إن إهمال الأطفال وظلم الأبناء ظاهرة سيئة تكرر حدوثها في بيوت المسلمين، وتحدثت عنها وسائل الإعلام والتواصل. وهي جزء من الظلم الذي حرمه الله، وجعله ظلمات يوم القيامة. قال ﷺ: (الظلم ظلمات يوم القيامة)[1]. والقسوة على الطفل ظلم في حقه، ومنهي عنها في الإسلام. حيث أمر النبي ﷺ أمراً واضحاً بيناً في حديث صحيح برحمة الصغير، وذلك في قوله: (من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا)[2].
فرحمة الصغير واجبة وحق له، ومن لا يرحم الصغار يخالف ما جاء به النبي ﷺ، كما أن فعل ذلك علامة على قسوة القلب.
فما بال أقوام ملتحين وينتظمون في المساجد وتجدهم يقسون أشد القسوة على أطفالهم، وما بال نساء منتقبات ويحفظن القرآن ويهملن أطفالهم.
فلماذا هذه الفوارق والتناقضات؟! وظلم الطفل له تأثيرات سيئة وتبعات خطيرة على تكوين شخصيته عندما يصير فرد من المجتمع المسلم في المستقبل. والطفل كائن حساس وشفاف؛ ولذا ينبغي التعامل معه بلطف وحنان. فالأطفال هم ملائكة الإنس، وقلوبهم بيضاء لم تشوبها حقود الكبار ولا أطماعهم وأضغانهم. ومعاملة الطفل بقسوة تنعكس سلباً عليه، حيث يبدأ هو الآخر بالقسوة على أقرانه وفيما بعد ابناءه وربما والديه وزوجته ومن حوله. وذلك لأن الطفل جُبِل على محاكاة الكبار في تصرفاتهم وسلوكهم.
صور من ظلم الأطفال
ولظلم الأطفال والقسوة عليهم صور وأشكال متعددة. وربما يصعب حصرها في مقال واحد، حيث كثرت الجرائم بشأن الأطفال وتباينت الظروف. ولكن نحاول مناقشة ما ينتشر منها وظهرت بكثرة في الأخبار ومواقع التواصل، وحدثت في الواقع.
الإهمال
الإهمال هو المشكلة الأكثر إنتشاراً في ظلم الأطفال، لاسيما في هذا الزمان. ويحدث هذا حتى في وجود الأبوين. حيث تجد الوالدين كل منهما مشغول بحاسوبه أو هاتفه والشات مع أصدقائه في حين أن طفلهما مهمل في زاوية من البيت. لاسيما مع كثرة البرامج وإنتشار الهواتف الذكية التي ينسى المرء معها أحياناً أطفاله ونفسه وعبادته والدنيا أجمع.
وربما يكون هذا الطفل في حالة مزرية ويبكي أو يصرخ من شدة الجوع أو المرض أو الألم أو يحتاج رعاية أو حاجة مثل النوم أو تغيير الحفاض أو غيره.
وربما كان مريضاً وحرارته مرتفعة وقوته خائرة ولا يستطيع مساعدة نفسه. فيبكي لينادي والديه ولكن لا حياة لمن تنادي ولا يسمعه أحد أو يلقي له بال. وذلك لانغماس الأبوين في مواقع التواصل أو مشاهدة الأفلام أو ألعاب الحاسوب أو غيرها من الملهيات.
وأخص بذلك الأمهات، حيث ترى الواحدة منهم في عالم وطفلها في عالم آخر. ويصاحب ذلك عادة إهمال لشئون الزوج ورعاية البيت والطبخ وغيرها. وازداد الأمر سوء بعد زيادة مشاركة النساء في مواقع التواصل واليوتيوب والتيك توك وغيرها. فكل تلك المواقع تأخذ عادة من وقت المرأة الكثير ولا تبقي لها بال لأطفال أو غيره. فهي دمار معنوي وفعلي للأسرة وتماسكها. ولذا تجد كثير من البيوت قد دمرت وزادت حوادث الطلاق وما نتج عنها من إهمال للأطفال وضياعهم.
سوء المعاملة
كثير من الأطفال يعانون من سوء المعاملة والتي قد تكون من الوالدين أو أحدهما. وأحياناً تكون من زوجة الأب أو زوج الأم أو غيرهم من الأقارب، ومن أمثلتها حرمان الطفل الحنان ونهره ودفعه. وفي كل الأحوال فإن ذلك ظلم في حق الطفل وإجحاف بحقه الذي أمر به الشارع وهو الرحمة. والطفل مخلوق لطيف وبرئ لا يستحق معاملة سيئة وقاسية. وليس من المفهوم كيف يتثنى لعاقل أن يسئ معاملة طفل بريء إن كان شخص سوي؛ لاسيما إن كان الطفل مهذب وسهل المراس. وفي أكثر الأحوال لا تكون تلك القسوة ناتجة من سوء شخصية الطفل نفسه؛ بل تكون عادة لعوامل محيطة مثل غيرة زوجة الأب أو إدمان الأب للمخدرات أو مرض نفسي عند من يسيء معاملته. وربما تأتي هذه المعاملة القاسية من الأخوة والأخوات. ويكون ذلك عادة بدافع الغيرة؛ لاسيما إن فرق الأبوان أو أحدهما في المعاملة بين الأخوة.
