اقرأ أيضا:
وهذا يعني ضرورة استعادة الأمة لمعايرة الإيمان وحقيقته الذي هو الكشف والبحث والتنقيب عن الأسباب كل الأسباب..والعجب الذي يشعر به المتابع المتألم للأمة أن ترفع كل هذه الأكف بالدعاء دون استجابة واحدة منها لسنن الله بالتغيير الذاتي لرافعيها في منطق تفكيرهم وتعاملهم مع الأمور والظواهر ..
إن الاستجابة ترتبط في عالمنا الظاهر بهذه المعايرة..ومن ثم كان التساؤل عن الإخلاص في الدعاء فإخلاص هذه الأمة يأتي في خلاصها وخلاصها يأتي في فلاحها والفلاح عمل جماعي يتطلب القيام للتفكير كما يتطلب القيام لله {أنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}..إن ميزان التوحيد للأمة كفته الإيمان الخالص وكفته الثانية الأسباب الخالصة..والله أعلم.
تحتاج الأمة إلى تعلم فريضة قول (لا) فهي أول كلمة في الإسلام..موجهة إلى كل قوى الشرك والاستبداد والطغيان، وكل أدواتهم ..الظاهرة والباطنة..الإسلام بالأساس دين الاعتراض ..الاعتراض على أشكال الوثنيات مهما تمثلت في ظواهر للتخفي ..وهنا تحتاج الأمة إلى دليل لمعرفة تلك الوثنيات الحديثة والمعاصرة والتي تظهر في أشكال المزورين، والضالين.. والسارقين لعقول الأمة، والبائعين لثرواتها..والصامتين عن قول لا، والمروجين للخضوع وللشرك والاستبداد..
الجامعات العربية مرضت مرضًا مزمنًا لا أمل فيه من الشفاء ..لا بحث علمي ولا قيم ..ولا مشروع وطني أو حضاري ..أصبحت مكانًا لممارسة أسوأ أنواع الشذوذ الأخلاقي والعلمي والإداري ..بعضها يعيش على فتات من العلم ..وأكثرها جدية من يجاهد في تقليد الغرب وقد انسلخ عن وطنه وأمته ..استبعاد للكفاءات والكوادر العلمية …تحولت إلى مطبعة للشهادات ..كل شهادة بسعر مختلف ..لم تساهم في حركة الإصلاح طيلة قرن أو أكثر – عمر نشأتها- وما خرجته لنا يمكن قياسه بمؤشرات التخلف لا مؤشرات التنمية والتقدم والإصلاح ..
البديل الحق ..هو تأسيس ” الجامعة الحضارية”..يتجمع فيها: نخب هذه الأمة وكوادرها ورجال الإصلاح فيها ..تتأسس فيها مراكز بحوث جادة تنطلق من احتياج الأمة ومطالبها الحقيقية ..تتجمع فيها أفكار الإصلاح وتنظم وتوجه بسبيل النهضة ..نوفر فيها جهدًا ووقتًا كبيرًا..ونعطى فيها أملًا لأجيال الأمة الناشئة التي تبحث عن الدليل الهادي …
من العناصر الأساسية بناء شخصية الأمة هو التربية على تمايز هويتها الفكرية والثقافية، ومن المحاور التي تساهم في بناء هذا التمايز الفكري والثقافي في التعليم المواز المقترح محور: تربية المناسبات، فهذا المحور يشكل – بما يتضمن من أبعاد تاريخية وأحداث- تكتلات ثقافية وتحيزات معرفية مهمة في بناء الشخصية، ونقصد بهذا النوع من التربية ( تربية المناسبات) هو التربية على الأحداث والوقائع والتواريخ المهمة في عمر هذه الأمة، بدءا من البعثة كمناسبة مركزية تقع في قلب ( تربية المناسبات) مرورًا بتواريخ الغزوات والفتوحات حتى تواريخ الاختراعات والمكتشفات العلمية التي تمت في ظل الحضارة الإسلامية..
ومن متطلبات محور تربية المناسبات بناء وتصميم لأبرز هذه المناسبات التي حدثت في التاريخ الإسلامي والحضاري، مصممة في جدول يتضمن أهم جوانب تعلمها : الأهداف، والتوقع في تشكيل الشخصية.
والهدف الرئيس التي ينطلق منها المربي في هذا التناول هوا لتربية على الهوية التي تعرف النشء بمضمون كلمة ( نحن) والتي تعرفه ببالاجابة على سؤال ( من أكون؟) و(إلى ماذا أنتمي؟) و( ما هي وجهتي؟) و(ما هو دوري التاريخي؟ ووظيفتي الحضارية) .. وهذا يتحقق بما تحمله هذه المناسبات من جوانب معرفية وتاريخية واجتماعية – ومقاصد أخرى ذا شأن لا يمكن إهمالها.
تأتي أهمية محور: تربية المناسبات في ضوء إهمال التعليم النظامي لهذه المناسبات سواء على المستوى النظري في الكتب والمقررات، أو على مستوى الدولة القطرية التي لا تهمها هذه المناسبات لأنها – من وجهة نظرها – تتعارض مع المواطنة التي تتداخل فيها أكثر من هوية..كما يأتي أهمية هذا المحور أيضًا في ظل تيار العولمة الكاسح للهوية الإسلامية وغيرها من الهويات المحلية..ومن ثم فالغرض من إحياء هذا المحور في التعليم المواز ( تربية المناسبات) هو غرض ثقافي وتربوي في آن واحد ، ووجودي لهذه الأمة التي أصبح بناءها الثقافي تتلاطمه الأمواج..
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين