تعتبر صناعة ألعاب الفيديو من أكثر قطاعات صناعة الترفيه درا للأرباح، وازدهرت بشكل مذهل خلال العقود الماضية.

وبالرغم من تعرض قطاعات مماثلة مثل السينما والموسيقى لأعمال قرصنة وانخفاض في حجم المبيعات ، إلا أن قطاع ألعاب الفيديو استطاع تحقيق أرباح ثابتة، فمن المتوقع أن تنمو الأرباح من 67 مليار دولار في عام 2013 إلى نحو 82 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2017.

في سبتمبر 2013 وصلت مبيعات لعبة سرقة السيارات المثيرة للجدل “Grand Theft Auto V” إلى رقم لم يكن أحد يتخيله حيث بلغت 800 مليون دولار أمريكي في غضون 24 ساعة. ولم يسبق لأي منتج ترفيهي أن حقق هذا المستوى من النجاح خلال يوم واحد سواء كان هذا المنتج فيلما، أو كتابا، الخ …

بجانب هذا النجاح، حان الوقت للبحث بدقة حول تأثير ألعاب الفيديو على الصحة الثقافية.

وأصبح هذا الموضوع مثار للجدل وللنقاش على نطاق واسع عقب حادثة إطلاق نار قاتلة وغير مسبوقة في مدرسة كولومبين الثانوية عام 1999.

كان القاتلان، اريك هاريس وديلان كليبولد، مولعين بلعبة رماية شهيرة تعرف باسم “DOOM ” وتسمح اللعبة للمشاركين بتكوين مستويات وتوزيعها على الزملاء، ومازالت بعض المستويات التي أنشأت من قبل هاريس متاحة للعب إلى يومنا هذا.

تبع ذلك أيضا شكوك عبرت عن ارتباط حادثة طعن أخرى بلعبة معارك تسمى ” Mortal Combat 3 ” لتستمر هذه الأحاديث التي تربط بين ألعاب الفيديو والجرائم الخطيرة سواء في التحليلات العامة أومن خلال نقاش هذه القضايا داخل قاعات المحاكم.

المشكلة التي تواجه الاستنتاج القائل بوجود علاقة بين ألعاب الفيديو والسلوك هو افتقاده للدليل المادي الواضح .

فهؤلاء المجرمون يشاركون في كل أنواع الثقافة الجماهيرية، بمعنى أن لديهم نفس مستوى العلاقة بالموسيقى، والأفلام، والكتب والألعاب مثل بقية المواطنين الملتزمين بالقانون.

ومؤخرا تركزت معظم الحوارات حول مدى التأثير السلبي الحاصل من قبل ألعاب الفيديو على الطفولة والسلوكيات الاجتماعية بشكل عام، مع مناقشة انتقال ألعاب الفيديو من قوة للقتل الجماعي إلى تسببها في حدوث مزيد من المعارك والمناوشات.

ولكن هل أي من هذه المخاوف مبررة ؟ وماذا نفعل مع المساحة الأكثر حداثة وتعلما في المجتمع،  والقائمة على منطق يدعي أن لألعاب الفيديو آثارا إيجابية على قدراتنا الفكرية والاجتماعية ؟

ومما زاد هذا الأمر تعقيدا ، دراسة حديثة نسبيا صدرت من جامعة أكسفورد حول الأثر النفسي للألعاب الفيديو أشارت إلى أن تأثير الألعاب العنيفة على الأطفال ماهي إلا مسألة ” قضاء وقت ” لا أكثر ولا دليل يثبت وجود أثر لمحتوى هذه الألعاب.

وبدأت في الآونة الأخيرة تتضح فكرة أن الألعاب ليست إلا مسألة ” قضاء وقت ” وتتطور لفهم أشمل.

فقد ورد مقال على موقع صحي www.healthday.com للكاتبة راندي دوتنيغ تحت عنوان ” ألعاب الفيديو العنيفة لا تؤثر على سلوك الاطفال “.

وربما كانت النتيجة المثيرة للاهتمام ، أنه حتى في حال قضاء فترات طويلة على مثل هذا النوع من الألعاب إلا أن تأثيرها يبقى محدودا على السلوك ، في المقابل نجد أن أشكال العنف الموجودة في وسائل الإعلام الأخرى ، مثل أفلام العنف ، يمكن أن يكون له تأثيرا أكبر وله تداعيات من الناحية النفسية.