الضرب المبرح للأطفال
هذا النوع من ظلم الأطفال منتشر بكثرة بعد الإهمال. فتجد من يضرب الطفل ضرباً مبرحاً حتى يصيبه بالجروح أو الكسور أو يصيبه بتشويه دائم في وجهه أو جسده. ومنهم من يضرب الطفل دون سبب يستحق الضرب، لمجرد الشر والعصبية أو تفريغ الشحنات الشيطانية الزائدة أو اللهو والتلذذ بذله وانكساره. وهذا ظلم في حق الطفل. فحتى إن كان لدي الفاعل سبب وجيه للضرب فلا ينبغي له أن يضرب ضرباً مبرح … وهذا يخالف ما جاء به النبي ﷺ من الأمر بالرفق وبرحمة الصغار والصبر والتسامح. ولا ينكر أحد أن الأبوين يحتاجا لأسلوب عقاب لتربية الطفل. ويمكن ذلك بأساليب مختلفة، مثل حرمان الصغير من ألعابه أو من شيء يحبه.
وكثير من الآباء يستعمل الضرب كوسيلة للتربية، لاسيما مع الأطفال الصغار. وورد في الحديث ضربهم على الصلاة إن لن يستجيبوا للأمر بها في سن العاشرة. حيث قال ﷺ: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر)[3].
وقال: (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم)[4].
وقيل “الضرب وسيلة لاستقامة الولد، لا أنه مرادٌ لذاته، بل يصار إليه حال عنت الولد وعصيانه. والشرع جعل نظام العقوبة في الإسلام وذلك في الإسلام كثير كحد الزاني والسارق والقاذف وغير ذلك، وكلها شرعت لاستقامة حال الناس وكف شرهم”[5].
ومع ذلك لا ينبغي أن يكون الضرب مقصوداً لذاته، أو يكون ضرباً مبرحاً. فلا يضرب أحدكم طفله فلذة كبده يومياً كما تُضرب البغال والحمير. ففيه إذلالٌ له وكسرٌ لنفسه. فلا يضربه إلا لضرورة ولا يكثر من ذلك. فعندما يزيد الضرب عن حده ويكون مبرح يضر بسلوك الطفل، ويجعله يزيد من عناده وربما أدى إلى مشاكل أكبر كانحرافه وتمرده على والديه. ويجب ألا يؤذي صحة الطفل، حيث هناك القاعدة الفقهية التي تقول: “لا ضرر ولا ضرار.
ولا أن يكون دون سبب أو يكون الغرض منه إذلال الطفل وبهدلته. بل يجب أن يكون الغرض منه هو التربية والتأديب. وهو يتناسب أكثر مع الأطفال الأصغر سناً. وعندما يكبر الطفل ويدخل سن المراهقة تقل فعالية الضرب ولا يعد يجدي. ويمكن حينها إستعمال وسائل أخرى للعقاب. مثل حرمان الطفل من شيء يحبه.
الحرمان من الدراسة
التعليم حق للأطفال. فإن كان بمقدور أُسرهم إرسالهم للتعليم فيكون ذلك هو الأولى فعله. فلا يحرم طفل من التعليم دون أقرانه. وطلب العلم فريضة على كل مسلم. فلا يحرم المرء ابنه من تعلم القراءة والكتابة وأصول التعليم، ولا من اللحاق بأقرانه في قطار العلم. فهناك كم من الأطفال حُرِموا من الدراسة من ذويهم؛ إما لفقر أو إهمال أو بخل.
وفي النهاية يعاني الطفل من ذلك الحرمان ويتدمر مستقبله الدراسي والعملي. وإن كانت الأسرة لا تستطيع أن تدفع رسوم التعليم فيمكنها الإستعانة بمساعدات الدولة والجمعيات الخيرية. فترك الأطفال دون تعليم سيخرج للمجتمع أفراد جهال لا يستطيعون حتى التعايش بمستوى جيد مع المجتمع. وربما دخلوا في زمرة المتسولين أو اللصوص أو المرضى النفسيين. كما أنه يضر بدين الطفل حيث لن تتاح الفرصة لتعليمه ما يلزمه من أمور الدين. وسيكون جاهلاً بأحكام الشرع مخالفاً لها. كما أنه سيشارك في إفساد البيئة والمجتمع بما ينشره من جهل وأوساخ ومشاكل وقلة كفاءة؛ فيتضرر منه المجتمع.
