خرج علينا في يوم الجمعة الموافق 19 أكتوبر الدكتور سيد القِمني على قناة “القاهرة والناس” ملقيًا الكثير من الأسئلة التي أسماها ملغزة، وتساؤلات تزعج الذهن العاقل.

ولن نقف مع كل ما ذكره، بل نختار بعضًا من هذه الأسئلة أو الشبهات التي فجّرها القمني.

والقمني قبل مناقشة بعض أطروحاته نعرّف به من خلال ما عرّف به نفسه، فيقول: “أنا علماني حتى النخاع وفق تعريفي للعلمانية؛ فإنّها بفتح العين تهتم بعالمنا الذي نعيش فيه وحده، وإنّها بكسر العين لهي المنهج العلمي في التفكير، لعدم إمكانية معرفة عالم الغيب حتى لو كان موجودًا مما يجعل وجوده وعدمه سواء”([1]).

فهو منكر للغيب حتى وإن كان موجودًا.

وهو الذي قال عن “الملحدين العرب”: “إن هؤلاء هم مَن أضاءوا حياتي الحالكة السواد، وملؤوا سمائي نورًا”([2]).

أما نظرته الخاصة للقرآن الكريم فهي “أنّ القرآن سجلٌّ هامٌّ لمرحلة زمكانية من تاريخ الحجاز”([3]).

وهذا يعني مرحلية القرآن الكريم، وأنه ليس صالحًا لكل عصر من العصور.

أما أشهر كتبه فهي: “رب الثورة أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، الأسطورة والتراث، قصة الخلق منابع سفر التكوين، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، الحزب الهاشمي، حروب دولة الرسول، النسخ في الوحي، شكرًا ابن لادن، رب الزمان، السؤال الآخر، أهل الدين والديمقراطية، عفاريت التراث وتراث العفاريت، النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة، سلسلة من عشرة كتيبات بعنوان: فقهاء الظلام، انتكاسة المسلمين إلى الوثنية، وغيرها”([4]).

وقد كان لي وقفات مع بعض أطروحاته القديمة التي طعن من خلالها في الإسلام والمسيحية، وذلك في مقالة: “الإسلام وحرية الإبداع”([5]).

أما الجديد في أطروحاته فهو ما يلي:

1- قدماء المصريين والأفاعي وشق البحر

من المعلوم بين أهل الأديان أن تحول العصا إلى ثعبان، واستخدام تلك العصا في شق البحر كانت معجزة خالصة لموسى -عليه السلام.

لكن القمني يأتي بصورٍ فرعونية قديمة فيها رسومات للأفاعي ولرجال يحملون عصوات في أيدهم، وصورٍ لمياه جارية، ثم يزعم أن هذه الصور فيها ما يشبه معجزات موسى -عليه السلام.

ويأتي بنص في التوارة من سفر التكوين وهو عهد الله -تعالى- لنبيه إبراهيم -عليه السلام، والذي جاء فيه: “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ”([6]).

ثم يربط بين الرفائيين المذكورين في النص بالرفاعيين الموجودين في مصر أتباع السيد القطب أحمد الرفاعي -رضي الله عنه.

ويزعم أن الرفائيين هؤلاء هم المعالجون وصائدو الحيات ومروضو الثعابين.

لكن برجوعي لمعنى الرفائيين في التوراة وجدت الأمر على غير ما ذكر، فهو “اسم عبري معناه: “ظلال الموتى”، “أرواح الراحلين”، “جبابرة” عشيرة من الجبابرة سكنوا قديمًا في فلسطين شرقي الأردن وغربه حتى قبل وصول إبراهيم”([7]).

فأظن أن هؤلاء هم الجبابرة المعنيون في قصة موسى وقومه حينما تجادلوا حول دخول الأرض المقدسة: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: 21-22].

فكيف يكون الرفاعية امتدادًا لهؤلاء الرفائيين؟

لقد اعتبر التقارب الصوتي دليلاً على اتحاد المهنة والوظيفة، وهي التعامل مع الثعابين والحيات، وإذا به يرتب على ما ادعاه بقوله: “إن الرفائيين والرفاعيين وقدماء المصريين عرفوا سرها وكيف أنهم يضغطون على غدة عند الحية فتسكن ولا تتحرك، وتظهر كأنها غصن شجرة أو ما يشبه الحطب أو الخشب وتتصلب”.

