آفة هذا الزمان التي ابتلي بها جميع الناس – إلا من رحم الله – هي هدر الأوقات على منصات التواصل الاجتماعي، التي تستهلك لا أقول وقت الإنسان، بل تستهلك عمره وحياته.

نشل الأوقات

يظهر أحد المقاطع المصورة تراجع حجم الوقت الذي يقضيه الفرد مع أسرته لصالح أمور أخرى، ولكن أخطرها على الإطلاق هو الوقت الذي يقضيه الفرد في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي وما تعج به من منشورات ومقاطع قصيرة مصورة لا يتجاوز المقطع منها بضع دقائق، ولكنها تستهلك الوقت بشكل كبير ويجد المرء نفسه وقد قضى ساعات طوال وهو يطالع تلك المقاطع دون أن يشعر ودون أن يمل!

ومواقع التواصل الاجتماعي باتت تستهلك ساعات طويلة من يوم الإنسان ومن حياته، وكل ذلك على حساب الواجبات وعلى حساب صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ومع ذلك لا يحظى هذا الأمر بالاهتمام المطلوب والتحذير من خطورته على الفرد وعلى المجتمع، بل وعلى الأمة بأسرها.

وخطورة هذه المقاطع تكمن في استهلاكها للوقت، وفي مضمونها التافه الذي لا يستفيد منه الإنسان شيئًا، وفي تأثيرها السلبي على نفسية الإنسان.

المسلم والفراغ

الحياة المعاصرة وعلى الرغم من تعقيدها وكثرة الانشغالات لدى معظم الناس، إلا أنها خلقت أوقات فراغ طويلة لدى فئات كثيرة وبخاصة الشباب الذين يقضون معظم أوقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي وباتت بالنسبة لهم حياة افتراضية يهربون إليها من الحياة الواقعية لأسباب كثيرة.

والمسلم لا يوجد لديه وقت فراغ، يقول الله عز وجل:{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } (سورة الشرح: 7 ) يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره:” وقوله {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة”.

والمسلم يعلم يقينا أنه سيسأل عن عمره، فعن أبي برزة الأسلمي، أن النبي قال:”لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ، وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟”. أخرجه الترمذي (2417).

وتضييع الوقت من علامات المقت كما يقول الصالحون، ويقول ابن القيم رحمه الله: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا، وأهلها”.

ضياع الأوقات والتخلف

الوقت هو أثمن ما يمتلكه الإنسان، ومغبون كل من فرط ولو في ساعة منه، وقد أحسن من قال:”من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرض أداه، أو مجدٍ أصله، أو حمد حصله، أو خيرٍ أسسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه”. ومن أقوال الفاروق رضي الله عنه:”إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللًا لا في عمل دنياً ولا في عمل آخره”.

والمعضلة المتعلقة بالوقت لدى الفرد والأمة، هي تضييع الاوقات على حساب الواجبات، سواء كانت تلك الواجبات في حق الله عز وجل كالعبادات المفروضة، أو في حق العباد كأداء الحقوق لأصحابها. وتضييع الأوقات يحرم الكثيرين من تحقيق التميز والمجد الشخصي الذي يمكن للإنسان أن يحصله باستغلال وقته في العلم أو في العمل النافع لنفسه أو لغيره، ويعيق نهضة الأمة التي تتحقق بالعمل الدؤوب واستغلال الأوقات في النافع والمفيد.

الوقت هو الحياة

تضييع الأوقات والغفلة عن ذكر الله عز وجل من الأمور التي يتحسر عليها الإنسان يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ” من اضطجعَ مضجعًا لم يذكرِ اللهَ تعالى فيه إلا كان عليه تِرَةً يومَ القيامةِ، ومن قعد مقعدًا لم يذكرِ اللهَ عز وجل فيه إلا كان عليه تِرَةً يومَ القيامةِ. أخرجه أبو داود (5059). وتِرَةً، أي: حَسْرةً ونَدامةً.

وأخيرًا تذكر أن كل يوم من حياتك هو صفحة بيضاء سوف تطوى بنهاية اليوم ولن تعود، فلذلك احرص على أن تملأها بما يسرك يوم القيامة، حتى لا تندم في وقت لا ينفع فيه الندم، يقول الله عز وجل: { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (سورة المؤمنون: 99-100).