الباب حال فتحه يكون منفذا للخارج، للإطلالة على العالم الرحب، لتوسيع مدارات العقل وإعطائه مساحة أكبر للرؤية، كما أن إغلاقه مؤقتا يكون وسيلة نافعة للرجوع إلى الذات لتأملها من الداخل، لنفض الغبار عنها، لتصبح ذاتها (تأكيد الهوية) بدلا من أن تظل تائهة في عالم أكبر منها (بلا هوية)، وكلا الحالين خطوة إيجابية، إذا كنا من يمسك بمقاليد الأبواب و النوافذ، إغلاقا وفتحا في الوقت المناسب.

هنا نستحضر مقولة المهاتما غاندي:” إنني لا أريد أن ترتفع الجدران من كل جانب حول بيتي، ولا أن يُحكم إغلاق نوافذي،إنني أريد أن تهب ثقافة كل أرض حول بيتي بأقصى قدر من الحرية، لكنني أرفض أن تقتلعني ريح أي منها من جذوري”.

الإقلاع الحضاري في تبسيط كامل مثل إعداد أطروحة جامعية، يتطلب منك أولا  الاطلاع على “المكتوب” في موضوع البحث، الحوارات التي دارت عنه، إشكاليته ومقولته ونتيجته وفائدة في إثراء مجاله العلمي، ثم اختيار الأفضل وتشكيل رؤية جديدة من مقولات عديدة، لكن دون أن يسمح الباحث لمقولات الآخرين أن تحرفه عن أصل الموضوع.  إذا يلزم الاطلاع على أسرار النهوض وكيف قامت الحضارات وكيف سقطت، وما هي المقولات الكبرى الحاكمة لأي حضارة، وأي روح سارية فيه.

كيف ننفتح على الرياح العاتية الآتية من كل الجهات دون أن تقتلعنا تلك الزوابع من جذورنا، ودون أن نواري أنفسنا خوفا من هبوبها، فنتلاشى في غياهب التاريخ المعتمة! كيف نقف قامات نخل يقاوم عوامل التعرية، هذا سؤال كبير؟.

في أول إجابة سينتصب الكتاب، سلاحا مزدوج الفاعلية، لتحصين الذات ولمعرفة أسلحة الآخرين(حضاراتهم)، بدون الكتاب لن نصمد أمام تيارات التدافع الحضاري، وهنا تنهض مقولة أنيس منصور:”القارئ لا يهزم”،لنلمحْ سر هزيمتنا فنحن الأمة الأقل قراءة بين الأمم، مفارقة كاملة لمقولاتنا الحضارية العالية التي دقت باب العالم بمفتاح “اقرأ باسم ربك”، وامتلكت كوكب الأرض بروح الكتاب، ليست مفارقة فقط بل جريمة مكتملة الأوصاف.

بالكتاب تنهض الروح وتلك أقوى وسيلة لامتلاك الذات، أي لصمود الجذور، الأمة التي لا روح لها لا ينهضها ركام المادة، ليس بالاسمنت وحده تبنى الحضارات، لذلك كان مالك بن نبي يطرح عودة الروح شرطا للنهضة.

الأغبياء وحدهم من يبهرهم نتاج الحضارة فينسون القوة الروحية السارية في الأمة التي أنتجته، يريدون منا بناء ناطحات السحاب لأمة منخورة من الداخل(نحن في الحقيقة لم نبن روحا ولا مادة)، بلا هوية، بلا روح، بلا وعي، لنبنِ الإنسان أولا، وعلى أكتافه وبسواعده سيأتي نتاج الحضارة.

فمتى سنفهم أن معركتنا الأولى معركة وعي أي معركة صحبة الكتاب.