والرفاعيون أصلهم من العراق وليسوا من مصر؛ فهذه الدعوى ألصق بأهل العراق منهم بأهل مصر، لكنه يريد أن يجعل المصريين محور الديانات، وأن أساطيرهم وتاريخهم أثر في الأديان السماوية.

وكذلك الرفائيون من بلاد الشام وليسوا مصريين، لكنه يخلط الأمور لتجري على هواه ودعواه.

ثم يقول: “أنا أتصور أن مشهد الحيات في مصر القديمة هو الذي أوعز بفكرة العصا التي تشق الماء”.

هذه هي النقطة التي يلقي من أجلها شبهاته، أن التوراة والقرآن أخذا ما كان معروفًا عند المصريين وألصقاها بشخصية موسى النبي.

فيقول: “عصا تنقلب حية وتشق البحر، وصور شق للمياه عند الفراعنة.

إذن المسألة ليست مجرد أساطير، أو كلام أديان نؤمن به وينتهي الأمر، فالحكاية فيها كلام، والكلام له أصول”.

فهو ما يعتبر ما ورد في التوراة والقرآن أساطير، ثم ينفي عنها الأسطورة بدعوى أن الكتب المقدسة أخذتها ونسبتها لبعض الأنبياء.

ويتضح كلامه أكثر حينما قال: “لوحات موجودة قبل التوراة والقرآن، ألا يعني هذا أن هناك شيئًا لا نعرفه ولا نعلمه بشكل واضح لدى المصري القديم وامتلاكه قدرات أكدها القرآن”.

فالكتب السماوية عنده قد سطت على أحداث ونسبتها لغير أشخاصها، أو استفادت بشهرتها ونسبتها لآخرين.

وبعد إلقاء شبهته يقول: “إنه لا يملك تفسيرًا جامعًا مانعًا، إنما أراد أن يضع أمامنا الأسئلة الملغزة التي تبحث عن حلول”.

2- نارمر” في الوادي المقدس طوى

نارمر أو مينا هو موحد القطرين والذي جعل مصر دولة واحدة، يزعم القمني من خلال صورة لنارمر وهو قابض على أحد أعدائه أنه أحد أهل سيناء وليس من أهل الدلتا، وأن ذلك في أثناء حجه للوادي المقدس طوى؛ حيث تجلى الله له.

والسؤال: كيف لنارمر الآتي من الجنوب أن يذهب لسيناء قبل أن يجعل أهل الدلتا (أهل الشمال) تحت حكمه؟

ولم يُعرف عن نارمر في التاريخ أنه نبي حتى يحظى بتجلي الله له في الوادي المقدس طوى.

إنه ينزع عن النبي موسى كل ما اختُص به، ويُلبسه على غيره من السابقين حبًّا لتاريخ مصر الفرعوني.

وليته تاريخ حقيقي، بل هي أوهام ومزاعم يزعهما، وقد رد على علماء التاريخ والمصريات فقالوا: “إن كل الأدلة العلمية والتاريخية تدل على أن الملك مينا هو موحد القطرين، وأى كلام مخالف لذلك فهو عبث.

وتابع حواس في تصريحات  صحفية أن الملك مينا هو من وحد مصر العليا والسفلى، وأن ما قيل على لسان الدكتور سيد المقنى غير صحيح تمامًا، فهو لم يدرس الآثار ولا تاريخ الحضارة المصرية القديمة، ومعلوماته حولهما ضئيلة جدًّا”([8]).

هذا الرجل يريد تقديس هذا التاريخ لهوى في النفس، في مقابل الطعن في الكتب المقدسة، وتصل به المبالغة أن جعل الوادي المقدس طوى أقدس مكان على وجه الأرض، وما ذلك إلا لأنه موجود في مصر.

فهذا الجديد عنده، لا يصرح بالطعن في القرآن، لكن لازم كلامه يفصح عن ذلك.

وسيل الشبهات لن تتوقف حتى قيام الساعة، لكن المهم أن يقف أهل العلم أمام تلك الشبهات ويعملوا على دحضها وكشف زيفها.


([1]) موقع قناة الملحدين العرب.

([2]) السابق.

([3]) السابق.

([4]) السابق.

([5]) مجلة الوعي الإسلامي، العدد (530)، 1430هـ – 2009م، ص(70-71).

([6]) الأصحاح 15، الآيات: 18-21.

([7]) قاموس الكتاب المقدس، دائرة المعارف الكتابية المسيحية، https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/10_R/R_093.html.

([8]) موقع صوت الأمة.