ما معنى قول النبي “ﷺ ” أصحابي أمنة لأمتي” ؟
جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن فضائل الصحابة ( 4/ 1961 ) : عن أبي بردة عن أبيه قال : صلينا المغرب مع رسول الله ﷺ ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ! قال : فجلسنا فخرج علينا فقال : ” مازلتم هاهنا ؟ ” قلنا: يارسول الله صلينا معك المغرب ، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال: ” أحسنتم أو أصبتم” قال : فرفع رأسه إلى السماء ، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء ، فقال : ” النجومُ أمنةٌ للسماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ” .
قال النووي : ومعنى الحديث أنَّ النجوم ما دامت باقية ، فالسماء باقية ، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة ، وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت ، وقوله ﷺ : ” وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ” أي : من الفتن والحروب ، وارتداد من ارتد من الأعراب ، واختلاف القلوب ، ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً ، وقد وقع كل ذلك .
وقوله ﷺ: ” وأصحابي أمنة لأمتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون ” معناه : من ظهور البدع والحوادث في الدين ، والفتن فيه ، وطلوع قرن الشيطان ، وظهور الروم وغيرهم عليهم ، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك ، وهذه كلها من معجزاته ﷺ ” انتهى .
فبقاء الصحابة في الأمة كان خيرا للأمة ، ومانعا من ظهور البدع والمنكرات والشرور ، فقرنهم كان خير القرون .
ولذلك فحب الصحابة رضوان الله عليهم إيمان وسنة ، والدعاء لهم قربة ، والإقتداء بهم للفلاح وسيلة ، والأخذ بآثارهم طريق للفضيلة ، وهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام .
ولا أعدل ممن ارتضاه الله تعالى لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تعديل أكمل منه ، ولا تزكية أفضل من تزكية الله له ، قال الله تعالى ذكره { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود } ( الفتح : 29) .
وقوله تعالى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة :100) .
أحاديث في فضل الصحابة
أما الأحاديث الواردة في فضل الصحابة فكثيرة ومشتهرة بل متواترة ، فمنها :
- ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : عن النبي ﷺ قال: ” يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من صحب رسول الله ﷺ ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يغزوا فئام من الناس فيقال لهم : هل فيكم من رأى من صحب رسول الله ﷺ فيقولون: نعم، فيفتح لهم ، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم : هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله ﷺ فيقولون: نعم، فيفتح لهم . (رواه البخاري ومسلم ( 4/ 1962 )) .وفي هذا الحديث أيضا معجزة لرسول الله ﷺ ، وفضل الصحابة والتابعين وتابعيهم .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سئل رسول الله ﷺ: أي الناس خير؟ قال: ” قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تبدر شهادة أحدهم يمينه وتبدر يمينه شهادته” (رواه البخاري ومسلم) . قال النووي: ” اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه ﷺ والمراد أصحابه”.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ : ” لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ، ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه ” . قال الخطابي : ” النصيف بمعنى النصف ، كما قالوا : الثمين بمعنى الثُمن . والمعنى أن جهد المقل منهم واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه أوفى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم ” . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وهذه الأحاديث مستفيضة ، بل متواترة في فضائل الصحابة ، والثناء عليهم ، وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون ، والقدح فيهم قدح في القرآن والسنة ” .
حشرنا الله عز وجل في زمرتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم.