أثارت تصريحات الروائي والقصاص يوسف زيدان موجة من الانتقادات الواسعة؛ لتجريحه وطعنه في شخصية الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، والذي اعتبره من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني.

وقد جرده من منقبة فتح القدس، وأنه لم يقصد لذلك، وإنما جاء عرضًا عندما أُسرت أخته من قِبَل الفرنجة وخوفه من العار الذي سيلحقه مما قد يصيبها من الاغتصاب على يد آسريها.

وأنه لم يكن فتحًا، بل تسليم من قِبل الفرنجة للقدس.

واتهامه بحرق مكتبة القصر الكبير المملوكة للدولة الفاطمية التي أزالها.

وأنه قصد إلى عزل رجال ونساء البيت الفاطمي عن بعضهم بغية انقراض نسلهم.

وقد تجردت للرد على تلك الافتراءات أقلام كثيرة، بينت تهافتها، ومخالفتها للحقائق التاريخية.

ولكن لم يقف أحد على افتراءات أخرى هي جسيمة جسامة طعنه في الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي.

وقد رأيت أن أتناولها، وأحاول الرد عليها.

الفرية الأولى : القصص الجهادية تولد العنف عند الأطفال

زعم أن القصص الجهادية التي يدرسها الطلاب في المناهج التعليمية بالمدارس تولد العنف عند الأطفال.

وما علمناه أن دراسة البطولات تربي النشء على الاعتزاز بأمجادهم وماضيهم المشرّف، وإبراز النماذج التي تصلح أن تكون قدوة لهم.

وكل شعوب العالم تعتز ببطولات قادتها، وما أبلوه في الحروب والمعارك.

وما هذه الدعوى إلا للانسلاخ من الماضي المشرف للأجداد، ودعوة للركون والخمول، واستسلام للأعداء المتربصين بالأوطان الذين لا يريدون بث روح البطولة في الشعوب.

وهل هذه القصص ستكون بنفس تأثير الأفلام الأجنبية التي تمتلأ بمشاهد العنف والقتل والدماء التي يشاهدها الأطفال بصفة مستمرة في الأفلام التي تبث على مدار الساعة؟

الفرية الثانية : الدين جزء من الأنشطة الاجتماعية

في معرض حديثه عن تجديد الخطاب الديني، والذي رأى أنه ليس منوطًا بالمشايخ؛ لأنه يحتاج إلى العقلانية والمنطق.

وأن التجديد مرهون بأشخاص محددين في كل مجتمع، وهؤلاء المنوط بهم التجديد هم صفوة المجتمع من: المثقفين وكبار الفنانين وكبار الأطباء.

وضرب مثالين في الأطباء الذي يقدرون على تجديد الخطاب الديني:

أحدهما: الدكتور محمد غنيم مؤسس مركز الكلى.

والثاني: الدكتور مجدي يعقوب صاحب مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب.

ومن المعلوم بداهة أن تجديد الخطاب في أي دين لا يأتي من دين آخر؛ فالدكتور مجدي يعقوب مسيحي، فهل يتجدد خطاب الإسلام بالمسيحيين؟

نعم، قد يشارك المسيحيون في بناء حضارة الإسلام، لكنهم أبدًا لن يجددوا دين الإسلام، أو يطوروا خطابه.

وهو يرى أن الدين جزء من الأنشطة الاجتماعية وهذا مذهب بعض علماء الاجتماع الذين يرون أن الدين ظاهرة اجتماعية في المقام الأول؛ إذ إن “المجتمع من وجهة نظرهم عندما يتعرض لبعض الأزمات فإنه يحاول جاهدًا الخروج منها، ويبتكر لذلك الكثير من الحلول، وعندما تنجح طريقة معينة للخروج من الأزمة فإن المجتمع يقدس هذه الطريقة، وتقدسها الأجيال المتعاقبة بعد ذلك”([1]).

