اقرأ أيضا:
إني لا أتكلم عن الدروس “المسجدية” والخطب المنبرية والمواعظ الجميلة ، لا ، أقصد سلوكي أنا وأنت وأنتِ ، سلوكنا مع أزواجنا وأبنائنا بعيدا عن أعين الناس ، سلوكنا مع الجيران والزملاء والأقارب خاصة في حال التنازع وأوقات الانفعال ، سلوكنا إذا مارسنا النشاط السياسي والتجاري والنقابي ، سلوكنا في أماكن العمل مع ضغط الواقع ومتطلبات الحضور الفاعل والإتقان في كل أداء عضلي أو ذهني أو تنظيمي ، هل كانت الأخلاق الرفيعة معنا هناك ؟ هل التزمنا أحكام الشرع وخصال الأتقياء وآداب المؤمنين فيما بينهم ؟
نظرت في قلبي فخشيت أن ييبس إذا خلا من ذكر الله وأصابته حظوظ النفس وأصبح ملاذا للشهوات ، إذ هناك تمتنع الأركان عن الطاعة ، مثل الشجرة التي مُنعت الماء فيبست أعضاؤها ، فما أقبح هذا الوضع ، وهل من معنى لحياتي إذا فسد القلب ؟ فهل تعاني مثل معاناتي أيها الأخ المسلم ؟ وصحة القلب ليست في الادعاء – و لو كانت الأمور بالمزاعم لادعى الخليّ حرقة الشجيّ – ولكن في الصلة الدائمة المتجددة بالله تعالى ، ذكرا وأخلاقا وامتثالا للأمر وابتعادا عن النهي وإقبالا بعد إدبار واستغفارا وتضرعا وتوبة نصوحا ، و الله تعالى لا يغترّ بمظهر أو شكل أو طقوس ، لذلك ” قل للمتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير ” كما أوصى العارف بالله.
ما بال عيني جافة لا تتغرغر بدمع وما بال قلبي لا يتألم إلا قليلا رغم تقصيري في جنب الله ورغم قلة الزاد وطول السفر ؟ أجل ، المدرسة الحديثة أعطتني معلومات نافعة لكنها لم تعلّم قلبي الخشوع ولا عيني الدموع ، فيسّر ذلك سطو الدنيا عليّ واستسلامي لتبرّجها وزخرفها ، وإني لأنظر يمنة ويسرة أتحسس أصحاب القلوب الرقيقة والمُقَل الدامعة فأجدني غريبا غربة صالح في ثمود ، فهل تحسّ بذلك مثلي ؟ وما بال الدموع تسيل في غير محلّها على مطرب مات أو فريق فاز في مباراة أو أخفق ؟ إذا لم يخشع القلب لذكر الله ولم تنزل عَبرة من خشية الله ، ولا باتت عين ساهرة في سبيل الله فماذا بقي للدنيا من حلاوة ؟ إذا غاب القلب الخاشع والطرف الدامع فقد انتصرت العولمة واستعلى شأن المادة ولم يبق للدنيا المذمومة معارض.
فمتى العودة إلى الله تعالى ؟ المحراب بارد من حرارة الإيمان والصلاة لم تعدْ تنهى عن الفحشاء والمنكر إلا قليلا ، غلبت عليها الحركات والآلية بينما خمدت جذوة الاخلاص ، فمن أين يأتي التوفيق وكيف نثبت على طريق الاستقامة وكيف نستكمل السير إلى الله؟
كعْبتنا لا تتغير والطواف حولها لا ينقطع ، وما أكثر الحجيج والمعتمرين لكن البرودة أدركت الشعائر ، والتلبية يخالجها ريب والذكر تنحرف به الشهوات ، وكادت البقاع تفقد قداستها بما كسبت الأيدي … وماذا أقول عن الصيام الذي طاش في أودية التقاليد والتلاوة المنمقة التي لا يقشعر لها بدن ولا ترفع الإيمان والصدقة الضعيفة والسير المتهاون ؟ هذا ما أشكوه إخوتي ولا أتخلص منه إلا بالعودة الصادقة.
إن العودة إلى الله تعني الانخراط في سلك الصابرين والشاكرين والظفَر بذخيرة هؤلاء وعُدة أولئك ، وتُحيي في النفوس المتعبة معاني الخوف والرجاء ، وتُخلّص المؤمنين من أسر الدنيا حتى تغدو في الأيادي لا في القلوب وحتى يتحكم فيها الربانيون ولا تتحكم فيهم ، وتغمرهم بأمداد من محبة الله والشوق إليه والأنس به والتقلب في أعطاف الرضا والتوكل واليقين.
ما أيسر الرجوع إلى الله تعالى بعد الشرود والاهتداء إلى صراطه بعد الضلال ، وما أصعب العقبة الكؤود التي يخوّفنا منها الشيطان لندبر ولا نقبل ، والسعيد من اقتحم العقبة والشقي من تهيّب وضعُف وتراجع ، الباب مفتوح بالليل والنهار فهل نبادر بالإقبال عليه والارتماء على أعتابه متضرعين نادمين ؟
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين