﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ﴾ [يوسف: 31-32]

فقد أشارت النسوة إلى يوسف باسم الإشارة القريب (هذا) في قولهن: “ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم” في حين عدلت امرأة العزيز عن اسم الإشارة القريب إلى الإشارة بالبعد (ذلك) في قولها: (فذلكن الذي لمتنني فيه)، ولم تقل: (فهذا الذي لمتنني فيه). فتطابق إشارتها إشارة النسوة في الصيغة والأداء.

 وقد تناول البلاغيون دلالة اسم الإشارة بالبعد في قول امرأة العزيز في هذا السياق، ولكنهم تناولوه تناولاً مفرداً دون الإشارة إلى دلالته مقترناً مع اسم الإشارة قبله، فلم يشيروا إلى دلالة العدول في هذا السياق.

ويظهر لنا سبب هذا العدول من معرفة الفرق الدلالي بين الإشارتين، فإشارة النسوة إلى يوسف إشارة قرب، توحي بالقرب والوضوح “ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك”.

فكانت إشارتهن إلى ما ظهر لهن من حسن يوسف وجماله، وكانت إشارة امرأة العزيز إلى ما هو أبعد من ذلك من حسن خُلُقه ونبل سيرته، فكانت أكثر تعظيماً له منهن وإكباراً.

ونجد الإشارية في هذين الاسمين تحمل دلالة التفضيل، كما نفاضل بين أكبر وكبير، فإذا كان (هذا) اسم إشارة جاء في سياق التعظيم والإكبار (أكبرنه .. قطعن .. قلن .. ما هذا .. إن هذا) وكأن إشارتهن تعني: هو كبير، فإن دلالة اسم الإشارة (ذلكن) أفادت التفضيل على التفضيل، وكأن امرأة العزيز تقول: هو أكبر مما تصورتن، وأكبر مما ظهر لكن من جمال مظهره، وهو جمال مخبره وجوهره.

فجاءت الإشارة الواردة من امرأة العزيز إليه أدق دلالة، وأعمق نظراً، إذ قالت: (فذلكن) على سبيل التعظيم والإكبار ليوسف. ودلت المخالفة بين الإشارتين (هذا-فذلكن) على التكامل في صفة الكمال لدى يوسف من ائتلاف حسن الجوهر وجمال المظهر، وسمو الخِلقة والخُلق.