والدين موجِّه للنشاط الاجتماعي، والقول بأنه نشاط اجتماعي تحجيم لدور الدين، وإيعاز للقول ببشريته وليس بسماويته.

الفرية الثالثة : الحنابلة مجسمة

التجسيم مذهب منبوذ مذموم عند عموم علماء المسلمين.

والتجسيم أو التشبيه هو تصوير الله -تعالى- على هيئة خلقه من حيث الأعضاء والجوارح.

وكان التجسيم والتشبيه يستخدم للطعن والنبز على أهل الحديث من قِبل المعتزلة.

وهناك فارق كبير بين الإثبات والتجسيم؛ إذ إن إثبات ما أثبته الله -تعالى- لنفسه من الصفات لا يعني التجسيم وتشبيهه بخلقه، وإلا وقعنا في نفي الصفات عنه والتعطيل.

وقد وقع بعض عوام طلبة العلم في التجسيم، وهم ليسوا حجة على أئمتهم ولا مشايخهم.

قال ابن تيمية: “ما من إمام إلا وقد انتسب اليه أقوام هو منهم بريء، قد انتسب إلى مالك أناس مالك بريء منهم، وانتسب إلى الشافعي أناس هو بريء منهم، وانتسب إلى أبي حنيفة أناس هو بريء منهم، ونبينا قد انتسب إليه من القرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف الملحدة والمنافقين من هو بريء منهم”([2]).

وعندما ذكر البعض أن الإمام أحمد انتسب إليه ناس من الحشوية والمشبهة رد ابن تيمية على ذلك بقوله: “المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، هؤلاء أصناف الأكراد كلهم شافعية وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم”([3]).

والتعميم لا يصح؛ فوصف الحنابلة بالتجسيم اتهام باطل، وإذا اتهمنا الحنابلة بالتجسيم فهل ابن الجوزي وابن عقيل وأبو الحسن التميمي وغيرهم من الكبار مجسمة؟

الفرية الرابعة: الأزمات الاقتصادية تولد التطرف الديني

يحاول الكثيرون ربط التطرف الديني بالفقر والأزمات الاقتصادية، وهذا أمر باطل؛ فالتطرف الديني كما يوجد بين الفقراء يوجد بين الأغنياء، ولكل حظه من التطرف.

والتطرف الديني له ارتباط بالظلم والقهر والحرمان.

وقد يكون التطرف الديني ردّ فعل على التطرف في فرض العلمانية من قِبل الأنظمة، ومحاولتها طمس الهوية الإسلامية.

الفرية الخامسة: القرآنيون مسلمون

يزعم أن أبا الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) لم يخرج أحدًا من دائرة الإسلام؛ إذ شرط لذلك أن يشهد هذا الشخص شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، وما بعد ذلك يكون مذهبًا، وما قبله يكون دينًا.

فمن قال: لا إله إلا الله فهو مسلم.

وبنى على ذلك أن من لم يأخذ بالحديث النبوي فهو قرآني، والقرآنيون مسلمون.

وهذا كلام ليس صحيحًا؛ فالشهادة لها ركنان: الإيمان بالله وبرسول الله، فمن آمن بهذين الركنين يُعد من أهل القبلة عند الأشعري وغيره من كبار علماء الإسلام.

لكن من فرّق بين الله ورسوله فهل يُعد مسلمًا؟

واليهود والنصارى تؤمن بالإله الواحد، لكنهم لم يؤمنوا بالرسول الخاتم محمد -- فهل يكونون مسلمين؟

الفرية السادسة: قتل مرتكب الكبيرة

زعم أن الخوارج يقولون بقتل مرتكب الكبيرة، وهذا جهل بمذهب الخوارج؛ إذ إنهم يقولون بخلود مرتكب الكبيرة في النار إن مات ولم يتب.

وفارق كبير بين القولين.


([1]) مقالة: تعريفات في علم الاجتماع الديني: ناصر بن سعيد السيف، موقع الألوكة.

([2]) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، (3/184-185) باختصار.

([3]) السابق، (3/185).