تُعتبر أعياد نهاية السنة الميلادية، مثل الكريسماس ورأس السنة الجديدة، من المناسبات التي يحتفل بها غير المسلمين في مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، تثير مشاركة المسلمين في هذه الاحتفالات جدلاً واسعًا في الأوساط الدينية والاجتماعية.

الأدلة الشرعية ومقاصدها

من الثوابت في الأدلة الشرعية أن المشاركة غير المسلمين في احتفالاتهم الدينية غير جائز، سواء بالحضور أو بالتهنئة مثل قول “عيدكم مبارك”، أو بإهداء الهدايا، أو بالمساعدة في ترويج طقوسهم مثل بيع الشموع والبطاقات وما شابه، أو بالتشبه بهم في اللباس، أو بالطبخ الخاص بتلك الأعياد، أو بتزيين المنازل أو إقامة حفلات خاصة. فمجرد مشاركة غير المسلمين في أعيادهم يعتبر نوعًا من التشبه بهم بغض النظر عن نية المشاركين أو ما في ضمائرهم من محبة ومودة.

الحديث النبوي والتشبه بأهل الكتاب

أصل لنا رسول الله تأصيلا عاما وواضحا في التحذير من التشبه بأهل الكتاب، حيث قال: “من تشبه بقوم فهو منهم.” [1] وأوضح الحديث أن التشبه بأهل الكتاب من علامات الساعة: “لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن.” [2] كما أن التشبه بهم يؤدي إلى تقليدهم في أخلاقهم ودينهم، مما يقوي شعور الإعجاب بدينهم وشعائرهم.

وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: “من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم وتشبه بهم حتى يموت، حُشر معهم يوم القيامة.[3] وهذا الأثر له حكم الرفع، مما يؤكد خطورة هذا المسلك.

ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى النظر المتأني والتبصر العلمي النزيه في أفعال تُظهر مخالفة أعياد غير المسلمين، لا سيما إذا كانت تتضمن نفعًا ظاهرًا كتنظيم الأنشطة الدعوية والتربوية.

التبصر العلمي والنظر في مخالفة غير المسلمين

على الرغم من تحذيرات الشرع، تبقى الحاجة إلى النظر المتأني والتبصر العلمي النزيه في أفعال تُظهر مخالفة أعياد غير المسلمين، لا سيما إذا كانت تتضمن نفعًا ظاهرًا كتنظيم الأنشطة الدعوية والتربوية.

تنظيم المخيمات واللقاءات التربوية المعارضة لأعياد أهل الكتاب

في بعض الدول الإفريقية، اعتاد بعض المسلمين والدعاة تخصيص فترات إجازات أعياد نهاية السنة الميلادية، بدءًا من الكريسماس وحتى رأس السنة الميلادية الجديدة، لإقامة مخيمات تربوية. تُعرف هذه المخيمات في بعض الجمعيات الدعوية في جنوب غرب نيجيريا باسم مخيمات تربوية أيام الإجازات (IVC)، وتشرف عليها جمعيات مثل: المجلس الإسلامي (TMC)، جمعية الطلاب المسلمين (MSS)، وغيرها. يهدف هذا البرنامج إلى خلق بيئات صالحة للمسلمين والمسلمات، بما في ذلك فصل الجنسين، لتحقيق الضوابط الشرعية.

تقييم هذا التنظيم التربوي

أولًا: حفظ الدين

لا إنكارعلى محتويات المخيمات وبرامجها، إذ كان الهدف منها صيانة العقيدة وحفظ المسلمين من الذوبان في العقائد الأخرى والتقاليد الجاهلية. فالغيرة على الدين وحماية هوية المسلمين مطلب شرعي.

ثانيًا: التجديد في وسائل الدعوة

التجديد في وسائل الدعوة أمر مطلوب، شريطة أن يكون متوافقًا مع ضوابط الشرع، حيث إن الدعوة تحتاج إلى مواكبة العصر من حيث الوسائل والأساليب، دون الإخلال بمقاصد الدين.

ثالثًا: مآخذ شرعية وتنظيمية على النشاط

  • خروج النساء إلى المخيمات: لا داعي لخروج النساء إلى المخيمات والبقاء فيها أيامًا، إذ لا مبرر شرعي قوي لهذا الخروج. وقد يترتب عليه محاذير كتعرضهن للأذى أو مخالفة إذن أولياء أمورهن. قال القرطبي: “والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة. [4]” ومع أن الشريعة تجيز للنساء الخروج للحاجة كالصلاة أو طلب العلم، إلا أن الأفضل لهن هو البقاء في البيوت حفاظًا على كرامتهن ودرءًا للمفاسد.
  • اختيار توقيت الأنشطة: تخصيص هذه الأنشطة في أوقات أعياد غير المسلمين قد يعطي انطباعًا خاطئًا بتعظيم هذه الأيام أو التشبه بهم. الأفضل أن تُنظَّم هذه الأنشطة في أوقات أخرى بعيدة عن أعيادهم، لتجنب أي شبهة تعظيم لأيامهم.
  • التشبه غير المقصود: تخصيص الأنشطة في أيام أعياد غير المسلمين قد يؤدي، دون قصد، إلى نوع من التشبه بهم، وتعظيم لأيام حرمت تعظيمها، خاصة إذا أصبح هذا التوقيت مرتبطًا بشكل دائم بهذه الأنشطة، وأصبح المشاركون والمنسقون لهذه الأنشطة يفرحون بقدوم أيام هذه المخيمات، ويرتبون لاستقبالها، قريب من فرح غير المسلمين بقدوم الأعياد المقدسة عندهم، فتحصل المشابهة لهم بلا شعور. قال ابن تيمية: والتشبه: يعم من فعل الشيء لأجل أنّهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير، فأمّا من فعل الشيء واتفق أنّ الغير فعله أيضا ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة”.[5]
  • عدم وجود دليل شرعي على التخصيص: لا يسعف هذه المخيمات دليل شرعي صريح، حيث تتعارض مع ما عهدنا سلف الأمة ممن عاشوا مع غير المسلمين في بلادهم. لم يكن لهم ممارسات محددة تتعلق بأعياد غير المسلمين، ولم يخصصوا أعمالًا دعوية أو تربوية لمعارضة أعيادهم.

