يقرأ المرء في تجواله بين صفحات الكتب وفي بعض بطون التفاسير آراءً لا توافق صريح نص القرآن ولا السنة القولية والفعلية للرسول ﷺ، ونحزن حين نلمس هذا الموقف غير المبرر من النساء اللاتي أكرمتهن هذه الدعوة وكرمتهن، وأوصى بهن الرسول أمته قبل وفاته.
وما سنذكر هنا من أمثلة لا يعني تعميمًا سلبيًّا على تراث علمي ضخم حفظ للأمة الدين، وما زلنا ننهل منه حتى اليوم.
مراجعات
يرى الإمام الرازي على سبيل المثال في تفسيره للآية الكريمة: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” [الروم: 21] أن: “قوله (خلق لكم) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى: “خلق لكم ما في الأرض” [البقرة: 29]، وهذا يقتضي ألا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف فنقول خلق النساء من النعم علينا وخلقهن لنا، وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا، وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى، أما النقل فهذا وغيره، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي، لكن الصبي لم يكلف فكان يناسب ألا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت لتتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد”.
(محمد الرازي فخر الدين، تفسير الفخر الرازي، ط3، بيروت: دارالفكر، 1985، مجلد 13، ص111).
الجنة.. للرجال فقط!
أما الحافظ ابن كثير فيورد آراء المفسرين لقوله تعالى: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم [النساء: 5] بأن “السفهاء هم النساء والأطفال” (الحافظ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، القاهرة: دار الشعب، مجلد 2، د.ت ص 186 – 187).
والطريف أن بعض الكتابات لم تكتفِ بإخراج النساء من دائرة الاستخلاف في الدنيا رغم صريح نص القرآن بأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، بل اجتهدت في إثبات أن الذين يرون ربهم في الجنة هم المؤمنون من رجال بني آدم من الأمة المحمدية دون نسائها(!!)، وقد أفرد السيوطي لذلك رسالة خاصة، أسماها “إسبال الكساء على النساء” (بيروت: دار الكتب العلمية، 1985).
بل إن شيخاً فاضلاً من شيوخ الأزهر قد صنّف مؤخرًا دراسة عن “فضل الرجال على النساء”.. فالأمر ممتد ومستمر وليس في التراث فحسب!.
إن قراءة كتاب الله والتأني في تصفح سنة رسول الله ﷺ القولية والفعلية في الصحيحين تنبئ برؤية مختلفة ومنزلة أعلى من هذا “الاجتهاد”.. ولسنا ممن يدعون لتنقيح التراث، بل فقط الوعي عند قراءته وإدراك السياقات الاجتماعية لأئمتنا وأعلامنا عبر التاريخ، رحمهم الله وغفر لهم.
المشكلة هي أن طلبة العلم الشرعي يمرون على هذه النصوص، وإذا لم يكن هناك وعي بالأصول الشرعية بشأن أهلية المرأة ومنزلتها في الوحي وفي التاريخ الإسلامي فإن هذه الرؤى تقبع في ذهن الطالب حين يصير عالمًا، ثم نجد العلماء الذين حين يناقشون وضع المرأة في السياسة وفي قضايا الأحوال الشخصية يضيقون واسعًا، وينتقون أكثر الآراء الفقهية غلوًّا، وتبرز هذه الرؤى الكامنة إلى السطح أحيانًا في غير موضع وغير نفع.