التجويع وعدم الإنفاق عليهم
ومن ظلم الأطفال عدم الإنفاق عليهم، أو التقتير عليهم في النفقة. فمن حق الأطفال على والدهم النفقة عليهم بالمعروف وبما يكفي حاجتهم من مطعم ومشرب وملبس. وكذلك يحتاجون علاجهم وتعليمهم. وحرمانهم من هذا الحق يذري من حالهم. حيث الجوع ينهك صحتهم، ومرضهم دون علاج قد يودي بحياتهم أو يؤدي إلى إعاقتهم. والنفقة على الطفل تكون من كافله والذي عادة يكون والده.
وهذا حسب استطاعته وما في وسعه. فلا يُلام فقير على عدم تمكنه من توفير ذلك. حيث لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وحتى إن كان الكافل غير الأب لموت الأب أو لزواج الأم بعد طلاقها من الأب أو نحوه فإن الطفل الصغير لا يزال يحتاج لمن يرعاه ويكفله ويتكفل بطعامه وشرابه وملبسه ومسكنه. ولكن للأسف نجد كثيرا من الأطفال يعانون من التجويع المفتعل دون فقر ولا حاجة والتقصير في النفقة عليهم، ربما لبخل وتقتير من قبل كافليهم. ويقوم بعضهم بتجويع الطفل لتعذيبه وذله، وهذا لا شك منكر.
فألم الجوع شديد ويضر بصحة الطفل وحالته النفسية والجسدية، ويكثر حدوث هذا عند طلاق الأم، فبعض الآباء يهملون أطفالهم ولا ينفقون عليهم بعد طلاق أمهم، ولا يعنى أن طلاق الرجل لزوجته أنه في حل من النفقة على أولاده منها، وفي ترك ذلك إثم عليه إن كان مقتدراً.
التعذيب
ومن الجرائم البشعة التي شهدتها مواقع التواصل حادثة تعذيب طفل من قبل أبوه حتى الموت. وكان الأب بالطبع مدمن مخدرات. ولولا ذلك لما كاد إنسان يصدق أن مثل تلك القسوة يمكن أن توجد في أب.
فمن المخدرات فقط يستطيع أب أن يعذب أبنه حتى الموت. فهي والخمر رأس كل بلاء؛ وبسببها تعذب الأطفال وأُهمِلوا وتشردوا وضاعوا وجاعوا. وليفكر كل والد في أطفاله ومصيرهم قبل أن يبدأ بتناول أو تجربة هذه الأدوية اللعينة التي لم تجر على البشرية إلا كل شر وبلاء. وهي بعد ذلك مكلفة تأكل مال العائلة الذي كان ينبغي أن يُنفق على هؤلاء الصغار وتعليمهم وإطعامهم وكسوتهم. وتنهك صحة الأب فيموت ويترك أطفالهم يتامى. أو يفقد عمله فتفتقر العائلة ولا يجد الأطفال ما يكفيهم من نفقة وطعام. وقد يقع الأب في جرائم أكبر من ذلك من جراء المخدرات فتودي به إلى السجن أو حتى الإعدام. فيُحرم الأطفال من والدهم في سن يكونون فيه في أشد الحاجة لوالدهم وحبه ورعايته.
إنشائهم في بيئة سيئة
كثير من الأطفال نشأوا في بيئة سيئة بسبب آبائهم وأمهاتهم. ومثال ذلك أبناء الراقصات وصاحبات الملاهي الليلة ودور الدعارة. وكذلك من نشأ في بيئة المخدرات وترك له والداه حبل القارب لوحده فيغرق به قبل بلوغ سن الرشد ليصير مدمنا وتتدمر حياته ومستقبله. وهذا تقصير وسوء تصرف من جانب الوالدين الذين كان ينبغي عليها الاهتمام بتنشئة ابنهما في جو صحي وحفظه وابعاده عن بيئة الفجور والشر. وإنشاءهم في بيئة سيئة يعرضهم للضلال والكفر والضياع. فيتعلموا فعل المنكرات كشرب الخمر والزنا والسرقة والقتل وغيرها من الكبائر.
عدم تعليمهم أمور الدين
ومن حق الأبناء على والدهم تعليمهم الدين والصلاة. وهو جزء من القوامة التي أعطاها الإسلام للرجل. فحرمانهم من ذلك سيجعلهم ينشؤوا دون أن يفقهوا دينهم ويكونوا عرضة للانحلال والضياع. وإنشائهم دون تعليم ديني سيجعل منهم جهال أصحاب بدعة أو كفر وردة أو معاصي وفجور.
الطرد من البيت
من ظلم الأطفال طردهم من البيت. فالسكن جزء من النفقة الواجبة على الأب. وطردهم من البيت يعرضهم لضرر نفسي ومعنوي ومادي. كما يجعلهم عرضة لتعلم المخدرات والفواحش والسرقة وغيرها. وينهك صحتهم ويعرضهم للأمراض. فيصبحوا أطفال شوارع ويلحقهم ما يلحق أصحاب هذا اللقب من الانحلال والضياع الأخلاقي والمادي والاجتماعي.
