لا شك أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة في حياته منذ ولادته حتى وفاته. ولا غرو أن مراحل الإنسان في الحياة تتصف بصفات معينة من التتابع والترابط والتسلسل، على الرغم من حجم التغيرات التي تطرأ على كل مرحلة وما يعتريها من تأثيرات وتغيرات مرئية وغير مرئية.
لقد بين الله عز جل في كتابه العزيز الحكيم أنه خلق الأنسان على أطوار ومراحل، متتابعة متلاحقة متكاملة، وقال تعالى:{ وقد خلقكم أطوارا} (نوح-14).
الإنسان ككائن حي له دورة حياة خاصة به وبمراحلها المتتابعة، التي تختلف شكلا ومضونا عن دورات الحياة الخاصة بالكائنات الأخرى. فبعد خلق الإنسان ودخوله في مرحلة النطفة في الرحم إلى مرحلة العلقة فمضغة، والانتقال إلى مرحلة تكون العظام والعضلات، والانتهاء بمرحلة تكَون الطفل بشكل كامل وولادته وقدومه إلى الحياة. يقول عز وجل :{فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} (الطارق– 5 7). ويقول: {فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة} (الحج: 5). ويقول :{فخلقنا المضغة عظاماً} (المؤمنون: 14). {ثم نكسوها لحماً} (البقرة: 259).
فما هي مراحل الإنسان التي يمر بها في الحياة؟ وماهي خصائص ومميزات كل مرحلة؟
بعد أن خلق الله عز وجل سيدنا “آدم” عليه السلام من تراب وطين، {هو الذي خلقكم من تراب} (غافر 67). ثم خلق من “آدم” زوجه “حواء”، ليسكن إليها، وليكون منهما تناسل البشرية بطريق الزواج. بدأ التناسل البشري، مع أول ولد من أولاد “آدم”، عن طريق الحمل والولادة، في أطوار ومراحل، تدل على عظمة الله تعالى، الذي خلق الإنسان وسائر الأكوان.
مرحلة الجنين
تبدأ مراحل دورة حياة الإنسان بتكوّن البويضة المخصبة، والتي تستمر في النمو حتى يتكون بعدها الجنين، يستمر تكون الجنين في بطن أمه تسعة أشهر، ليكتمل نموه ويصبح جاهزا لمتابعة مراحل حياته التالية. وقد ذكر الله عز وجل هذه المرحلة بالإجمال والتفصيل، يقول تعالى:{هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنّة في بطون أمهاتكم} (النجم-32)، ثم فصّل الله عز وجل مراحل نمو “الجنين” في بطن أمه، مرحلة مرحلة، وطورا طورا، وذلك في عدد كبير من الآيات القرآنية، منها قوله في سورة “المؤمنون” :{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثم جعلناه نطفة في قرار مكين* ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}.
و أيضا جاء في السنة النبوية عن هذه المرحلة قوله ﷺ “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أو سعيد”.
مرحلة الولادة والرضاعة
وهي المرحلة التي تبدأ بمجرد ولادة الطفل، وخروجه للعالم الخارجي من رحم أمه، لكنه لا ينفصل عنها، حيث أنه يكون تحت رعايتها؛ لكونه لا يستطيع فعل أي شيء لنفسه قط. تمتد مرحلة الرضيع حتى انتهاء العام الثاني من عمر الإنسان، يعتمد فيها الرضيع على الأم في الغذاء.
مرحلة الطفولة والصبا
مرحلة “الصبا” هي فترة “الطفولة”، فالمولود يسمى “طفلا” أو”صبيا” منذ الولادة حتى البلوغ. وهذه المرحلة لا تكليف فيها على الإنسان، حيث قال رسول الله ﷺ: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم”، أي: لا يعاقب الصبي على ارتكابه محرما، ولا تدون عليه سيئة، حتى يبلغ فيصير مكلفا.
ومن واجبات الوالدين والمربين، ان يربوا و يؤدّبوا الصبي، إذا فعل ما يخالف الشرع وآدابه، ويعودوه على الطاعات والواجبات، وترك المنهيات. لذلك تعتبر هذه المرحلة مرحلة التأسيس، والتأثير والغرس، في شخصية الولد، في جميع المجالات، والإسلام قد أمر أولي الأمر عن الأطفال، بإحسان توجيههم وتربيتهم وتعليمهم.
