يظن كثير من الناس أن داروين هو أول من قال بنظرية التطور، حتى نسبت النظرية إليه، فيقال:” النظرية الداروينية”، وعرف أتباع هذه النظرية بالداوريين، وهم قوم طوروا نظرية التطور، وتعدوا ما قاله أستاذهم داروين، وقد سبق داروين اليوناييون وغيرهم.
وتتلخص نظرية الداروين في أن الإنسان والقرد من أصل واحد، وهي تتلخص عنه في نقاط أربعة هي:
1- الارتقاء | 2 – النشوء | 3 – البقاء للأقوى | 4 – الانتخاب الطبيعي |
على أن نظرية التطور التي قال بها داروين لم تقف عند هذا الحد، فداروين لم يكفر بالله، فقد كان يهوديا يداهن الكنيسة، لكن نظريته أدت إلى الإلحاد واستند عليها كثير من الملحدين في الخروج عن الدين بالكلية.
كما أن داروين لم يقل إن الإنسان أصله قرد، بل قالها العالم ( هيجل)، وهو الذي أدخلها في النظرية الدارونية عام 1868م.
وقد استند عليها ماركس في إنكار وجود الله، وذلك بناء على مادية داورين.
كما تأثر كثير من المفكرين في نظريات متعددة بنظرية داورين، وبنيت عليها نظريات كثيرة جدا كانت لها مساحة في الفكر الإنساني ، مثل: نظرية ماركس في المادية، وأن الحياة قائمة على الغذاء والسكن والجنس، وعليها قائمة نظرية فرويد في التحليل النفسي، باعتبار الإنسان حيوان جنسي، وكذلك نظرية برجسون في الروحية الحديثة، ونظرية سارتر في الوجودية، وقد أدخلها هربت سبنسر إلى مجال علم الاجتماع !
ومع كل هذه الشهرة فقد انتقدت نظرية داروين من قبل كثير من العلماء، مثل: (آغاسير) في إنجلترا، و(أوين في أمريكا)، ووصفوا نظريته بالخرافة العلمية، كما وصفها العالم (كريسي موريسون) بالجهل، ووصفها ( أنتوني ستاندن) صاحب كتاب العلم بقرة مقدسة بالعجز، وغيرهم كثير.
الصحابة يناقشون نظرية التطور
لكن من اللافت للنظر أنه قبل أن يقول داروين نظريته بألف ومائتي عام ناقش بعض الصحابة مع رسول الله ﷺ نظرية التطور، لكنها عكس نظرية داروين، فقد ظن بعضهم أن القردة أصلها إنسان.
سأل الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله ﷺ هل القردة والخنازير الموجودون هم من نسل من مسخ من بني إسرائيل، فأجابهم بالنفي، وذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قيل لرسول الله – ﷺ-: «القردة والخنازير: هي مما مسخ؟ فقال رسول الله – ﷺ-: إن الله لم يهلك قوما [أو يعذب قوما] فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك». (مسلم)
وصرح غير واحد من فقهاء الإسلام، كالنووي وابن حجر وغيرهما أن القردة والخنازير كانت موجودة قبل زمن المسخ، فيقول: قوله ﷺ (وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك) أي قبل مسخ بني إسرائيل فدل على أنها ليست من المسخ” ( شرح النووي على مسلم (16/ 214)، و فتح الباري لابن حجر (6/ 353)،
القردة في القرآن
وهذا المعنى يشير القرآن الكريم إليه في نفي نظرية داروين، وهي أن مجموعة من بني إسرائيل والمعروفون بأصحاب السبت ممن عصوا الله تعالى مسخوا قردة ، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، وفي موضع آخر: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166].
بل المسخ لم يقف عند حدود القردة، بل تعداها أيضا إلى الخنازير، كما قال تعالى:
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60].
بل يصرح القرآن الكريم أن الله تعالى خلق آدم بيده، كما قال تعالى: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 75، 76]
بل إن إبليس رغم عداوته لآدم عليه السلام لا يقول بنظرية التطور، بل يقر بأمرين:
الأول: أن آدم مخلوق خلقه الله تعالى، وأنه خلق مستقل.
الثاني: أنه مخلوق من طين.
ومن العجيب أن هذا التخبط العلمي عاش ملايين من البشر فيه في تخبط عشواء يبحثون عن الحقيقة، والحق أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر أمة، والقردة أمة، والخنازير أمة ، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأنعام: 38].
فالقرآن والسنة يجيبان عن الأسئلة الفلسفية الوجودية الكبيرة، وإن المسلم العامي يستطيع أن يجيب عن تلك الأسئلة الكبرى التي حار فيها كثير من الفلاسفة، ويبقى القرآن كتب المعرفة الإنسانية، وتبقى السنة شارحة لهذا الكتاب الخالد.