جبرهم على العمل لجلب المال
أحياناً يجلس الآباء الطفل من التعليم ويرسلوه للعمل بأعمال خارج البيت كالبيع في الشوارع أو العمل في الورش والمصانع ونحوها، وهذا إن كان في مقدور الأسرة الإنفاق على تعليمه فالأولى به أن يكمل، لما يصيبه من ضرر من العمل في سن صغيرة، حيث ينشأ جاهلاً ولا يستطيع التصرف في حياته عن علم وأدب. كما أن توقيفه عن التعليم يضر بمستقبله العلمي والعملي؛ فيفشل في الحصول على عمل يناسبه في المستقبل ليستطيع كفالة نفسه وأسرته عندها. وكم أطفال في الشوارع كانوا أذكياء في المدارس وتم إقعادهم من التعليم. وكذلك عمل الشوارع يتطلب مجهود طويل وشاق ولا يرد عليهم إلا بالقليل من المال. فيهدر جهدهم وطاقتهم الجياشة فيما لا ينفع.
التسول بهم أو عن طريقهم
أحيانا تجد من تأخذ طفلها في الشارع للتسول به، وهذه حتى وإن كانت محتاجة فليس بكريم لها التسول في الشوارع وحمل ذلك الطفل تحت أشعة الشمس للمشاركة في ذلك. وربما أيسر لها وأحفظ لماء وجهها إن وجدت عمل ولو بسيط لتقتات منه. وحتى وإن اضطرت أن تعمل في البيوت كخادمة أفضل لها من التسول في الشوارع مع الرضيع.
وفي ظروف أخرى عندما يكون الأطفال أكبر سنا تجد بعض الأهالي يرسلونهم إلى التسول في الشوارع، وهذا ظلم لهم. فالطفل لم يُخلق للتسول والتعرض لأذى الناس. والأولى بأهله أن يبقوه في البيت والمدرسة ليركز على تحصيله الدراسي.
هذا غير أن التسول صفة ذميمة وتجلب له الذل وسوء معاملة الناس. ويمكن تحصيل الرزق بطرق أفضل منها وأكثر احتراماً وحفظاً للإنسان منه. فدروب العمل كثيرة … مثل أن يزرع الإنسان شجرة ويبيع ثمارها أو يربي الغنم أو يصيد السمك أو نحوه. فهذه مهن بسيطة في مقدور كل الناس متعلمهم وجاهلهم ولا تتطلب شهادات أو خبرة إن لم تكن به إعاقة تمنعه من ذلك.
الاعتداء الجنسي عليهم
ومن أشد أنواع الظلم الذي يتعرض له الأطفال أحياناً هو تعرضهم للإعتداء الجنسي، سواء من الأقارب كالأب أو الأخ أو العم أو الخال أو من الأغراب كالجيران أو الأصدقاء أو غيرهم، وهذا كلام غريب ومُستبعد للوهلة الأولى، ولكن للأسف أثبتت الأخبار ومواقع التواصل وقوع مثل هذه الحوادث الفظيعة والتي لا رحمة فيها بهؤلاء الأطفال ولا أدنى مراعاة لحقوقهم وحمايتهم. وذلك يكون عادة من إدمان المخدرات. وأحياناً قليلة لا يكون حتى هذا أو غيره من التبريرات. وهذا أكبر ظلم في حقهم ويضر بهم نفسياً وجسدياً. كما أنه قد يفسدهم ويفسد أخلاقهم. أو يصيبهم بحالة من الاكتئاب الدائم ويدمر حياتهم ومستقبلهم.
ظلم الأطفال من قبل الأقارب
لقد رصدت أخبار المجتمع ومواقع التواصل جرائم كثيرة في حق الأطفال. ومن المؤسف أن يكون أكثرها من قبل الأقارب المقربين كالأب والأم والعم والخال وغيرهم. وهناك نوعين كثيرا من يأتي ذكرهم في هذا الباب، ألا وهما الظلم من قبل زوجة الأب وزوج الأم.
ظلم الأب للأبناء
وهذا النوع هو الأكثر إنتشاراً نسبياً، حيث حدثت حوادث كثيرة من نوعه في الأخبار ومواقع التواصل. وأكثرها هو ضرب الأب لأبنائه ضرباً مبرح دون سبب وجيه، وإهمالهم وعدم السؤال عنهم أو رعايتهم، وعدم النفقة عليهم أو البخل الشديد تجاههم دون عذر، والتفريق بينهم في المعاملة وتفضيل بعضهم على بعض.
ومنها أيضاً ظلم الأب لأمهم وبهدلتها أمامهم، مما يؤثر عليهم سلباً نفسياً وسلوكياً. وكذلك شربه للخمر مما يفقده صوابه فيجعله يرتكب أفعالا منكرة أو فاضحة أمامهم. وإدمان المخدرات التي تجعله يفقد عمله ومصدر الرزق الذي تعتمد عليه الأسرة في النفقة والمعيشة. وكذلك تركهم دون علاج عند مرضهم، وتعريضهم للمخاطر كإرسالهم لأماكن غير آمنة عليهم، لاسيما البنات. أو جبرهم على العمل في سن مبكرة وإخراجهم من المدرسة لذلك دون حاجة.
ظلم الأم للأبناء
وأما ظلم الأم للأبناء فهو أقل شيوعاً نسبياً، حيث الأم مهما عملت يظل قلبها معلقاً بأولادها ولا تحمل لهم إلا كل الحب والرحمة والعطف. وحتى إن قست عليهم فهي غالباً تريد إصلاحهم من تلك القسوة. وظلمها غالباً يكون من باب الإهمال والتقصير في رعايتهم، وأحياناً تجويعهم بقصد أو دون قصد. وهذا منتشر في مجتمعاتنا، حيث تجد الأم تهتم بنفسها وعملها وخروجها مع صديقاتها ومكانتها العليمة والإجتماعية … ومتجاهلة أبنائها ومهملتهم أو تاركتهم لخادمة لا تدري كيف تعاملهم.
وأحياناً يكون بالضرب المبرح أو التعنيف الجسدي ولكنه نادر. وحوادث ظلم الأمهات أقل إنتشاراً من حوادث ظلم الآباء للأطفال. ولا يعني هذا أن الأم وحدها من تحب الأبناء، بل الأب أيضاً يحبهم. ولكن قسوته أكثر إنتشاراً من قسوة الأم. وهذا لأن الإناث أكثر ليونة وحزماً من الرجال، والأم بطبيعتها التي جبلها الله عليها أكثر حناناً ورحمة لأبنائها من الأب. ولذا قال الله تعالى عنها: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15]. ومع ذلك رصدت الأخبار حدوث حالات نادرة تشير إلى قسوة كبيرة يمكن أن تصل إليها الأم. مثل حادث الأم التي قتلت أطفالها الثلاث بإغراقهم قسراً في طشت الغسيل. وقد هزت تلك الحادثة أوساط التواصل الاجتماعي لبشاعتها.
ارتباط أذى الأم لأبنائها بوجود عشيق
والملاحظ في معظم الحالات التي تظهر بها الأم بتلك الوحشية هو وجود عشيق أو رجل غير الأب ترغب الأم في الارتباط به ونحوه مما يجعلها تقسو كثيراً على أبنائها أو حتى تقتلهم. والمتأمل لمثل تلك الحوادث البشعة يستنتج لم حرم الإسلام الخلوة والعشق الحرام والعلاقات المحرمة مع الرجال، حيث ثبت أنها يمكن أن تقلب كل الموازين والقيم الدينية والإنسانية رأساً على عقب عند الناس، لاسيما النساء؛ لما فيه من فتنة كبيرة.
وقد لوحظ تبدل الحال لأمهات كن في غاية الرحمة والإلتزام قبل ارتباطهن بعشيق. فمنها من قتلت زوجها أو أحرقته بالبنزين والنار. ومنها من أغرقت أطفالها أو ذبحتهم أو ضربتهم حتى الموت. ومنها من هربت مع عشيقها متخلية عن فلذات أكبادها الذين لم يعودوا كذلك. فيا للخسارة والهول مما ذكرنا. وهذه قصص ليست من نسج الخيال بل حدثت في بلاد مسلمة وتم نشرها في مواقع التواصل من أقسام البوليس مع تبيين أدلة واعترافات. ولولا ذلك لم يستطيع المرء تصديق حدوثها.
ظلم زوجة الأب للأطفال
كثيرا ما يعيش الأطفال مع زوجة أبيهم بعد وفاة أمهم أو طلاقها من والدهم. وهؤلاء الأطفال عادة يعيشون جحيماً من العذاب مما يرونه من زوجة الأب. وذلك لأنها كثيرا ما تكون بها غيرة من أبناء زوجها وأمهم، فتكرههم أو تعاملهم بقسوة، وتفرق في المعاملة بينهم وبين أولادها. وربما تجبرهم على خدمتها هي وأطفالها وتعاملهم كأنهم خدم لها. أو تحرمهم من الطعام واللبس والألعاب. وكثيرا ما يتبعها معها الأب في ذلك الظلم. إما لأنه لا يعلم به حيث تخفيه منه، أو تمكر وتمَّوِّه عنه الحقائق أو تغيرها وتكسوها بثوب الكذب لتبدو غير ما هي عليه، أو لأن الأب ببساطة قاسي ولا يهتم بأبنائه.
