قال الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله عن الحج المبرور : الحج فريضة من فرائض الدين، وقاعدة من قواعد الإسلام، والأساس في أداء هذه الفرائض هو الإخلاص، حتى تكون مقبولة عند الله تبارك وتعالى، مَرْضِيّة لديه، جديرة بثوابها الجزيل العميم، و “الحج المبرور” معناه: الحجّ المقبول الذي يقابله الله سبحانه بالبرّ وهو الثواب، وإنما يكون الحج كذلك إذا لم يخالطه شيء من المآثم.

ولكي يكون الحج مبرورًا يجب أن يخلص الإنسان حجه لوجه ربه؛ لأن الله ـ تعالى ـ حينما فرض الحج على الناس، في كتابه، أشار إلى أن هذه الفريضة له دون سواه، فقال: ( وللهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ (آل عمران: 97).

ولذلك على من يريد أن يجعل حجَّه مبرورًا أن يخرج إليه بنية الطاعة إلى الله تعالى، والتقرب منه، لا بنية أمر آخر من أمور الدنيا أو شهوة من شهوات النفس، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما من خارج يخرج من بيته، إلا ببابه رايتان، راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك، حتى يرجع إلى بيته؛ وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان “.

ولكي يكون الحج مبرورًا ينبغي للحاج أن يتوجه إلى ربّه صادقًا مخلصًا بالدعاء والرجاء، والتوبة والاستغفار، فيرد مثل هذا الدعاء: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من سوء الرفقة في السفر، والكآبة في المنقلَب، اللهم اطوِ لنا الأرض، وهوّن علينا السفر.

ويكثر من أمثال هذه الدعوات في مختلف الأماكن والمناسبات لأن الدعاء الطاهر الصادق المخلص هو مخّ العبادة كما ورد عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

ولكي يكون الحج مبرورًا يجب على القائم به أن يحج من مال حلال طيب ليس بحرام ولا خبيث لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ” إن الله طيّب لا يقبل إلا طيِّبًا”.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ” إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز ( الركاب ) فنادَى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء : لبيك وسعدَيك ( أي أجاب الله حجك إجابة بعد إجابة )، زادك حلال، وراحتك ( مركبك ) حلال، وحجُّك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك، ناداه مناد من السماء، لا لبيكَ ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور”.

ومن مقتضيات الحج المبرور ألا يفرط صاحبه في واجب من واجباته، وألا يهمل آدابه وسننه، وأن يكثر فيه من الطاعة والتعبد والإنفاق، وأن يكون مثلا طيبا لمكارم الأخلاق، وأن يطعم فيه الطعام قدر استطاعته، وأن يتحدث بلين الكلام، وأن يتحمل ما قد يقع من غيره من هفوات، وأن يعفو ويصفح، وأن يعود من الحج زاهدا في شهوات الدنيا، راغبا في طاعات الآخرة، عاقدا النية على دوام الإنابة والاستقامة، فالله جل جلاله يقول: ( الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعلومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ ولاَ فُسوقَ ولاَ جِدالَ فِي الحَجِّ، ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ، وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِي يَا أُولِي الأَلْبابِ ) (البقرة: 197) والرسول صلّى الله عليه وسلم يقول:” مَنْ حَجَّ فَلم يَرفثْ ولم يفسُق رجَع كيومَ ولدتْه أمُّه”.