قال تعالى عن نبيه داود عليه السلام: ﴿‌إِنَّا ‌سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩)﴾ [ص]، لقد عبر المولى- عزوجل -عن حال الجبال في التسبيح بالفعل المضارع “يسبحن”، وتحول عن ذلك إلى الاسم في ذكر الطير، فقال: “والطير محشورة”، ولم يجر السياق على نسق واحد فيكون (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن … والطير يحشرن)، فيسوي بينهما في الفعلية.

يرى الزمخشري أنه اختير الفعل (يسبحن) على (مسبحات) للدلالة على “حدوث التسبيح من الجبال شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال، وكأن السامع محاضر تلك الحال يسمعها تسبح”، ثم تحول في وصف الطير إلى الاسم، فقال: “والطير محشورة” وذلك أنه لما “لم يكن في الحشر ما كان في التسبيح من إرادة الدلالة على الحدوث شيئاً بعد شيء جيء به اسماً لا فعلاً، ولو قيل: “وسخرنا الطير يحشرن، على أن الطير يوجد من حاشرها شيئاً بعد شيء، والحاشر هو الله -عزوجل- لكان خلفاً؛ لأن حشرها جملة واحدة أدل على القدرة”(1).

فيكون هذا التحول دالاً على المغايرة بين فعل العبد وفعل الرب سبحانه فالتسبيح يقع من المخلوقات شيئاً فشيئاً، أما الحشر فيقع من الله جملة واحدة بأمر واحد، إذ يقول للشيء كن فيكون، وكذلك يدل على اجتماع الطير لداود عليه السلام في وقت واحد ساعة تسبيحه، لا أنها تحضر في أوان التسبيح شيئاً فشيئاً، بل تحضر معه جملة واحدة من بداية التسبيح إلى منتهاه ، ولو قال: “والطير يُحشَرنَ”، لدل ذلك على حدوث الحشر شيئاً بعد شيء واستغراقه فترة من الزمن.

ويضفي هذا التعبير  دلالة أخرى، إذ يبرز خصوصية النعمة التي أنعم الله بها على داود عليه السلام، إذ جعل الجبال تسبح معه والطير محشورة لـه، ومن شأن الجبال التسبيح الدائم لكونها تندرج ضمن قوله تعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌مِنْ ‌شَيْءٍ ‌إِلَّا ‌يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44].

لكن المولى -عزوجل- أراد أن يبرز نعمته على داود بتسبيح الجبال معه على وجه الخصوص، فأتى بالفعل المضارع (يسبحن) مع الجبال للدلالة على أن التسبيح المقصود من الجبال ليس ذلك التسبيح الدائم، بل هو تسبيح خاص بنبي الله داود يتجدد بتجدد تسبيحه.

ويؤيد ذلك دلالة المعية في الظرف (معه) المقدم على الفعل في قوله (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن).

  كذلك “من شأن الطير الحركة وسرعة التنقل ومن ثم فإن التعبير بصيغة الاسم (محشورة) يفيد أن الطير حين تحشر إلى داود عليه السلام؛ لتتجاوب مع تسبيحه، تفارق طباعها وتثبت في مكانها خاشعة لا تكاد تريم.


(1) الكشاف3/364