جاء في السنة النبوية حديث شريف يبيِّن أربعة أمور من أسباب إجابة الدعاء، وهي كذلك إحدى المواضع التي يرجى فيها قبول الدعاء، وهذه الأسباب هي طيب الرزق والطعام، لأن الله طيِّبٌ ولا يقبل إلا الطيب، والتواضع والإخلاص في الدعاء، ورفع اليدين إلى السماء، وإطالة السفر حيث يكون المسافر ضعيفا ومفتقرا إلى الله العظيم أن يكشف عنه ما ألم به من حاجة، وهذا يجعل الدعاء في حالات السفر أكثر قبولًا.

إنَّ من الأحاديث العظيمة الجامعة لذكرِ آداب الدعاء وشروطِه وموانعِ قبوله ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ” إنَّ اللهَ تعالى طيِّبٌ لا يقبل إلَاّ طيِّباً، وإنَّ اللهَ تعالى أمَرَ المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ ‌كُلُوا ‌مِنَ ‌الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُلُوا ‌مِنْ ‌طَيِّبَاتِ ‌مَا ‌رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، ثمَّ ذَكرَ الرَّجلَ يُطيل السَّفر أشعث أغبر يَمدُّ يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه حرام، ومشربُه حرامٌ، وملبسُه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك “[1].

هذا الحديث يُعدُّ من جوامعِ كَلِم الرسول ، وقد جمع فيه صلوات الله وسلامه عليه جملةً طيِّبةً من آداب الدعاء وشروط قبوله، والأمور المانعة من القبول، وقد بدأه عليه الصلاة والسلام بالإشارةِ إلى خطورة أكلِ الحرام، وأنَّه مانعٌ من موانع قبول الدعاء، ومفهوم المخالفة لذلك أنَّ إطابةَ المطعم سببٌ من أسباب قبول الدعاء، كما قال وهبُ ابن منبِّه رحمه الله: “مَن سرَّه أن يستجيب الله دعوتَه فليُطيب طُعْمَتَه”.

ولَمَّا سئل سعدُ بن أبي وقاص رضي الله عنه تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله ؟ فقال: “ما رفعتُ إلى فمي لُقمةً إلَاّ وأنا عالِمٌ من أين مجيئُها ومن أين خرجت”[2].

أمَّا من استمرأ ـ والعياذ بالله ـ أكلَ الحرام وشربه ولبسَه والتغذي به، فإنَّ فعلَه هذا يكون سبباً موجباً لعدم إجابةِ دعوته، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: “فأنَّى يُستجاب لذلك”، أي كيف يُستجاب له، فهو استفهامٌ وقع على وجه التعجب والاستبعاد، وقد يكون أيضاً ارتكابُ المحرَّمات الفعلية مانعاً من الإجابةِ، وكذلك تركُ الواجبات، كما قال بعض السلف: “لا تستبطئ الإجابةَ وقد سددتَ طُرقَها بالمعاصي”[3].

ولهذا فإنَّ توبةَ العبد إلى ربِّه، وبُعدَه عن معاصيه، وإقبالَه على طاعته وعبادته، وإطابتَه لمطعمه ومشربِه وملبسه، وانكسارَه بين يديه، وذُلَّه وخضوعَه له سبحانه كلُّ ذلك من موجبات القبول ومن أسباب إجابةِ الدعاء، وأضدادُ ذلك من موجبات الردِّ.

لقد ذكر رسول الله في الحديث المتقدِّم أربعةَ من أسباب إجابة الدعاء، وهي أسباب عظيمة لقبول الدعاء وتقتضي إجابته:

أحدها: إطالة السفر، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء، كما في حديث أبي هريرة عن النبيِّ : “ثلاثُ دعوات مستجابات لا شكَّ فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده”، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي بإسناد حسن، ولفظ الترمذي: “ودعوة الوالد على ولده[4].

ومتى طال السفرُ كان أقربَ إلى إجابةِ الدعاء؛ لأنَّه مظنَّةُ حصولِ انكسار النفس بطول الغُربةِ عن الأوطان وتحملِ المشاق، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

الثاني: أن يكون متواضِعاً مُتذلِّلاً مستكيناً، فهذا أيضاً من مقتضيات الإجابة كما في الحديث المشهور عن النبي : “رُبَّ أشعث أغبَر مدفوع بالأبواب، لو أَقسمَ على الله لأبرَّه”[5].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما لَمَّا سُئل عن صلاة رسول الله في الاستسقاء؟ قال: “خرج رسول الله متبذِّلاً متواضعاً مُتضرِّعاً … “، الحديث رواه أبو داود، وغيرُه[6].

الثالث: مدُّ اليدين إلى السماء، وهو مِن آداب الدعاء التي يُرجى بسببها إجابته، ففي سنن أبي داود وغيره عن سلمان الفارسيِّ رضي الله عنه، عن النبي قال: “إنَّ اللهَ حيِيٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردَّهما صِفْراً خائبتين”[7].

الرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيَّته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء، روي عن عطاء أنَّه قال: “ما قال عبدٌ يا رب يا رب ثلاث مرَّات إلَاّ نَظر اللهُ إليه، فذُكر ذلك للحَسن فقال: أما تقرؤون القرآن؟ ثمَّ تلا قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩4) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَك} [آل عمران: 191-195][8].

ولهذا فإنَّ غالبَ الأدعيةِ المذكورةِ في القرآن مفتتحةٌ باسم الربِّ، ولهذا لَمَّا سُئل مالك رحمه الله عمَّن يقول في الدعاء يا سيِّدي، قال:

” يقول: يا ربِّ كما قالت الأنبياء في دعائهم “[9].

فهذه أربعة أسباب عظيمةٍ لإجابة الدعاء انتظمها قول النبي في ذلك الرجل “يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء، يا رب يا رب”، ومع ذلك استبعد صلوات الله وسلامه عليه إجابةَ دعائه؛ لأنَّ مطعمَه حرامٌ وملبسَه حرامٌ، ومَشربَه حرامٌ، وغُذي بالحرام، فكيف يُستجاب لِمَن كانت هذه حاله.

ولهذا فليتق اللهَ عبدُ الله المؤمن في طعامه وشرابه وسائر شؤونه، وليَستعِن بالله على ذلك، فالتوفيق بيده وحده، فنسأله سبحانه أن يرزُقَنا الرزقَ الطيب الحلال، والدعوةَ الصالحة المستجابة، إنَّه نِعم المرجو ونعم المعين.