وينتج عن ذلك عذاب كبير لهؤلاء الأطفال رغم ضعفهم وصغر سنهم. وهذا بالإضافة إلى حرمانهم من وجود أمهم الذي يحتاجه كل طفل. وذلك ربما لزواج الأم برجل آخر أو طلاقها من أبيهم أو موتها. ولا شك أن موتها مؤلم جداً مما يزيد من آلام هؤلاء الأطفال فيدخلوا في زمرة الأيتام.
فيا لمعاناتهم وهم في طفولتهم التي كان ينبغي أن تكون مليئة باللعب والمرح والسعادة كما يحدث مع بقية الأطفال. إن قصتهم من القصص المأساوية التي تتكرر في الحياة وقل من يحكي عنها أو يعمل على مساعدتهم أحد. وهذا النوع من الظلم مع انتشاره لا يعني أن كل زوجات الآباء قساة ولم يعاملوا أبناء أزواجهم برحمة واعتنوا بهم. فهناك من اعتنت بأولاد زوجها بكل إخلاص وعاملتهم معاملة أبنائها. وهؤلاء يستحقون التكريم والشكر. فالمرأة التي تعتني بطفل غيرها لابد وأن لها قلب رحيم طيب. فالكل يعلم كم هو شاقٌ العناية بالطفل وما تتطلبه من وقت وصبر ومجهود جبار ذهني وبدني. وما يلطِّفها للمرأة ويصبرِّها عليه كونه طفلها. وأما إن لم يكن كذلك فذلك يزيد المهمة صعوبة ويجعلها مملة ومتعبة جداً لها.
ظلم زوج الأم للأبناء
وأحياناً تتزوج الأم بعد موت زوجها أو طلاقها، وعندها يضطر الأبناء إلى العيش مع زوج أمهم؛ وهو شخص لا يستطيع أن يحل محل أباهم إلا ما ندر، فغالباً هو يقبلهم على مضض، ولا يكنُّ لهم مشاعر الأبوة بالطبيعة، حيث هم ليسوا من لحمه ودمه، ولا ينسى أنهم أبناء رجل اخر كان زوج لزوجته في يوم ما. وهذا قد يثير غيرته واشمئزازه منهم إلا من رحم ربي، فينتج من ذلك الإهمال والنفور والقسوة. والرجل بطبعه يصرف على أبنائه من صلبه بسخاء وعن طيب خاطر، وأما أبناء زوجته فعليه أن يعود نفسه عليه وليست سجيَّة فيه كما هو الحال مع أبنائه. ولذلك عادة ما تجده شحيحا معهم أو قاسيا.
وفي أحيان أخرى يؤذيهم أذى معنويا بالتفريق في المعاملة بينهم وبين أبنائه، أو بإهانة أمهم وذلها مما ينعكس سلباً عليهم، فانكسار أمهم يكسرهم ويفزعهم ويضيع الأمان من قلوبهم، ونعيد القول بأن هذا ليس بقاعدة، ولله الحمد، فإن أكثر أزواج الأمهات في مجتمعاتنا طيبين مع أولاد زوجاتهم، ولكن ذكرنا ظلم زوج الأم هنا لوقوع حوادث ليست بقليلة في هذا الشأن.
ظلم الأقارب كالعم والخال للأطفال
ظلم العم أو الخال للأطفال يحدث عادة عندما يكونوا أيتام، وأما في حياة والديهم فهم معهما عادة ولا مجال كبير لانفرادهم مع أعمامهم وأخوالهم مع وجود عِزّ والديهم، ورحمتهما ورعايتهما لا تترك مجال عندها للحاجة لرعاية العم والخال. وظلم هؤلاء الأيتام من أقاربهم يكون غالباً بأكل أموالهم التي حذر الله من أكلها وتوعد من يفعل ذلك بالنار. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]. وأحياناً يكون بمجرد القسوة وسوء المعاملة، وأحياناً نادرة يكون بالتحرش الجنسي، ومثاله حادثة الفتاة التي اغتصبها عمها والتي عُرِضت في مواقع التواصل. وهذه حادثة مروعة، حيث ينتهك عم عرض بنت أخيه التي هي من عرضه وشرفه، فيا للخذلان والبشاعة.