وعلى الرغم من الذعر المثار حول ألعاب الفيديو، إلا أن المعلمين بدأوا يعتبرونها أداة مفيدة للطلاب، وبينت إحدى الدراسات أن حوالي ثلاثة أرباع المعلمين في المدارس الابتدائية يستخدمون حاليا ألعاب الفيديو.

وفي نفس السياق، صدر كتاب جديد للمؤلف غريغ توبي عرض فيه مساهمات عدد من الخبراء الميدانيين في شتى المجالات، من علم الأعصاب إلى قواعد الموسيقى، أسماه : ” اللعبة تؤمن بك : كيف يمكن للألعاب الرقمية أن تجعل أطفالنا أكثر ذكاء” ذكر فيه أن ألعاب الفيديو قد تكون وسيلة تعليمية لا تقدر بثمن.

ووفقا للكتاب، تعتبر ألعاب الفيديو مصدرا لـ ” التركيز، والإلهام ، وطمأنة الناس، بطرق لا يستطيع كثير من المعلمين القيام بها. فالألعاب تعطي الناس فرصة للتعلم بسرعة، واتخاذ مخاطر، وصقل مفاهيم أعمق، وتجعلك تفشل ومن ثم تدفعك لإعادة التجربة مباشرة ، حتى تصل في نهاية المطاف للنجاح بطرق كثيرا ما يتم التغاضي عنها في المدرسة “.

ولهذا الفهم آثار بعيدة تتجاوز مدى الفصول الدراسية،  فهنالك على سبيل المثال منظمة تستخدم لعبة معينة تساعد الشباب المصابين بمرض السرطان على معرفة المزيد عن المرض والالتزام ببرنامج العلاج.

عندما كنت طفلا، لعبت عددا كبيرا من ألعاب الفيديو، وحاليا أملك جهازا واحدا ونادرا ما ألعب به .

ألعاب الفيديو ساعدتني ، علمتني الكثير، من مهارات الكتابة الأساسية إلى التاريخ الأميركي لعلم الآثار والمنطق.

وأستطيع القول بأني لم أدخل في أي عراك ميداني في حياتي وهذا جعلني أقع في حيرة من أمري بسبب اعتبار الناس لها كأداة سلبية، في الوقت الذي كنت أراها أحد أسباب حصولي على درجات عالية .

كنت أتذكر وبشكل أفضل الأحداث التاريخية عندما أضعها في قالب سردي عبر لعبة كمبيوتر لا من خلال قراءة الكتب المدرسية، وخاصة أني كنت أعاني في طفولتي من نقص في الانتباه ولا أستطيع حفظ المعلومات الثابتة مثل كثير من الأطفال.

كنت بحاجة لترتيب هذه المعلومات داخل مصفوفة حتى أتمكن من استرجاعها، وكانت الطبيعة التفاعلية لألعاب الفيديو تسمح بذلك.

وأحمد الله أن والداي اعترفا بولعي بألعاب الفيديو وأوليا اهتماما بطريقة استهلاكي ، ووجدت منهما التشجيع والمساعدة في تحديد بعض الألعاب المناسبة لاهتماماتي ودراستي .

كنت قبل ذلك قد مررت بتجربة تعلم سيئة في الفصول التقليدية وانتقلت لنظام الدراسة المنزلية، والذي سمح لي بالتفوق حتى أصبحت مستعدا لدخول الجامعة ، وفي سن 16 عاما، التحقت بالكلية وكان أدائي فيها ممتازا.

الآن، والبحوث تقترب من معرفة ما توصل إليه بعض الآباء – مثل والداي – أن ألعاب الفيديو هي أدوات لها قدرات تساعد على تعزيز حياة أطفالهم.

وأن هذه الفائدة قد تجاوز مرحلة الطفولة، كما يجري حاليا من عملية تطوير لألعاب يقصد منها تحسين الوظائف والأعمال في عدد من المجتمعات المختلفة.

وأثبتت ألعاب الفيديو أيضا  أن لها تأثير مفيد على أدمغة كبار السن وخاصة مساعدتهم في وظائف الحفظ وتعدد المهام.

ومن الواضح أن هناك خيارات لبعض الألعاب السيئة التي تعزز وجهات النظر الثقافية السلبية، ولا سيما حول قضايا المرأة واختلاف الأعراق.

هذه هي القضايا التي يمكن بل يجب إصلاحها، ومهم جدا للشريحة المتوسطة أن تتجاهل بعض الناشرين الذين اختاروا اساءة الإستخدام .

وأخيرا يمكننا أن نبدأ بتجاهل صور الذعر النمطية التي حالت دون احتضان ألعاب الفيديو كوسائل للتعلم بشكل كامل.