الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ}، وقوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}.

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله لأصحابه : “هلموا نزدد إيمانا”، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يدعو فيقول: “اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها”، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: “من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه.

إذا نظرنا في تعريف الإيمان فإننا نجده كما صح عن الحسن رضي الله عنه أنه قال: “ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل”. إذن فللإيمان جناحان بينهما اطراد: إيمان القلب، وتصديق الجوارح.

وهذه مجموعة من النصائح ستساعد بإذن الله تعالى زيادة رصيد الإيمان :

1- قراءة القرآن بتدبر فالقرآن هو كتاب الله المبين وهو الهادي إلى صراطه المستقيم، وهو الدال على صفات الله عز وجل والتعرف عليه سبحانه وتعالى، وهو المبشر للمؤمنين بالأجر الكبير، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. وقال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وهل هناك ذكر أفضل من تلاوة القرآن؟ وقال عز من قائل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}. وقال عثمان –رضي الله عنه-: “لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله تعالي”.

2- الإكثار من ذكر الله عز وجل والتدبر في أسمائه وصفاته. روى أبو جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمير بن حبيب قال: “الإيمان يزيد وينقص. قيل: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا. فذلك نقصانه”. وذكر الله تعالى ليس أن يتحرك اللسان ويلهج بالكلمات، ولكن أن يكون الإنسان مستشعرا قدرة الله وهيمنته عليه، وأن يعيش مع كل اسم من أسماء الله يذكره به.

3- مدارسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، والتأسي بأفعالهم؛ فالتعرف على سيرته صلى الله عليه وسلم تزيد العبد حبا لرسول الله وإيمانا بالله عز وجل؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار. وهاهم الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتنادون بينهم: “هيا بنا نؤمن ساعة”.

4- كثرة القراءة في صفات الجنة والنار وما أعده الله للمتقين المؤمنين من نعيم مقيم وما أعده للعاصين من عذاب أليم؛ فقد روي عن حنظلة الأسيدي قال: “لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأي عين.

فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة. يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وما ذاك؟” قلت: يا رسول الله نكون عندك. تذكرنا بالنار والجنة.

حتى كأنا رأي عين. فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة” ثلاث مرات.

5- التأمل في آيات الله الكونية وبديع صنع الله عز وجل في هذه الكون البديع الذي يدل على قدرة خالقه وبديع صنعه وحسن إتقانه، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

6- تعلم العلوم الدنيوية للتعرف على إعجاز الله سبحانه وتعالى في خلقه؛ فقد خص الله تعالى العلماء بخشيته فقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، وقال عز وجل: { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. واليوم في ظل التطور العملي المتلاحق تبرز الأدلة والبراهين على قدرة الخالق جل وعلا وآيات إعجازه في خلقه التي تزيد المؤمنين إيمانا ، وتهدي غير المؤمنين للإيمان بالله.

7- مجالسة الصالحين وأهل الخير الذين يذكرون بالله، وتجنب العاصين وأصدقاء السوء؛ فمجالسة الصالحين من مصادر الطاقة الإيمانية التي تدفع المرء إلى السلوك القويم، وطاعة الله، وحبه وابتغاء رضاه على من سواه، ومن توفيق الله للإنسان أن يكون بين قوم صالحين؛ إن أمر بمعروف أيدوه، وإن نهى عن منكر أعانوه. قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

وقال صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”. وقال أحد الصالحين: “عليك بصحبة من تذكرك الله عز وجل رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في عملك منطقه، ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله”.

8- كثرة القراءة والاطلاع في كتب الرقائق وأمراض القلوب؛ مثل كتب ابن القيم وابن عطاء الله وغيرهما، والاهتمام بأعمال القلوب من خشية وخوف ورجاء وإخبات.

9- النظر إلى من هو أعلى منك في أمور الدين ومن هو أقل منك في أمور الدنيا حتى تحمد الله عز وجل، ويطمئن القلب إلى جوار ربه ويقنع بما قسم الله له، ويكون مشتغلا بالله عز وجل. روى عبد الله بن عبيد قال: رأى عمر بن الخطاب على الأحنف قميصا، فقال: يا أحنف بكم أخذت قميصك هذا؟ قال: أخذته باثني عشر درهما، قال: ويحك ألا كان بستة دراهم، وكان فضله فيما تعلم.

10- عدم المبالغة والإكثار من المباحات من أكل وشرب ولهو ولعب وضحك؛ فكثرة هذه الأشياء تؤثر على القلب؛ فقد قال عز وجل: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

11- الاجتهاد في العبادة، وخاصة في أوقات الخلوة، لاسيما صلاة ركعتين في جوف الليل والناس نيام، قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. وقد قال صلى الله عليه وسلم: “قال الله تعالى: ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي، وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته كنت رجله التي يمشي بها، ويده التي يبطش بها، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به؛ إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته”.

12- مراقبة الله عز وجل في كل كبيرة وصغيرة واستشعار قربه من العبد. فذلك ادعى للبعد عن المنهيات وأداء المأمورات بإخلاص وإتقان، وطلب الأجر منه سبحانه وتعالى.

13- الجمع بين الرجاء في رحمة الله وقبول العمل الصالح، والخوف من عدم القبول؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله {الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} هو الرجل يسرق ويزني؟ قال: “لا، بل الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يقبل منه.


رمضان بديني