كيف تبني شخصية ابنك؟ كيف يستطيع الأب مثلا أن أجعل من إبني شخصية قوية وقادرة على اتخاذ القرار؟ السؤال الذي يبحث جميع الآباء والأمهات على إجابة له. في هذه المادة سنحاول الإجابة على هذا السؤال بطريقة خارجة عن إطار المشكلة المُلِحَّة، ليتعداها إلى محاولة لرسم سياسة تربوية سليمة، أو محاولة لبناء وجهة نظر تربوية.
في البداية، يجب أن نعرف أن شخصية الأبناء من شخصية الآباء، فإذا كان الأب يمتاز بشخصية قوية، فمن دون شك تنتابه الرغبة في أن يكون ابنه قوي الشخصية تمامًا مثله، وهذا لا يمنع أن التفكير في شخصية الإبن تبدأ منذ ولادته.
صفات الشخصية القوية
من هنا لنحاول سويا أن نضع إطارًا يتضمن بعض صفات الشخصية القوية، حتى يتسنى لنا من ثَم أن نعرف كيف نبنيها.
فنقول مثلاً: إن الشخصية القوية لديها ضمن ما لديها هذه الصفات:
- يدرك بوضوح الصواب والخطأ.
- لديه قدرة على اتخاذ قرار سليم.
- لديه ثقة عالية بالنفس دون إفراط أو تفريط.
- لديه قدرة على التأثير في المحيطين به.
- لديه قدرة على الإقناع بوجهة نظره.
- لديه نظرة فلسفة واضحة للحياة.
- لديه سعة أفق وثقافة قوية.
أُسْوَةٌ حَسَنَة
هذه بعض بعض -وليس كل- ملامح الشخصية التي تتسم بالقوة، وكل واحد قادر على إضافة العديد من الصفات الأخرى، وإن أردت فتمثل صورة المصطفى -ﷺ- في ذهنك لتقف على صفات لا تنتهي، وهي بلا ريب مما يندرج تحت “الشخصية القوية”، وصدق الله العظيم حين قال في كتابه العزيز: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة}، فهذا أقصر الطرق سيدي لنعرف ما هي الصفات التي ننشئ عليها برعمًا مسلمًا.
كيف تُبني صفات الشخصية القوية عند الطفل؟
اغمر طفلك بالحب والحنان
لأن هذا الإشباع العاطفي من شأنه أن يجعله ثابتًا قويًّا، ولكن دون تدليل، ودع هذا الحب ينطلق تجاه ابنك بمفرداته؛ أي بما يشعره في كل مرحلة عمرية بالحب والاهتمام، وأنه شخص مرغوب ومحبوب ومقبول؛ فالبسمة والضحكة والتربيت على الشعر والكتف، والتصفيق حين النجاح في إنجاز شيء، والجري وراءه، والغناء معه، والرقص معه، واللعب بكل قلبك معه… وهكذا مما يفهمه الطفل ويحبه ويعشق مشاركة الكبار فيه.
ساعد ابنك أن ينتصر في معركة بناء الذات
الطفل عادة يبدأ بالرغبة في الاعتماد على نفسه في كل شئونه الخاصة منذ سن مبكرة، وربما قبل قدرته التامة على فعل ذلك، ولكن لن تنمو هذه القدرة التامة إلا بالتجريب والخطأ حينًا حتى الوصول إلى الصواب.
ما الذي يحدث حين يخفق الطفل مرة ومرة؛ فتبادر بفعل الشيء بدلاً منه؟
الذي يحدث أن الطفل تصله رسالة أنه عاجز وغير قادر على إتمام ما أراد عمله.
وما أصعبها رسالة حين تتراكم هذه الرسائل مع كل محاولة خاطئة وإسراع منا لإتمام العمل بدلاً منه، يركن الطفل حينها لإحساسه بالعجز، ويلازمه هذا الإحساس فترة طويلة، إلا أن تجيئه الفرصة ليتم عملاً ناجحًا.
لن ينجح الطفل في كل مرة ومن أول مرة، ولذا علينا أن نجعله يرانا بتركيز حين نفعل أشياءنا، ونصف له ذلك أثناء عملنا، فإذا ما كنت مثلاً تقطع الخبز فاشرح هذا أثناء عملك:
- بابا أخرج الخبز من الثلاجة.
- إنه جامد، دعه فترة حتى يصبح طريًّا.
- هو الآن مستعد لتقطيعه.
- عاونّي يا (فلان).
- هيا نمسك السكين هكذا (دعه يرى جيدًا).
- ودعه يجرب.. نعم دعه يجرب في إطار الأمان.
- لا مانع أن تمسك بيده أول الأمر.
- لا مانع أن توفر له سكينًا بلاستيكيًّا.
- دعه يجرب.. هذا أمر هام.
دع طفلك يجرب وينجح ويشعر بلذة النجاح؛ فيمتلئ ثقة في نفسه وفي الآخرين.
كثيرًا من بذور العجز نزرعها نحن في أبنائنا على غير وعي منا، ثم نتبادل في دهشة غير بريئة: ما الذي حوَّل أطفالنا إلى ضفادع؟
ساعده على تكوين صورة جيدة عن نفسه.
لا تبالغ في مدحه، ولكن حين يصنع شيئًا جميلاً ولو قليلاً، وطبيعي أن يكون قليلاً؛ فهؤلاء هم الأطفال، شجّعه وأبدي له الاهتمام بعمله، وشجعه لأن ينميه ويزيد خطوة بعد التي خطاها.
النقد يكسر صورة الطفل من ذاته.
لا تذكر على مسامعه صفات سيئة (مثلاً) عنه.
لا تذكر على مسامعه مقارنات، كثيرًا ما نظلم بها الأطفال لعدم إدراكنا أن الطفل كبصمة الإصبع لا يتكرر مرتين.
أعطيه الفرصة للاختيار، ودرّبيه على ذلك.
كثير من الصدامات تحدث نتيجة فرض آرائنا على الطفل في كل صغيرة وكبيرة تتعلق به، بدءاً من أنواع الطعام التي يحبها، والملابس التي يريد أن يلبسها والألعاب، بل كل حاجياته، وكأننا نفهم الأبوة والأمومة على أنها امتلاك، وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
منظومة قيم خاصة
الطفل لديه عادة منظومة قيمه الخاصة.. فلا تتعجب.. فالطفل منذ وقت مبكر جدًّا يعتبر بمثابة رادار حسَّاس يلتقط كل ما يحدث أمامه ويخزنه، ثم يصنفه فيما بعد، وما نفعله أمام الطفل هو القانون الثابت بالنسبة له؛ ولذا لا بد أن يتطابق العمل مع القول.
كن حازما ولا تخاف، فالحزم لا يتنافى مطلقًا مع الحب، ولكن دع طفلك يشعر باطمئنان أن المرفوض مرفوض دائمًا ولأسباب معروفة له، والمقبول مقبول دائمًا ولأسباب معروفة له.
وليكن معيارك في ذلك الحلال والحرام، إضافة لدواعي الأمان.
كل ما هو حلال مقبول، وكل ما هو حرام مرفوض.
وكل ما يؤذيه مرفوض، أفهمه على قدر عمره مع كل موقف يمر بكما أن هذا شيء جميل لكذا، وهذا شيء لكذا…
لا تبخل بالشرح الدقيق الوافي للقوانين أغلب الوقت، ولا تظن أن مرة أو مرتين كافيتان ليعلم الصواب والخطأ وليكوّن ضميره الذاتي، بل رحلة التربية طويلة والتكرار فيها كثير.
علِّم طفلك الاستماع بإنصات للآخرين أثناء الحديث، وهذا يتعلمه الطفل حين نفعل معه هذا؛ فحين نستمع له بإنصات واهتمام واحترام يعرف أن هذا حق له وواجب عليه بالمثل.
اشرح لطفلط كل ما يمر به من أحداث.
وسِّع مداركه بالكتب ووسائل الثقافة الكثيرة والمتاحة كالمسرح، والتلفاز (دون إفراط)، والكتاب يظلّ من أفضل الوسائل.
ساعده ليعبِّر عن نفسه بالكلام أو الرسم أو أي وسيلة يراها، ولاحظ أنت حبه لها.
درِّبه على التعبير وعلى التعرف على إحساسه (ماذا يحب؟ ماذا يكره؟ بماذا يشعر؟..)، هكذا يتعلم أن يعبّر عن نفسه، وأن ينصت لتعبير الآخرين عن أنفسهم.