ما إن تسمع اسم فرعون، حتى يتبادر إلى ذهنك الظلم والعنجهية والتسرع الأحمق في القرارات، التي غالباً تكون صادرة من الفرعون بالقهر وإكراه الآخرين. هذه صورة ذهنية واضحة لديك كما عند كثيرين عن فرعون موسى، وهي الصورة ذاتها لا تختلف لكل من يمارس أفعال ذاك الفرعون ويسير على خطاه، وما أكثرهم في كل زمان ومكان.

رعونة ذاك الفرعون وتجبره وتسرعه في اتخاذ القرارات، دون أن يعارضه أحد من الملأ حوله، كان السبب في هلاكه واختفاء كل من سار معه من وزراء ومستشارين ومنتفعين عن الوجود، بل أكثر من هذا أنهم، وبحسب وصف القرآن لهم { النارُ يعرضون عليها غدواً وعشيا} (غافر:46). أي أنها لم تكن نهاية بائسة وتنتهي قصتهم فحسب، بل استمرار ذلك البؤس عبر المرور على جهنم ليلاً ونهاراً حتى قيام الساعة.

ماذا أفادتهم متابعة فرعون وطاعته؟ بالطبع لاشيئ سوى خسران الدنيا والآخرة. فلو أنه هو من هلك فقط، لهان الأمر. لكنه هلك وأهلك كل من معه بسبب عناده وحماقته، وقد كانوا يوم أن أغرقهم الله في البحر عشرات الألوف. ولك أن تتصور آلاف العقول وقد اختارت التبعية العمياء، رغبة أو رهبة، حتى رأت تلك الألوف خطأ قراراتهم ولكن في الوقت الضائع..

فرعون هذه الأمة عمرو بن هشام، أو أبوجهل كما أخبر بذلك نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – نسخة فرعونية عربية تكررت في العهد النبوي. لم يختلف عن فرعون موسى في شيء، سوى أنه لم يدّع الألوهية، لكنه ما اختلف عن زميله في نار جهنم، فرعون موسى. كان عنيداً ظالماً متسرعاً وجاهلاً أحمقاً في الوقت ذاته، لا يأبه برأي الآخرين.

العناد طبع فرعوني

 قصته وعناده مع أحد حكماء قريش، عتبة بن ربيعة حول كيفية التصدي للدعوة الجديدة، كانت بداية النهاية له ولكثيرين ساروا خلفه. عتبة بحكمته، رأى ألا تتورط قريش بالدخول في عراك سياسي أو عسكري مع النبي – صلى الله عليه وسلم – وبني هاشم، فإن ذلك من شأنه التأثير على مكانة قريش بين العرب، بالإضافة لما يمكن أن يحدث على الأرض من مشكلات لا حصر لها. فكان يرى تجنب كل تلك التعقيدات، وانتظار ما ستسفر عنه دعوة النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – وكان يردد مقولته الشهيرة:” فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم”. أي إن كانت دعوته كاذبة، وما اقتنعت العرب به ثم قتلته، فإن هذا ما ترغبه قريش لكن دون أن تتورط في الدم والإساءة إلى مكانتها السياسية.

ثم قال:” وإن يظهر على العرب فمُلكهُ مُلككم وعزّه عزّكم وكنتم أسعد الناس به”. أي إن جرت الأمور عكس ذلك، فإن المجد الذي سيحصل للنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – سيكون تلقائياً مجداً لقريش بالضرورة، على اعتبار أن الدعوة وصاحبها – صلى الله عليه وسلم – من هذه القبيلة.    

لكن فرعون هذه الأمة وبحماقته وعناده رأى غير ذلك، واستمر في العداوة للدعوة الجديدة بالرعونة والجهالة، حتى قربت ساعة النهاية حين أجبر قريش بالخروج لمعركة، رأى كثيرون عدم الحاجة إليها، بعد أن سلمت تجارتهم من المصادرة، وكانت السبب الأول للخروج وحمايتها. فأما وقد انتفى سبب الخروج، فالحكمة كانت تقتضي حينذاك عدم التصعيد عسكرياً مع المسلمين.

لكن فرعون الأمة وجدها فرصة ذهبية كما كان يعتقد، للتخلص من الدعوة الجديدة وفرض رأيه وبيان صوابه أمام قريش. وهكذا بحماقته ورعونته دفع حكماء وصناديد قريش ورموزها للخروج، واستمر يثير فيهم الحمية الجاهلية إلى آخر لحظة من حياته، التي انتهت بجز عنقه بيد رويعي الغنم – كما كان يصف عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – في معركة بدر الكبرى التي كان كثيرون كارهون لها، ومنهم عتبة بن ربيعة. حيث أودت بحياتهم وسبعين من أشرافهم، ومن بينهم عتبة الذي لم تنفعه حكمته يومذاك، وغلبته مفاهيم جاهلية أثارها في نفسه أبوجهل، حتى تخلى عتبة عن حكمته رغبة في أن يراه أبا الجهالة على عكس ما كان يعتقده فيه.. فكانت النهاية البائسة.