ظلم اليتيم وقهره وأكل ماله
وهناك فرقة من الأطفال أكثر حاجة للرعاية والحماية، ألا وهي الأيتام. حيث فقد هؤلاء والديهم أو أحدهما وصاروا في عذاب يتجرعون مرارة الحرمان واليتم. وهم لا يزالون من أطفال المسلمين وجزء لا يتجزأ من المجتمع. ولقد اهتم الإسلام كثيرا بالأيتام، ونهى عن قهرهم وظلمهم وأكل مالهم. هذا غير أن النبي ﷺ كان يتيماً. فرفع الله شأنه وجعله سيد ولد آدم وأحب خلقه إليه. قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: 6]. وهذا شرف لجميع الأيتام وفيه تسلية لهم وتصبير؛ فخير الأمة كان يتيماً مثلهم، وللأسف رغم نزول كل هذه النصوص بشأن الأيتام واهتمام الإسلام بهم نجد وقوع ظلم الأيتام كثيراً من أقاربهم أو الأغراب. وقد حرص الإسلام على حفظ حقوقهم وإكرامهم في نصوص عدة، منها:
تحريم أكل مال اليتيم
لقد حرم الإسلام أكل مال اليتيم وحفظه حتى يكبر ويشتد عوده، حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]. وليس ذلك فحسب، بل جعل أكل مال اليتيم كبيرة من كبائر الذنوب؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]. وهي جريمة تكررت بين المسلمين، وفيها أيَّما ظلم يقع على اليتامى. حيث هم في أشد الحاجة لأموالهم، فلا أب يصرف عليهم ولا كفيل، ولذا سرقة أموالهم أشد جرماً من سرقة أي مال.
النهي عن قهر اليتيم
ونهى الله تعالى عن قهر اليتيم في قوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: 9]. فالقهر مؤلم للنفس البشرية؛ وفيه إذلال لها وتحقير من شأنها، وممارسة القهر على اليتيم يجعل نفسه مكسورة ويشعره بأنه أقل من بقية الأطفال، ويترك هذا أثرا سلبيا عليه في المستقبل. وقهره لا يصدر من إنسان طيب، فالطيب سيعامل اليتيم برفق ويتذكر أنه فقد والديه أو أحدهما فيتلطف به ويحنو عليه.
ذم عدم إكرام اليتيم
وذم القرآن عدم إكرام اليتيم في قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17]. فيدل ذلك على الترغيب في إكرام اليتيم، وهذا أقل ما يمكن للناس فعله له، حيث هو طفل مكسور الجناح ويحتاج التعويض لفقد والديه أو أحدهما، ويكون ذلك بإكرامه ورحمته والتلطف به والتخفيف عنه بجبر خاطره بالهدايا والبسط في النفقة والحنان والرحمة.
حث الإسلام على إطعام اليتيم
وحث الإسلام على إطعام اليتيم، وجعل اليتيم من مستحقي الصدقة. قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، وكم تفرحه تلك الوجبة البسيطة التي يمكن أن تقدمها له، وترسم البسمة على شفتيه. وجعل القرآن إطعامه من أسباب اقتحام العقبة للنجاة، فقال تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 11-16].
مرافقة كافل اليتيم للنبي
لقد وعد النبي ﷺ كافل اليتيم بمرافقته في الجنة، حيث قال: (وَأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا) . وهذه بشارة كبير لكافل اليتيم وفضل عظيم ويشجع كل إنسان على كفالة الأيتام.
تحريم دع اليتيم
وجعل الإسلام من احدى صفات من يكذب بالدين أنه يدفع اليتيم بقسوة ودون رحمة، في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1-2] قال السعدي رحمه الله: “دفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه، ولأنه لا يرجو ثوابًا، ولا يخشى عقابًا”.
العناية بمصلحة اليتيم
وعنى الإسلام بمصلحة اليتيم في قصة الخضر مع سيدنا موسى عليه السلام. حيث قام ببناء الجدار ليحمي لليتيمين كنزهما. قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].
دور السلطة والمجتمع في حماية الأيتام والأطفال.
يستحسن حث الدولة الآباء والأمهات على حسن معاملة أطفالهم. فكثيرا ما يهمل المجتمع المسلم تفقد هؤلاء الأطفال فيعيشون في ظلام دامس. بينما في بلاد الكفر تجد الدولة تتفقد أحوال الأطفال وتهدد ذويهم بسحب الكفالة منهم وإعطاء الأطفال لأسر أخرى بدلهم. ولا نقول أن هذا حل أمثل، ولكن لاشك أن تفقد أحوال الأطفال وتحذير الأهل من سوء معاملتهم فيه شيء من الايجابية واللطف بهم. حيث يتنبه الأهل ويحرصون على إحسان معاملتهم. ولا ينبغي أن يكون الكفار أرحم من المسلمين بأطفالهم، رغم أن الإسلام هو دين الرحمة الذي أمر برحمة الصغير وحفظ حق اليتيم.
ويستحسن مشاركة الدولة في رعاية الأيتام، وذلك بتفقد السلطات أحوال الأطفال والتأكيد على حسن معاملتهم. فأمرهم كبير ويحتاج تنظيم وإنشاء دور وجمع أموال لذلك. وينبغي على الدولة اعطاء اهتمام للأيتام وتنظيم دور كفالة الأيتام وتقديم الرعاية الصحية والنفسية لهم. كما يستحسن تخصيص مبالغ من أموال الزكاة لرعاية الأيتام وتعليمهم وكسوتهم. ويمكن التنظيم مع الجمعيات الخيرية أيضاً لجمع الكفالات والتبرعات لصالح الأيتام وإعادة توزيعها عليهم. كما ينبغي إنشاء دور للأيتام برعاية الدولة وتعيين ذو كفاءات لتعليم الأيتام ورعايتهم. وهذا كله للتخفيف عن اليتيم ما يعاني من الفقد والحرمان. وهذا ربما يسليهم بعض الشيء ولكن في النهاية لا يعوض عن الأم أو الأب شيء. ولا يزال اليتيم في شدة وحزن على مصابه.