وأشار الشاطبي إلى ذلك بقوله:

“الضرب الثاني – يعني مما سكت عنه الشرع-: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص، أو يترك أمرًا ما من الأمور، وموجبه المُقْتَضِي له قائم، وسببه في زمان الوحي، وفيما بعده: موجود ثابت، إلا أنه لم يُحدَّد فيه أمر زائد على ما كان في ذلك الوقت. فالسكوت في هذا الضرب: كالنص على أن القصد الشرعي فيه أن لا يزاد فيه على ما كان من الحكم العام في أمثاله، ولا ينقص منه؛ لأنه لما كان المعنى الموجِب لشرعيّة الحكم العملي الخاص موجودًا، ثم لم يُشرع، ولا نُبه على استنباطه؛ كان صريحًا في أن الزائد على ما ثبت هناك بدعة زائدة، ومخالفة لقصد الشارع؛ إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حُدِّ هناك، لا الزيادة عليه، ولا النقصان منه.[6]

ولنا أن نتساءل: كيف كان حال السابقين الأوائل قبلنا الذين شاركوا بلد الإقامة مع غير المسلمين في خصوص أعيادهم؟ لم يشاركوا في احتفالاتهم، ولم يعقدوا أنشطة خاصة أثناء مناسباتهم، وإنما أهملوها ولم يحدثوا شيئًا محددًا بخصوصها.

يقول أبو العباس ابن تيمية:

“وكما لا نتشبه بهم في الأعياد،…فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته.[7]

وعليه، ينصح بعدم إجابة دعوة حضور مثل هذا الاجتماع سدىً لذريعة التشبه بغيرنا.

  • منع تقصد مخالفة أعيادهم: مما تقرر عند علماء الشريعة الإسلامية النهي عن تخصيص أعياد غير المسلمين بعبادة خاصة كالصيام مثلا، وذلك للأسباب التالية:

وعلّلوا ذلك بأنهما – أي النيروز والمهرجا – يومان يعظمهما الكفار، فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما، فكراه كيوم السبت… وعلى قياس هذا: كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.[8]

فإذا منع تخصيص أعيادهم بالصيام فمن باب الأولى منع تخصيص نصب الخيم الدعوية التي قد تحتوي على بعض المحاذير الشرعية.

  • الدافع الحقيقي وراء تنظيم المحاضرات واللقاءات في هذه الفترة: المحرك الحقيقي لتنظيم المحاضرات واللقاءات التربوية خلال هذه الفترة هو وجود أعياد القوم غير المسلمين. ولولا وجود هذه الأعياد، لما كانت لهذه الجلسات وجودًا. هذا يؤكد على علة التشبه المنهي عنه في الشرع كما تم توضيحه سابقًا.
  • أثر التشبه في المخالفات العقدية: تعود معظم المخالفات العقدية والأخلاقية الدخيلة على المسلمين إلى التشبه وتقليد غير المسلمين، وخاصة أهل الكتاب، كما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة. وهذا الأمر يستدعي تأملاً عميقًا وإعمال الفكر النقدي والتجرد في البحث العلمي البناء.
  • التجميع السنوي وتأثيره على الاعتبارات الشرعية: مثل هذا التجمع السنوي يُعتبر بالفعل “عيدًا منكرًا ومنهيًا عنه” نظرًا لتكراره في الأيام المعظمة والمقدسة عند أهل الكتاب. هذا التكرار يشكل نوعًا من التشبه بأعيادهم، مما يتعارض مع التعاليم الشرعية كما سبق توضيحه.
  • حسن النية والمقصد مقابل ضوابط الشرع: حسن النية وجميل المقصد لا يبرران دائمًا صلاحية العمل أو تحسينه. وإنما الواجب مراعاة توافق العمل مع مقاصد الشرع وضوابطه قبل الشروع فيه. وقد صدق أبو عبد الرحمن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله لقوم يحومون حول هذا الحمى: “وكم من مريد للخير لن يصيبه!”
  • تحول التنظيم التربوي إلى فرائض دينية مع مرور الزمن: مع مرور الزمان والأجيال يخشى أن يتحول هذا التنظيم التربوي إلى فريضة دينية لدى بعض الناس بسبب توقيت تنظيمه. في تاريخ الأمم، نجد نظائر وأشباه؛ فعلى سبيل المثال، اتخذ قوم نوح عليه السلام أوتادًا لرجال صالحين من قومه الذين ماتوا، مما أدى إلى تحول الأمر عندهم، وقد نص النبي على ذلك بقوله:

“من سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء.[9]

كما أن نصوص الكتاب والسنة النبوية الصحيحة طافحت بالنهي عن هذا المسلك الخطير.

الخاتمة

تنظيم الأنشطة الدعوية والتربوية أمر محمود إذا تم وفق الضوابط الشرعية، لكن تخصيصها في أوقات أعياد غير المسلمين يثير إشكالات شرعية وتنظيمية. الأفضل هو الابتعاد عن تخصيص هذه الأوقات، والحرص على إقامة الأنشطة في أوقات أخرى لضمان عدم الوقوع في التشبه أو تعظيم أيام أعيادهم.