فاعلية السيمياء في العنوان البحثي : إن اختيار عنوان البحث يحتاج إلى عدة معايير، منها:

  1. ألا يكون هذا العنوان قد كُتب فيه من قبل.
  2. أن يقدِّم هذا العنوان حلًّا لمشكلة معينة.
  3. أن يكون هذا العنوان معبرًا عما في داخل البحث، والعكس صحيح.
  4. توجد عناوين تتكون من متغيرين وعناوين تتكون من ثلاثة متغيرات.
  5. كذلك توجد عناوين تطبيقية، بمعنى أن نقول –مثلًا- النفاق دراسة بنيوية ،وهكذا.
  6. كما توجد عناوين وصفية (ضمن الدراسات الوصفية فقط) مثل: الإدارة، دورها وأهدافها.
  7. العنوان البحثي هو بداية المرحلة البحثية؛ ولذلك يجب أن يُختار بعناية، ويكون فيه قدر من الإبداع والتجديد، ولا يكون تكرارًا للمكرر، كما يجب أن تكون صياغته ملائمة وواضحة وسهلة.

وبناءً على ما تقدم فإن بعض العناوين تجنح إلى الغموض والتكلُّف وهي في حقيقة الأمر بناء أجوف إذا طالعت ما تحتها من كلام وأفكار، كما أن بعض العناوين تعطي انطباعًا خادعًا في بداية الأمر كما يصدق عليها المثل “أسمع ضجيجًا ولا أرى طحنًا”، فهي مجرد توهمات يحاول بها الكاتب خداع الآخرين؛ لكن المتمرِّس يدرك ذلك من الوهلة الأولى.

وإنني على يقين من إدراك علمائنا القدامى لقضية دلالة العنوان، وإلا فما تفسير هذه العناوين التي سطروها على الصفحات الأولى من كتاباتهم كعنوان البخاري على غلاف صحيحه “الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه”، وتم اختصاره فيما بعد لصحيح البخاري.

فهذه العناوين تحمل علامات معرفية متعددة لا يدركها إلا أصحاب الفَهم الراقي.

وانظر إلى كتاب: “عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي” للإمام ابن العربي المالكي.

يقول ابن خلكان في ترجمة ابن العربي: “العارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة إذا كان ذا قدرةٍ على الكلام، والأحوذي: الخفيف الشيء لحذقه، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور، القاهر لها، الذي لا يشذ عليه منها شيء”( ).

يقول ابن العربي بعد أن طلب منه تلاميذه وألحوا عليه في الطلب في هذا الأمر “فخذوها عارضةً من أحوذي، علم كتاب الترمذي، وقد كانت همتي، طمحت إلى استيفاء كلامه بالبيان، والإحصاء لجميع علومه بالشرح والبرهان؛ إلا إنني رأيت القواطع أعظم، والهمم أقصر عنها، والخطوب أقرب منها، فتوقفتُ مدةً إلى أن تيسرت مندة الطلبة واغتنمتها”( ).

“والتحفة هي الشيء الجميل والمتقن والذي يكون على هيئة جيدة وشكل محكم”.

فلعل المؤلف – رحمه الله – أراد أن يشير إلى أن كتابه هذا هو أجمل وأتقن ما أتى به الأحوذي المشمر في الأمور من مباحث جليلة واستنباطات دقيقة وإشارات طيبة فجزاه الله خير الجزاء.

 وأريد أن ألفت نظر أخي الكريم أن مقدمة (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) مقدمة جليلة لما حوته من أبحاث قيمة تضمنت نقاطًا أساسية لا ينبغى للباحث الأحوذي أن يغفل عنها”( ).

وكتاب “القبس شرح موطأ مالك بن أنس” للإمام ابن العربي المالكي.

وغيرها من العناوين في كافة التخصصات. ففي القراءات تجد “حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع” للإمام الشاطبي.

وفي اللغة تجد “الخصائص” لابن جني، ولماذا اختار هذا العنوان؟

وفي الأدب والنقد تجد “المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر” لابن الأثير.

و”العمدة في محاسن الشعر وآدابه” لابن رشيق القيرواني.

وفي التفسير تجد “تفسير الماتريدي أو تأويلات أهل السنة” للماتريدي.

وغير ذلك كثير، في دلالة واضحة على أهمية البناء المعرفي للعنوان ولتوطيد العلاقة بينه وبين مضمون الكتاب، وهذا بخلاف المتأخرين الذين سقطت أو ضعفت لديهم هذه المسألة بصورة كبيرة.

وعندما اعتبر نقَّادنا المتأخرون أن قضية العنوان وعتباته من الابتكار الغربي فهي مغالطة كبيرة لا أتحملها ولا يتحملها كل مخلص لأمته غيري، فهذا من تراث أمتنا، ومن ابتكار أجدادنا، وإن جهله أو حاول طمسه المعتدي.

كما أنني أدوِّن نقطة أخرى متعلقة بالعنوان، وهي أن الموضوع محل البحث قد يتناوله أكثر من شخص ولكن بزوايا واتجاهات متعددة، وقد وُجد ذلك في تراثنا، فالقرآن “كتاب” واحد وقد تناوله عشرات المفسرين، فهل يحق لنا أن نقول إن هذا تكرار؟ قطعًا لا؛ لماذا؟ لأن كل عالم ومفسر له بصمة علمية خاصة في قراءة النص وفك شفراته، وهذه قضية خلقها الله في كل إنسان لا يمكن أن يتشابه اثنان في كتابة ذات الموضوع.

وكذلك شروح السنة، وشروح المعلقات، وشروح السير وغيرها من العلوم، كل إنسان له بصمة أسلوبية محددة، كما أن كل إنسان له مكوناته العملية وعطاءاته المعرفية التي تجعل من قراءاته منجزًا مغايرًا للآخرين، وهذا نقطة غاية في الأهمية.

يمكن لمن أراد دراسة كتاب من هذا النوع كشرح المعلقات للزوزاني وابن الأنباري، تناول الفروق المنهجية في العرض والتناول بين كلا الشرحين، والزيادات التي زادها كل منهما في شرح الكتاب، والعوامل والسياقات المؤثرة في شرح كلا الرجلين، والموازنة بين أسلوب الزوزاني وابن الأنباري في الشرح، وغير ذلك من القضايا كالمسافة الزمنية بين شرح ابن الأنباري والزوزاني وأثر ذلك في الشرح.