجنسين- في خوض غمار الكتابة.
تقول عائشة الكواري إن الكتابة هي توثيق لجهود الكاتب الذي يجب عليه قبل الدخول إلى هذا العالم أن يطرح هذا السؤال على نفسه ” لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟” مشيرة إلى أن الانطلاق من هذه القاعدة يعتبر أحد أسس النجاح للكابت الذي ينبغي له أن يكتب في تخصصه الذي يمكنه أن يبدع فيه، فالإنسان –تضيف عائشة- مثل الوعاء أو بركة المياه، وتراكم خبراته وتجميعها يشبه تراكم المياه في البركة التي تحتاج إلى من يلقي فيها حجرا لتتحرك المياه إلى القنوات، والكاتب بحاجة ماسة إلى قنوات لتصريف مياه أفكاره العذبة، ولن تكون تلك القنوات سوى الكتابة.
ولفتت الكواري إلى أنه يجب على الكاتب أن لا يحتقر أي حرف أو جملة يكتبها في بداية مشواره، فمن يدري؟ قد تؤثر تلك الجمل التي يرى أنها بسيطة إيجابيا على أشخاص لامست مستواهم الثقافي، وعندما ينضج قلم الكاتب ويصل إلى عالم الشهرة عليه أن لا يجلس في برج عاجي ويضع نظارات سميكة بينه وبين الجمهور، فهذا يعد السبب الأول لسقوطه، فمخالطة الجمهور والبحث عن مشاكلهم هي وحدها الكفيلة بتطوير ملكة الإبداع لدى الكاتب، لأن الكتابة من فراغ سيكون مصيرها الفراغ.
وفي ختام محاضرتها قامت عائشة جاسم الكواري بقراءة بعض النصوص القصصية من كتابها الجديد ” سدرة شمة” الذي لاقى إقبالا كبيرا من طرف الجمهور القطري في معرض الكتاب الذي نظّم في الدوحة قبل شهر، وأجمعت الحاضرات على أن لغة كتاب ” سدرة شمة” الراقية المستوحاة من قصص واقعية وتركيزه على ثقافة البلد جعل منه حديث المثقفين القطريين والخليجيين، وشرحت عائشة عنوان الكتاب قائلة إن ” السدرة” تعتبر شجرة عربية أصيلة كانت الأمهات يحرصن على غرسها أمام بيوتهن لتجتمع تحت ظلها العائلة الواحدة، لافتة إلى السدرة بالنسبة لها هي الوطن، أما ” شمة” فلم تكن سوى والدة عائشة الكواري التي شجعتها على الدراسة والكتابة.