من دروس وخبرات الحياة أن الفرصة التي تأتيك مرة، ربما لا تأتيك تارة أخرى بنفس الكيفية والظروف التي أتتك في المرة الأولى، وبهذا المنطق يوصي المجربون والحكماء بانتهاز الفرصة من فورها واستثمارها أفضل استثمار. وهل حياتنا الدنيا المؤقتة هذه، سوى فرصة، يُحسِن استثمارها من يُحسن، ويسيء من يسيء؟.

رمضان إحدى الفرص الربانية التي يكرم الله به عباده، ذلك أن الحكيم الحصيف، والذكي الفطن هو من ينتهز هذه الفرصة ويستثمرها وهو بكامل أو بعض صحته وقوته. شهرٌ أيامه معدودة. ما أن يبدأ حتى يشتغل عدّاد الرحيل بشكل سريع.. هذا هو سر الدعوة إلى انتهاز كل لحظات الشهر واستثماره للغد الحقيقي، كيلا يصل المرء في يوم ما إلى تلكم اللحظات ليردد فيها عبارات الندم والحسرة على ما فرط وضيّع.

إنه من قلة الحيلة والحكمة إهدار الوقت في رمضان وعدم استثماره بالشكل الأمثل. نعم، قد يستشعر البعض ثقل أوقاته في البدايات، لكن سرعان ما يعتاد على النظام خلاله، ليبدأ يتكيف مع الظروف يوماً بعد آخر، وقد بلغنا الآن الثلث الثاني منه، وسنجد أنفسنا سريعاً في العشر الأواخر، وهكذا رمضان. فكما الفرص الثمينة التي تلوح في حياتنا فجأة ولم نستثمرها بالسرعة المناسبة تذهب سريعاً، فكذلك هو رمضان.

محطة شحن

نحمد الله أن بلّغنا رمضان، فقد دعا كثيرون الله أن يبلّغهم الشهر، لكن الآجال أو الأقدار كانت أسرع، وحالت بينهم وبين بلوغ الشهر. فهذا توفاه الله وذاك فقد عافيته، وأمثالهما كثير كثير.. فاللهم أتمم الخير على من بلغ الشهر.. هذه نقطة أولى.

النقطة الأخرى وكما يعلم الجميع، أن رمضان محطة لشحن طاقة النفس أو الروح، فكما يفعل أغلبنا قبل النوم بشحن الهاتف المحمول طوال الليل استعداداً ليوم آخر قادم وهو في كامل طاقته، فكذلك الحال تماماً ونحن نعيش أجواء رمضان المباركة.

ندخل الشهر عادة، كما هواتفنا المحمولة حين تصل طاقتها إلى 1% فتجدنا نبحث عن مصدر طاقة لإعادة شحنها، وكذلك كل مسلم ومنذ اليوم الأول من هذا الشهر الكريم – أو هكذا هو المفترض – يدخل لأجل شحن روحه بطاقة إيمانية تكفيه للعام القادم. ورمضان هو مصدر رئيسي لتلك الطاقة، وعبره نصل قلوبنا وأرواحنا برب رمضان والشهور كلها، نستمد منه سبحانه طاقة إيمانية نشحن بها قلوبنا وأرواحنا، وكلنا أمل أن نصل في نهايته وقد بلغت الطاقة الإيمانية للقلوب 100% كما الهواتف.

من هنا نعتقد أن شهر الصيام فرصة ثمينة لإعادة شحن القلوب لا تضاهيها فرصة أخرى طوال العام، بسبب أن كل الأجواء والظروف مهيأة لبدء عملية إعادة الشحن دون كثير معوقات ومشكلات، حتى إذا ما تمت العملية بسلام وكما ينبغي، نكون حصلنا على زاد وطاقة تكفينا شهوراً عديدة حتى موعد إعادة الشحن في رمضان قادم، إن كان الله قد كتب لنا بلوغه.

الصوم لي

في سياق الحديث عن الشهر الكريم، قد يتبادر إلى ذهنك تساؤل من قبيل: لماذا قال الله عز وجل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به»، الجواب باختصار شديد، هو أنك حين تعزم على أداء عبادة الصوم عن كل المباحات، وفي مقدورك بالوقت نفسه أن تشرب وتأكل في الخفاء ولكن لا تفعل، إنما هو دليل يقينك التام الذي تكوّن عندك، مفاده أن صومك إنما لله وحده وليس لأحد غيره. وبالتالي تكون حققت الشرط الأول وهو الإخلاص، لقبول عملك والدخول به إلى عالم العمل الحسن، حيث لا يجتمع الصوم والرياء أبداً.. ليبقى بعد ذلك تحقيق الشرط الثاني لوصول صومك إلى المستوى الذي يعتبره الله عز وجل أنه له وحده وهو الذي يجزيك عليه، هو أن تصوم على الوجه الذي أمرنا به الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – وهو أيسر من الشرط الأول.

لكن وقبل أن أختم الحديث في هذه العجالة، أجد أهمية تذكير بعضنا البعض – والتحذير في الوقت ذاته – من لصوص الوقت في رمضان.. المسلسلات التلفزيونية، الولائم الليلية اليومية، الانكباب على الخيم الرمضانية والفعاليات الفنية والرياضية وما شابهها، بالإضافة إلى اللص الأكبر وهو الهاتف الجوال ومعه وسائل التواصل المختلفة.

كلها أشبه بلصوص وقت، يسرقون منك الأوقات بهدوء سلس مستمر، لا تتنبه لها إلا وقد انتهى الوقت برؤية هلال شوال! فاز حينذاك من فاز، وخسر من خسر. وبالطبع لا تريد أن تكون من أولئكم الخاسرين.

مع كل ما سبق ذكره، هل قلنا شيئاً جديداً غير معروف لك؟ بالطبع لا، لأنه كلام مكرر محفوظ، أو إن صح التعبير، هو اجتهاد سنوي دوري نقوم به كما غيرنا من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، ليس أكثر. سائلاً الله عز وجل لنا ولكم العافية، وأن يعيننا على صيام نهار رمضان وقيام ليله، والهداية لترك السيئات والإكثار من فعل الخيرات، فإنه بكل جميل كفيل وهو دوماً وأبداً، حسبُنا ونعم الوكيل.