الحب هو انفعال من السعادة والسرور حين ترى شخصًا تشعر بالراحة معه، وهو نوع من الرِّضا عن الذات والرضا عن الآخرين، وهو سعادتك حين تحقق أهدافك وحين تنجح في تخفيف آلام الآخرين، وهو سعادتك حين تنجح في التخلص من عيوبك وسلبياتك وأنانيتك.
قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [آل عمران: 14].
وللحب فوائد على الإنسان ومنها أن:
- الحب يُنشِّط دافعية الشخص للإنجاز والعزيمة والإرادة لتحقيق الأهداف.
- الحب يُنشِّط العمليات المعرفية مثل: الإدراك، والفهم، والتفكير، والتخيُّل، والتصوُّر، والإبداع.
- الحب يُنشِّط العلاقات الاجتماعية بين الشخص المحب والأشخاص الآخرين.
- الحب يجعل للحياة هدفًا، عكس الاكتئاب حيث العزلة والانطواء وفقدان الأمل في الحياة.
تقول مها: أبلغ من العمر 16 سنة، تعلقت بصديقتي أشد التعلق، فكانت كل شيء في حياتي، وصرت أحدثها بما يدور في قلبي وعقلي، حتى جاء اليوم الذي اختلفنا فيه بسبب غيرة صديقتي، ولم أكن سببًا في المشكلة، لكنها اختلقت الأسباب حتى تهجرني، بدأت أعاني هجرها لي، دخلت في نوبة بكاء وصراخ وتوتر، صار لي أكثر من شهرين وأنا أتابع مع الطبيب النفسي، ماذا أفعل؟
أيها الآباء وأيتها الأمهات، علينا أن نعلم أولادنا أن الحبَّ يكون في الله عندما تكون محبوبات المسلم طاعةً لله، فيحبّ الآخر لأنه رأى فيه الخير والتقوى ومظاهر الإيمان، وإن رأى من أخيه معصية أو ذنبًا كره ذلك فيه، وذلك من أجل الله تعالى؛ إذ إنَّ المعيار الذي يتَّبعه المسلم في الحبِّ والبغض هو مرضاة الله تعالى، كمَن يُحبُّ مُعلِّمه لأنه باب تحصيل العلم والمعرفة لديه.
علينا أن ننتبه إلى تطور العاطفة والحب في أولادنا، أو أن يكون فيها إعجاب وتعلق سواء بين شاب وشاب أو بين فتاة وفتاة، أو بين شاب وفتاة، والخوف كل الخوف عندما تصل العلاقة بينهما إلى الشهوة والرغبة في مخالفة الفطرة التي فطر الناس عليها، وهنا يصبح الشاب أو الفتاة لا يستطيعان التخلي عن سماع صوت المحب أو رؤيته يوميًّا أو الأفكار والتخيلات.
ماهي الآداب في حب الآخرين ؟
وللحب مع الآخرين آداب وحقوق منها:
- التودد والتلطف باللسان والعبارات الجميلة ومعاشرة الناس بحسن الخلق، روى الترمذي عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله ﷺ: ((اتقِ الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تَمحُها، وخالِقِ الناس بخُلُق حسن)).
- ستر العيوب، ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُرْبةً فرَّج الله عنه كربة من كُرُبات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)).
- اختيار الأصدقاء الصالحين، روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((الرجلُ على دِين خليله، فلينظُرِ أحدُكم مَن يُخالل)).
- الابتعاد عن مصاحبة الأشرار، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((مَثَل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كمَثَل صاحب المسك، وكِير الحداد؛ لا يعدمك من صاحب المسك؛ إما تشتريه أو تجد ريحه، وكيرُ الحداد يُحرِق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة)).
- قضاء حوائج الأصدقاء والأصحاب، روى ابن أبي الدنيا – وحسَّنه الألباني – عن عمرو بن دينار عن بعض أصحاب النبي ﷺ أن رسول الله ﷺ قال: ((أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ يُدخِله على مسلم، أو يكشِف عنه كربةً، أو يقضي عنه دَينًا، أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشِي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني: مسجد المدينة – شهرًا، ومَن كف غضبه ستر الله عورتَه، ومَن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومَن مشَى مع أخيه في حاجة حتى تتهيَّأ له، أثبت الله قدمه يوم تزِلُّ الأقدام، وإن سوء الخلق يُفسِد العمل كما يُفسِد الخلُّ العسلَ)).
- الدفاع والذب عنهم، روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: ((مَن ردَّ عن عِرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة)).
- الدعاء لهم بظهر الغيب، روى مسلم في صحيحه، عن النبي ﷺ أنه كان يقول: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابةٌ، عند رأسه مَلَكٌ موكلٌ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمِثلٍ)).
- النصح لهم، روى مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ((الدين النصيحة))، قلنا: لمن؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّتِهم)).
- ألا يهجر أخاه فوق ثلاث، روى البخاري عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ((لا يحل لرجل أن يهجُرَ أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيُعْرِضُ هذا، ويعرض هذا، وخيرُهما الذي يبدأ بالسلام)).
أيها الآباء وأيتها الأمهات، تذكروا قول النبي ﷺ: ((المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ))؛ رواه الترمذي، وقول الله تعالى: { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [آل عمران: 103]، قال الزَّمخشريُّ: في تفسير الآية: “كانوا في الجاهليَّة بينهم الإحَن والعداوات والحروب المتواصلة، فألَّف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبَّة، فتحابوا وتوافقوا وصاروا إخوانًا متراحمين متناصحين مجتمعين على أمرٍ واحد، قد نظم بينهم وأزال الاختلاف، وهو الأخوَّة في الله؛ “كتاب الكشاف”.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح لنا ولكم الذرية، هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.