وهناك من يقسم هذه المرحلة في حياة الإنسان إلى ثلاث مراحل، هي:
طفولة مبكرة
تبدأ من عمر سنتين إلى ست سنوات، يبدأ فيها الإنسان في النمو و التعلم والاعتماد على نفسه، فيتعلم المشي والكلام والأكل بشكل طبيعي مثل غيره من البشر.
طفولة متوسطة
تمتد من عمر ست سنوات حتى تسع سنوات، وتعتبر هذه المرحلة هي بداية الالتحاق بالمدرسة، وفيها يتطور الإنسان بالتدريج، معرفيا، وجسديا، ويستمر نموه في الطول والوزن، ويتغير شكله وصورته عن مرحلة الرضيع. ببداية الإنسان هذه المرحلة، يبدأ في تعلم القراءة والكتابة، وتعلم اللغات الأخرى، كما تبدأ مرحلة الاعتماد على النفس بدرجة بسيطة، وبطريقة متدرجة.
طفولة متأخرة
تبدأ من سن السابعة ويستمر بها الإنسان حتى بلوغه الثانية عشر. حيث ينمو الإنسان بشكل أكبر، تتغير هيئته، وتقوى عظامه وعضلات جسمه، ويبدأ في الاعتماد على نفسه بشكل كامل. يبدأ الإنسان في مرحلة الطفولة المتأخرة التفكير بطريقة سليمة و تساعده هذه الطريقة على حل مشكلاته، وتخطي معظم العقبات التي يمكن أن تواجهه.
مرحلة المراهقة والشباب
هي المرحلة التي تضم الفئة العمرية من الثانية عشر إلى العشرين سنة، وهي من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان من الجنسين الذكر والأنثى بسبب تقلبات المزاج، وتغير الهرمونات للوصول إلى النضج النفسي والجسمي والاجتماعي والعقلي، فمن المهم الانتباه إلى تصرفات المراهق من قبل الأهل ومتابعته بشكل دقيق.
وتتصل هذه المرحلة مباشرة بمرحلة الشباب، اليت تتترواح الأعمار فيها بين الواحد والعشرين إلى الثلاثين، وهي المرحلةُ التّي تزيد بها طاقة الجسم، ويصل بها الإنسان إلى أكبر قوته وحيويته ونشاطه، وتبدأ خلال هذه المرحلة تكون الشخصية والنضج العقلي الكامل، واكتساب الكثير من المعرفة والعمل بكل شغف.
مرحلة الرشد و”الأشد”
تضم هذه المرحلة الفئة العمرية من الثلاثين سنة إلى الخامسة والأربعين، وهي آخر مراحل النشاط، وتستقر في هذه المرحلة الهرمونات في الجسم استعدادا للدخول في مرحلة الشيخوخة.
وجاء ذكر هذه المرحلة في مواضع من القرآن العظيم، منها قوله عز وجل في سورة “الأحقاف”، عن الإنسان البار بوالديه: {حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي من ذريّتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}، وقوله تعالى:{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه}.
و” الأشد” في اللغة: “القوة، ومبلغ الرجل الحنكة والمعرفة”، والأشد في كتاب الله ثلاثة معان:
- الإدراك والبلوغ في قوله تعالى في قصة “يوسف” عليه السلام:{ولما بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما}.
- الإستواء، وهو: أن يجتمع أمره وقوّته، ويكتهل وينتهي شبابه، في قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:{ولما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما}.
- قوله تعالى في سورة ” الأحقاف“:{ حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة}، فهو أقصى نهاية بلوغ الأشد وعند تمامها بعث الله تعالى محمدا ﷺ نبيا، وقد اجتمعت حنكته وتمام عقله.
وخلاصة القول أن مرحلة “الأشد” هي: مرحلة النضج والعقل وحسن التصرّف، وهي “مرحلة الشباب”.
مرحلة الشيخوخة والموت
الشيخوخة هي آخر مرحلة من مراحل الإنسان في الحياة، وقد إختلف العلماء في تحديد أولها، فاعتبرها بعضهم من سن الخمسين حتى الموت، وبعضهم قال غير ذلك، ولكن: لا خلاف على أنها آخر المراحل، وأن أحوال الإنسان فيها متفاوتة، فآخرها عجز، وهرم، وضعف، وخرف، كما وصفها الله عز وجل بقوله:{ونقر في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمّى ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يردّ الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا}(الحج-5).
وعليه فالموت هو نهاية كل نفس، ونهاية كل مراحل الإنسان في الحياة، كما قال عز وجل، {كل نفس ذائقة الموت}.(آل عمران-185).