نزلت سورة الواقعة في مكة المكرمة، وسميت بالواقعة لافتتاحها بقوله تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾، والواقعة تعني الحادثة العظيمة، وهي اسم من أسماء يوم القيامة، وسميت بذلك لتحقق وقوعها وكثرة ما يقع فيها من الشدائد[1]. وللسورة فوائد ومقاصد تتحد مع أصول العقيدة ومقاصد القرآن الكبرى نطلع عليها خلال المقال.
وجاءت هذه التسمية في الحديث الصحيح بتسمية النبي ﷺ، روى الترمذي عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: “يا رسول الله قد شبت، قال: شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت”[2].
وسر الاقتران بين هذه السور الأربع المذكورة في الحديث هو اتحادها في تقرير النشأة الآخرة، حيث اشتملت على أيات شاهدات على صدق قول الرسول ﷺ، وكلها تشترك في الحديث عن يوم البعث والجزاء وما فيه من شدائد عظام، ولا ريب أن كل شدة من تلك الشدائد تنذر بحلول الشيب، وتندد بالركون إلى الدنيا، وتحض على الاستعداد ليوم الميعاد.
ويظهر هذا المعنى فقط لمن يتدبر هذه السور ويتأملها ويصر على العمل بمقتضاها، فإن الحديث عن الآخرة وقرب حلولها منذر شديد، وواعظ بليغ لأصحاب الغفلة والمترفين.
قال ابن عاشور: وكذلك سميت في عصر الصحابة. روى أحمد عن جابر بن سمرة قال: “كان رسول الله يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور”. وهكذا سميت في المصاحف وكتب السنة فلا يعرف لها اسم غير هذا.
جاء في التفسير المنير أوجه التناسب والاتصال بين سورة الواقعة وسورة الرحمن، ومنها:
1 – في كل من السورتين وصف القيامة والجنة والنار.
2 – ذكر تعالى في سورة الرحمن أحوال المجرمين وأحوال المتقين في الآخرة وبيّن أوصاف عذاب الأولين في النار، وأوصاف نعيم الآخرين في الجنان، وفي هذه السورة أيضا ذكر أحوال يوم القيامة وأهوالها وانقسام الناس إلى ثلاث طوائف: هم أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون، فتلك السورة لإظهار الرحمة، وهذه السورة لإظهار الرهبة، على عكس تلك السورة مع ما قبلها.
3- ذكر تعالى في سورة الرحمن انشقاق السماء (تصدعها) وذكر هنا رجّ الأرض، فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما في الموضوع سورة واحدة، ولكن مع عكس الترتيب، فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك.
ومن مقاصد هذه السورة ما يأتي[3]:
1 – التذكير بيوم القيامة وتحقيق وقوعه.
2- وصف ما يعرض وهذا العالم الأرضي عند ساعة القيامة.
3 – صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم.
4 – صفة أهل النار وما هم فيه من العذاب وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث. وإثبات الحشر والجزاء والاستدلال على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.
5 – الاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى.
6 – الاستدلال بنزع الله الأرواح من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحد منعها من الخروج، على أن الذي قدر على نزعها بدون مدافع قادر على إرجاعها متى أراد على أن يميتهم.
7 – تأكيد أن القرآن منزل من عند الله وأنه نعمة أنعم الله بها عليهم فلم يشكروها وكذبوا بما فيه.
حديث سورة الواقعة تمنع الفقر
مما اشتهر في فضل سورة الواقعة أن قراءتها تمنع الفاقة أو الفقر، ولبيان حكم هذا الحديث، فإنه ورد الحديث بروايات مختلفة منها:
– أخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله ﷺ قال: “سورة الواقعة سورة الغنى، فاقرؤوها، وعلّموها أولادكم.
– وأخرج الديلمي عنه مرفوعا: “علّموا نساءكم سورة الواقعة، فإنها سورة الغنى”.
– أخرج الثعلبي وابن عساكر في ترجمة عبد الله بن مسعود عن أبي ظبية قال: مرض عبد الله مرضه الذي توفي فيه، فعاده عثمان بن عفان، فقال:
ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال:
لا حاجة لي فيه، قال: يكون لبناتك من بعدك، قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: “من قرأ سورة الواقعة كل ليلة، لم تصبه فاقة أبدا”.
هذه الأحاديث ضعيفة لا يجوز العمل بها.
اجتمع على ضعفه الإمام أحمد، وأبو حاتم، وابنه، والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي تلويحا وتصريحا[4].