ابن القطعة هو إسماعيل بن نصر بن عبد المحسن السلاحي. ولا يُعرف عنه شيء سوى أنه مؤلف مخطوط عثر عليه رياض مصطفى العبدالله بدار الكتب الظاهرية الأهلية بدمشق، فضبطه وحققه، ثم أصدرته دار الجيل ببيروت في طبعة أولى سنة 1413هـ-1992 م.

الكتاب يحمل عنوان ( ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار)، واعتبر المحقق أن إصداره يندرج ضمن جهد المؤرخين لتوفير محطات ارتياح نفسية وفكرية، عن طريق ذكر النساء وأخبارهن و طرائفهن ، متوسلا بذلك إلى انتزاع بسمة من ثغر القارئ وهو يطالع قصص الكيد والدهاء، والمواعظ التي ترى في النساء بلاء وشرا مستطيرا. وتزعم أن الزهد فيهن هو عين الصواب، وأن راحة المرء في اعتزالهن والفرار منهن إلى رؤوس الجبال !

يتوجه المؤلف في مقدمة الكتاب إلى شخص لا ندري من هو، سأله أن ينظم له أبياتا في وصف عيوب النساء “الغالبات لكل غالب”. فبادر المؤلف إلى نظم قصيدة من أربعة وثمانين بيتا، يعرض فيها لقصص الأنبياء والصالحين، ومرويات من التاريخ تتفق كلها على إلباس المرأة لباس الشر والنقمة، وتحميلها وزر كل بلاء أو فتنة. واتبع في ذلك مزجا غريبا بين الأحاديث النبوية وأقوال جالينوس وحكماء الهند، بل حتى الأقوال السائرة التي لا يُعرف قائلها.

 يشعر متصفح الكتاب أن النزعة الذكورية مهيمنة على الكتاب بشكل قاس، كأن الغرض من تأليفه هو شن حملة للقضاء على جنس حواء، وتخليص الرجال “الأخيار” من شرورهن ومكائدهن. فلم يبق صحابي أو حكيم أو رجل صالح إلا وألقى المؤلف على لسانه موعظة أو وصية أو حكمة تبطل مفعول الأنثى في حياته، وتجعل السلامة في الابتعاد عنهن، والتماس الموت أو الطلاق حبالا للنجاة من كيدهن !

أشار المحقق في تقديمه للكتاب إلى أن النقول والروايات التي جمعها ابن القطعة قد عرضها ” بذكاء رائع وعرض بارع”، غير أن متابعة القراءة تكشف تخبطا وانزياحا عن الهدف الذي قرره المؤلف، حيث يعرض لأخبار وأقوال منافية للسياق الذي ارتضاه لمصنفه. بل إن بعضها لا يؤكد شر المرأة بقدر ما يفضح حمق الرجل وخفة عقله.

ومن الأمثلة التي أوردها في هذا الشأن، خبر زرقاء اليمامة التي اشتهرت بحدة بصرها، وسارت مضرب المثل في قولهم : أبصرُ مِن زرقاء اليمامة، وأحكمُ مِن زرقاء اليمامة. إن هذه المرأة، كما ورد في مجمع الأمثال للميداني، كانت تبصر الشعرة البيضاء في اللبن، وتنظر الراكب على مسافة ثلاثة أيام، وتنظر قومها إذا أوشك جيش أن يغزوهم فيستعدوا لملاقاته.

وحدث مرة أن احتال بعض الغزاة عليها، فقطعوا الأشجار وأمسكوها بأيديهم أمامهم. ونظرت الزرقاء فقالت: إني أرى شجرا يقبل عليكم، فكذبوها وقالوا: خرفت وذهب عقلك ! وعند الصبح داهمهم الغزاة وقتلوا زرقاء اليمامة وشقوا عينيها.

فهل يكون مصير زرقاء اليمامة أن يُدرجها ابن القطعة ضمن قائمة النساء الأشرار؟

وهل من الإنصاف أن نلوي أعناق النصوص و الأحداث لتصبح الضحية مسؤولة عما اقترفه جلادها ؟

 لقد جاء وصف الكيد في سورة يوسف منسوبا للنساء، كما جاء أيضا على لسان يعقوب عليه السلام منسوبا لإخوة يوسف ( الذكور): ” {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا، إن الشيطان للإنسان عدو مبين} [يوسف-الآية5] -.

 أما الابتلاء و العنت الذي لقيه الأنبياء عليهم السلام من بعض النساء، فقد لقوا أشد منه من الرجال، سواء كانوا آباء ،أو إخوانا ، أو أبناء،أو عشيرة. وأما توظيف الأحاديث الشريفة لتعزيز طرح المؤلف، وإضفاء شرعية على موقفه السلبي إزاء المرأة، فيعكس استمرار النظرة الجاهلية للمرأة تحت غطاء ديني، يعزز كفة الرجل، ويجعله حملا وديعا أوقعه سوء الحظ بين براثن ذئبة خبيثة !

إن العدل الإنساني رهين برجحان كفتيه على مستوى الحقوق والواجبات، وإرساء العلاقات الإنسانية على أسس التعاون والبر والرحمة. وبغض النظر عن الأسانيد الواهية التي اعتمدها المؤلف في جل مروياته، فقد تمنيت لو كانت غايته هي تصحيح المسار، و التنبيه لهذا الجور الذي يخالف التشريع القرآني والمنهج النبوي، بدل أن تكون تسلية لمُترف جفاه النوم !