اقرأ أيضا:
لقد ظل التسامحُ على مرِّ التاريخ يمثل ركيزة أساسية من ركائز التعايش السلمي الذي تنشده كل الدول، وأيّ شعب لا يتمتع برصيد معتبر من التسامح هو شعب يحتاج مراجعة أسُسِ حضارته التي يستند إليها. فانعدام عنصر التسامح في ثقافة الشعوب يعني غياب ركيزة تعرف بـ”المحبة”، والتي تعتبر ضرورة من ضرورات التعايش السلمي، إذ لا يمكن لشعب أن يعيش بهناءٍ دون أن تكون هناك محبة متبادلة من طرف أفراده.
إن الواقع المعيش يؤكد أنه لو تمّ تفعيلُ ثقافة التسامح بين شعوب العالم على اختلافها، لما شاهدنا دماء تسيلُ هنا وهناك، ولَمَا رأينا الأطفال والنساء يموتون جـوعا وعطشا في وطنهم أمام الجميع، ولا تتحرك أيّ دولة بصدقٍ من أجل تضميد جراحهم النازفة منذ ردح من الزمن.
إننا نحتاج في هذا اللحظة التاريخية الحَرِجَة أن نعلم جيدا أن التسامح يمثل شريان الحياة، وبالتالي فإن كل جهد بذلناهُ في سبيل إشاعة التسامح بين الشعوب سيعودُ علينا في المستقبل بنتائج كبيرة تسهم في تحقيق العدالة والحرية، وتضميد الجراح التي خلَّفها الظلم والاستبداد في جسم شعوب العالم منذ فترة، فـ”التسامح كفيلٌ مستقبلا بتضميد جراح الإنسانية”. كما يقول مرمدوك بكثال.
ثم إن التسامح أيضا يمثل قمة المروءة والسعادة، ولذا أعتقد أنه ينبغي أن يُدرَجَ كمادة أساسية ضمن كل القوانين الدولية، والمقرّرات التربوية التعليمية، من أجل ضمانِ تعايش حقيقيّ منظم في المستقبل للأجيال القادمة، لأن أيّ حياة لا يوجد فيها نظامُ تسامحٍ سينتشر فيها التباغض والشقاء –لا محالة- بدل الألفة والمحبة. وقد كان أحمد شوقي صادقا حين قال:
تسامح النفس معنىً من مروءتـها**بل المروءة في أسمى معانيها
تخلـقِ الصفحَ تسعد في الحياة به**فالنفسُ يسعـدها خلقٌ ويشقيـها
نعم..هي نفسك يابن آدم، إن أردتَ أن تُهلكها بالبغض والحقد على الآخرين، فيكون نصيبُك الشقاء، وإن شئتَ أن تُسعدها بالتسامح والعفو عن الناس، لتنال “جزاء المحسنين”، ويُكفِّرَ الله عنك بعض ما عملتَ من سيئات..فاختر لنفسكَ أي الخيارين تختار.
إن من المؤسف جدا غياب التسامح عن العالم بشكل عام. أما العالم الإسلامي فيتملكني العجب من غياب روح التسامح بين أفراده ورسالة الإسلام بين يديه، ومن الأدلة الشاهدة على غياب التسامح عندنا، أنك لو مررت بشخص يسيرُ في الشارع وصدمته عن طريق الخطأ فإنه قد يُشْهِرُ سلاحه في وجهك، محاولا القصاص عن طريق العمد، وهذا مشكلٌ حقيقيٌّ يهددنا. ولكن لو انتصرنا على الأَنا، وجسدنا التسامح في يوميات حياتنا، لأصبحنا “جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر”. وحينها سنستطيع المساهمة في تضميد جراجات الإنسانية، لأننا أصبحنا نمتلك رصيدا من الإحساس الصادق تجاه الإنسان.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين