يمرُّ علينا العيد هذا العام في زمن انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، ممَّا دفع بعض الدول إلى إقامة صلاة العيد بضوابط وإجراءات احترازية، ودفع دولاً أخرى إلى منع إقامتها في جماعاتٍ مطلقاً. ويُبيُّن هذا المقال الأحكام العامة المتعلقة بصلاة العيد من جهة، والأحكام الخاصة المتعلقة بصلاة العيد في زمن الوباء من جهة أخرى، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: الأحكام العامة المتعلقة بصلاة العيد
إنَّ صلاةَ العيد مشروعةٌ بالإجماع، وهي سنةٌ مؤكدةٌ على قول جماهير العلماء من السلف والخلف (المجموع: 5/6).
ووقت صلاة العيد كوقت صلاة الضحى، يبتدئ بعد ارتفاع الشمس قدر رمح أي: بعد ربع أو ثلث ساعة تقريباً من شروق الشمس، وينتهي قبيل زوال الشمس أي: قبل أذان صلاة الظهر بربع أو ثلث ساعة خروجاً من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها (بداية المجتهد: 1/229). فإذا زالت الشمس، فهل يجوز قضاء صلاة العيد ؟ اختلف العلماء في هذه المسألة، فعلى الصحيح من مذهب الشافعية يُستحب قضاؤها. وعند الحنفية والمالكية لا تقضى صلاة العيد بعد زوال الشمس. ويرى الحنابلة أنَّ من فاتته صلاة العيد لا قضاء عليه، فإن شاء أن يقضيها، يصليها أربع ركعات بسلامٍ واحدٍ أو بِسَلامَيْن (بدائع الصنائع: 1/276؛ والشامل: 1/126؛ والمجموع: 5/33؛ والمغني: 2/124). ويُستحب تعجيل صلاة عيد الأضحى في أول وقتها ليتسع وقت الأضحية، وتأخير صلاة عيد الفطر ليتسع وقت إخراج زكاة الفطر (المغني: 2/117).
والأصل أن تُصلَّى صلاة العيد في المُصَلَّى (العَراءِ) لفعل النبي ﷺ، فعَنْ أبي سَعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قال: “كان النبيُّ ﷺ يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأضحى إلى المصلَّى” (رواه البخاري ومسلم). ويستثنى من ذلك مكة، فإنَّ صلاة العيد في المسجد الحرام أفضل (التمهيد: 6/31). وإذا وُجِدَ عذرٌ كمطر أو خوف أو غيره، فإنَّ صلاة العيد تُصلَّى في المسجد (المجموع: 5/8).
واختلف العلماء القائلون بجواز أداء صلاة العيد لمن فاتته مع الإمام، فقال قوم: يصليها أربع ركعات، وقال آخرون: يصليها ركعتين بلا تكبيرات زوائد، وقال جمهور العلماء –وهو الراجح-: يصليها على صفة صلاة الإمام ركعتين يُكبِّر فيهما التكبيرات الزوائد (بداية المجتهد: 1/230)؛ والدليل: ما رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ بِالْبَصْرَةِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَمَوَالِيهِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَاهُ فَيُصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِيهِمَا (رواه ابن أبي شيبة وغيره، وذكره البخاري في صحيحه في مقدمة باب: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْن).
أما عن كيفية أداء صلاة العيد، فتُصَلَّى ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يُكبِّر الإمام في الركعة الأولى تكبيرة الإحرام ثم يُكبِّر بعدها سبع تكبيرات على قول الشافعية أو ست تكبيرات على قول المالكية والحنابلة، وكله جائز بإذن الله، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويُسنُّ أن يقرأ سورة (ق) في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يقوم مكبراً تكبيرة القيام، ثم يُكبِّر بعدها خمس تكبيرات، ويقرأ سورة الفاتحة، ثم يقرأ سورة القمر، فهاتان السورتان كان النبيﷺ يقرأ بهما في صلاة العيدين، وإن شاء قرأ في الركعة الأولى (سورة الأعلى)، وفي الركعة الثانية (سورة الغاشية)، ثم يُتِمُّ صلاته، فإذا سلم من الصلاة؛ خطب خطبتَيْن، يجلس بينهما؛ لما ثبت عن النبي r (المدونة: 1/246؛ والأم: 1/270؛ والمغني: 2/119؛ والفروع: 3/201).
وخطبة العيد سنةٌ وليست فرضاً، ومن صلى العيد منفرداً في بيته فلا خطبة له؛ لأنَّ الخُطبةَ مشروعةٌ مع الجماعة (المجموع: 5/32). أما إذا صلاها جماعةً مع أهل بيته أو غيرهم فلا خطبة لهم على مذهب المالكية (مواهب الجليل: 2/581)، وتُسنُّ لهم الخطبة على قول الشافعية، وأقلّ الجماعة: اثنان، فلو كان رجلان مجتمعان في بيتٍ يُسنُّ لأحدهما أن يخطب ندباً ولو صلَّى كلُّ واحدٍ منفرداً، ولا خطبة لجماعة النساء إلا أن يَخطب لهنَّ ذكر، وخطبة العيد تكون بعد الصلاة بخلاف خطبة الجمعة (حاشية الجمل على شرح المنهج: 3/508).
ثانياً: الأحكام الخاصة بصلاة العيد في زمن الوباء
تختلف الأحكام المتعلقة بصلاة العيد في زمن الوباء بحسب موقف الدول من إقامة صلاة العيد بضوابط وإجراءات احترازية، أو منع إقامتها في جماعاتٍ مطلقاً، وفيما يلي بيان الأحكام المتعلقة بهذين الحالين:
1- بعض الأحكام الخاصة بالدول التي سُمح فيها بإقامة صلاة العيد :
يجب على الدول التي سمحت بإقامة صلاة العيد أن تُطبِّق الضوابط والإجراءات الاحترازية، وتُلزِم المسلمين بها، وأن لا تسمح بإقامة صلاة العيد في تجمعاتٍ كبيرة يحدث فيها الاختلاط وانتشار العدوى لا سمح الله، فحفظ النفوس وصيانتها من مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى.
وكذلك يتوجب على المسلمين الالتزام بتلك الضوابط والإجراءات الاحترازية لمنع انتشار العدوى، ومن خالف هذه الضوابط والإجراءات يدخل في دائرة الإثم، فالشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد؛ وقد ثبت عن النبي ﷺ أنَّه قال: “لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ” (رواه ابن ماجه والحاكم والدارقطني وصححه الألباني)، ويُسْتَدلُّ من هذا الحديث على تحريم الضرر بالنفس؛ وذلك بإلقائها في المخاطر، والنهي عن إلحاق الضرر بالآخرين.
ومن هذه الضوابط والإجراءات الاحترازية: وضع الكمامات الطبية، واستخدام أدوات التعقيم، والالتزام بمسافة التباعد الاجتماعي والابتعاد عن الزحام؛ وذلك بترك مسافة لا تقل عن متر عند الانتظار لدخول المسجد أو مصلى العيد والخروج منه، وكذلك التباعد بمسافة لا تقل عن متر بين المصلين في الصف الواحد عند الصلاة، وأن يُحضِر كلُّ مصلٍ سجادته الخاصة للصلاة عليها، وأن يتوضأ المصلون في بيوتهم تجنباً للاختلاط والاجتماع في مكان واحد، وتجنب المصافحة والمعانقة، واتباع آداب السعال بتغطية الفم والأنف، والالتزام بالتعليمات الصادرة عن جهات الاختصاص عند الدخول والخروج من المسجد أو المصلى، وكذا في المكان المحدد للصلاة.
ويجدر بالأئمة أن لا يطيلوا خطبة العيد، وأن يُوجِّهُوا المسلمين بضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية الصادرة عن جهات الاختصاص، وأن يُذَكِّروهم بأهمية صلة الأرحام في زمن الوباء، ولو من خلال مكالمة عبر أي وسيلة من وسائل الاتصال، فتتحقق صلة الأرحام بكل ما فيه إحسان إلى الأقارب سواءً بالأقوال أو الأفعال، كالزيارة والنفقة والسؤال والخدمة وقضاء الحوائج والمكاتبة والمراسلة، وأية وسيلة تحقق التواصل وتزيد أواصر الألفة والمودة (حاشية إعانة الطالبين: 3/266).
وينبغي على الأئمة أن يَحُثُّوا المسلمين على التكافل الاجتماعي، وإعانة القوي للضعيف، والسؤال عن الأهل والأصدقاء والمعارف وتلمس حاجاتهم، والتصدق على الفقراء والمساكين؛ فقد كان من هدي النبي ﷺ أن يَعِظَ المسلمين ويُوصِيهم بالصدقات يوم العيد، فعنِ ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: “خرجتُ مع النبيِّ ﷺ يومَ فِطرٍ أو أَضْحى، فصلَّى، ثم خطَبَ، ثم أتى النِّساءَ، فوَعظهُنَّ وذكَّرهُنَّ، وأمَرَهُنَّ بالصَّدقةِ ” )رواه البخاري ومسلم).
ولْيحرص المرضى وكبار السن والمصابون بأمراض مزمنة على اجتناب الذهاب إلى صلاة العيد؛ كونهم أكثر عرضة للإصابة بالمرض لا سمح الله، وبخصوص كيفية صلاتهم للعيد في بيوتهم نوضحها فيما يلي إن شاء الله.
2– الأحكام الخاصة بالدول التي منع فيها إقامة صلاة العيد في جماعاتٍ مطلقاً :
إذا تعذر إقامة صلاة العيد في العَرَاء أو المسجد بسبب الوباء أو نحوه، فإنَّه يجوز للمسلمين أن يصلوها في بيوتهم قياساً على حكم من فاتته صلاة العيد، ونظراً لتحقق العذر المانع من الاجتماع لصلاة العيد، قال تعالى: “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ” (التغابن:16)، وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ” (رواه البخاري ومسلم). ولما كان الميسور لا يَسقط بالمعسور، وما لا يُدرك كلُّه لا يُترَك جُلُّه، فينبغي أن لا يُفرَّط في إقامة صلاة العيد ولو في إطارٍ ضيقٍ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
وبيان الأحكام الخاصة بأداء صلاة العيد في البيوت على النحو الآتي:
يصلي المسلمون العيد في بيوتهم جماعاتٍ أو فرادى، فقد رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ بِالْبَصْرَةِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَمَوَالِيهِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَاهُ فَيُصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِيهِمَا (رواه ابن أبي شيبة وغيره، وذكره البخاري في صحيحه في مقدمة باب: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْن). وقد نقل الإمام المزني عن الإمام الشافعي رحمهما الله: “وَيُصَلِّي الْعِيدَيْنِ الْمُنْفَرِدُ فِي بَيْتِهِ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ” (مختصر الأم: 8/125). وقال الإمام الخرشي المالكي رحمه الله: “يُسْتَحَبُّ لِمَن فَاتَتهُ صَلَاةُ العِيدِ مَعَ الإمَامِ أَن يُصَلِّيَهَا، وَهَلْ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ أَفْذَاذًا –فرادى-؟ قَوْلَانِ” (حاشية الخرشي: 2/301). وقد بيَّن الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله أنَّ من فاتته صلاة العيد مع الإمام يُصَلِّيها على صفتها، وهو مخيرٌ إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة (المغني: 2/125).
وإنَّ قول الحنفية بأنَّه لا قضاء لمن فاتته صلاة العيد (حاشية ابن عابدين: 2/175) لا ينطبق على حالتنا؛ لأنَّ أداء صلاة العيد في البيوت في زمن الوباء ليس قضاءً لفائتة، بل هو أداءٌ للصلاة التي لم نتمكن من أدائها وفق السنة في مصليات العيد أو المساجد لتحقق العذر.وقت صلاة العيد كوقت صلاة الضحى، يبتدئ بعد ارتفاع الشمس قدر رمح أي: بعد ربع أو ثلث ساعة تقريباً من طلوع الشمس، وينتهي قبيل زوال الشمس أي: قبل أذان صلاة الظهر بربع أو ثلث ساعة خروجاً من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها.
الراجح أنَّ صلاة العيد تُصلَّى في البيوت على صفتها، فتُصلَّى ركعتين مع التكبيرات الزوائد على الهيئة التي ذكرناها عند الحديث عن الأحكام العامة لصلاة العيد.
ويتأكد أداء صلاة العيد على صفتها الأصلية في زمن الوباء؛ كونها ليست قضاءً لفائتة، بل هي الصلاة الأصلية التي لم نتمكن من أدائها في مصليات العيد أو المساجد لتحقق العذر، فتُصلَّى على صفتها مع التكبيرات الزوائد.
إذا صلى المسلم العيد منفرداً فلا خطبة له، أمَّا إذا صلى جماعة مع أهله أو غيرهم، فقد اختلف العلماء هل يخطبون أم لا ؟ ، ومذهب المالكية أنَّهم لا يخطبون (مواهب الجليل: 2/197)، أما الشافعية فقد نصوا على سُنِّيَّة خطبة العيد (حاشية الجمل: 3/508). وعلى كل حال خطبة العيد سنةٌ وليست فرضاً، فمن استطاع أن يفعلها أصاب سُنَّةً، ومن لم يستطع فلا حرج وصلاته صحيحة إن شاء الله تعالى، قال الإمام الشافعي رحمه الله: “لَوْ صَلَّى –العيد- وَلَمْ يَخْطُبْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ خُطْبَةٍ، وَلَا صَلَاةٍ” (الأم: 1/270).
والخلاصة: يجوز للمسلمين -في الدول التي تم منع إقامة صلاة العيد فيها- أداء صلاة العيد في بيوتهم جماعاتٍ أو فرادى على صفتها مع التكبيرات الزوائد، وفي وقتها بعد طلوع الشمس بربع أو ثلث ساعة تقريباً حتى قبيل أذان الظهر بربع أو ثلث ساعة تقريباً، ولا خطبة لمن يصلي منفرداً، أما من يصلي مع جماعة، فلهم أداء الخطبة أو تركها ولا حرج إن شاء الله تعالى. وتنطبق هذه الأحكام على المرضى وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة وغيرهم من أصحاب الأعذار في الدول التي سُمح فيها بإقامة صلاة العيد، فيصلون في البيوت وفقاً لما بيناه، والله تعالى أعلى وأعلم.