ظلم الأطفال من منظور مقاصد القرآن الكريم
- القسوة على الأطفال تخالف تعاليم الإسلام الذي أمر برحمتهم. وهذا يتنافى مع مقصد الآداب الإسلامية.
- ظلم الأطفال يعتبر جزء من الظلم الذي حرمه على الناس. وجاء في الحديث القدسي: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا) . وهذا يتنافى مع مقصد الآداب الإسلامية. وظلمهم حرام كما أنه يزري بحالهم ويتنافى مع مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية ومقصد تشريع الأحكام.
- عدم النفقة عليهم يخالف تعاليم الشرع، حيث النفقة عليهم واجبة على والدهم. وهذا يتنافى مع مقصد تشريع الأحكام.
- الاعتداء الجنسي عليهم حرام وينافي مقصد تشريع الأحكام. كما أنه ينافي المقصد الكلي للشريعة بحفظ النفس والنسل.
- حرمانهم من التعليم ينافي مقصد التعليم.
نهج الإسلام في تربية الأبناء
- رعايتهم وتأديبهم. قال ﷺ: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال: – وحسبت أن قد قال – والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) .
- النفقة عليهم. قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].
- الرحمة بهم. قال ﷺ: (من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا فليس منا) .
- العدل بينهم. قال ﷺ: (اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم، كما تحبون أن يبروكم) .
- التفريق في المضاجع. قال ﷺ: (مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
- الإحسان إلى البنات. قال ﷺ: (ما من مسلم تدركه بنتان، فيحسن صحبتهما، إلا أدخلتاه الجنة) .
- تعليمهم: قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. وقال ﷺ: (يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف) .
- أمرهم بالصلاة، قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].
التوصيات المقترحة
- الرحمة والرفق بالأطفال والإحسان في تربيتهم ومعاملتهم.
- النفقة عليهم وتوفير مسكن لهم. وتوفير العلاج والرعاية الصحية لهم.
- حمايتهم من التحرش والاعتداء الجنسي.
- توفير التعليم الديني والدنيوي لهم.
- إنشاء الجمعيات الخيرية التي تجمع أموال الزكاة والصدقات وتوزعها بأمانة على اليتامى والفقراء.
- إنشاء الدولة لدور الأيتام، وتزويدها بوسائل التربية والتعليم الحديثة.
- فرض الدولة لأحكام بمنع تعذيب الأطفال والقسوة المفرطة عليهم. ووضع رقابة على المدارس والأسر في ذلك. ولا بأس من الضرب الغير مبرح للتربية عند الحاجة. ولكن الضرب المبرح والمتكرر يومياً لابد للسلطة التدخل فيه ووقفه. وإرشاد الآباء والأمهات لأساليب التربية الحديثة والفعالة والتقليل من الضرب وعدم استخدامه إلا لضرورة كتعويدهم على الصلاة إن لم يجدي الأمر بها.
خاتمة
وفي الخاتمة أوصيكم ونفسي بالصبر والتصبر مع الأطفال. فهم أمانة عندنا من الله تعالى. وهي حِملٌ ثقيل، يحتاج مجهود جبَّار وصبر كبير ومال كثير. ولكن في النهاية لا نراهم إلا فرحتنا في هذه الدنيا، ومعهم تكبر أحلامنا وسعادتنا. فلنحسن معاملتهم ونكرمهم ونعلمهم ونخرجهم افراداً صالحين يخدمون المجتمع، ونكسب دعاءهم بعد موتنا. ويكونون هم هديتنا لأمة الإسلام يحملون شرع الله ويكونون هداة مهتدين.
وأما الأيتام فهم سبيلنا لمرافقة نبينا ﷺ في جنات النعيم. وهم جرح في قلب الأمة؛ فلنضمده ونعتني به ليبرأ ويصيروا كبقية الأطفال، لا ينقصهم شيء ولا يفتقدون حنان. بل نخرجهم للمجتمع أفراداً أسوياء متعلمين مهذبين على دين وأخلاق النبي ﷺ. ونكسب بذلك الأجر العظيم من الله تعالى. وهو لا يضيع أجر من أحسن عملاً. فهو من قال: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ) . صدق الله العظيم.
تم بحمد الله، هذا فإن أصبت فبفضل الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان. ونسأل الله تعالى أن يحفظ الأطفال والأيتام ويسخر لهم من يكفلهم ويحسن إليهم ويكرمهم وله الجنة بإذن الله. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.