قال الله تعالى: “وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ” (الحج: آية 36-37). وهذه الآية دليل على أن الأضحية من شعائر الله، فما حقيقة الأضحية والأحكام المتعلقة بها.
تعريف الأضحية:
الأضحية: جمعها أضاحٍ وأضاحيّ.
والضحية: ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى من يوم عيد النحر إلى آخر أيام التشريق، وهي مأخوذة من الضحوة، سميت بأول أزمنة فعلها، وهو الضحى.
وفي الفتاوى الهندية على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة -رضي الله عنه– قيل: الأضحية اسم لحيوان مخصوص بسن مخصوص، يذبح بنية القربة في يوم مخصوص عند وجود سببها.
الأضحية مشروعة في الإسلام بالقرآن الكريم، وسنة سول الله -ﷺ– القولية والفعلية والإجماع.
قال الله تعالى “فصلِّ لربك وانحر” (الكوثر: 2). وروى الإمام مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب -رضي الله عنه– قال: خطبنا رسول الله -ﷺ– في يوم نحر، فقال: “لا يضحين أحد حتى يصلي، فقال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، قال: “فضحّ بها، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك.
والعَناق: الأنثى من المعز إذا قويت ما لم تستكمل سنة، وجمعها أعنق وعنوق.
والجذعة: هنا من المعز، والمعنى لا يجزئ من الماعز من كان عمره أقل من سنة.
وروي عن أنس -رضي الله عنه– أن رسول الله -ﷺ– كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين، وكان يُسمِّي ويُكبِّر. (رواه أحمد والبخاري والنسائي ومسلم وابن ماجه).
وأجمع المسلمون من لدن رسول الله -ﷺ – إلى أيامنا هذه على مشروعية الأضحية.
ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟
1- إحياء لذكرى إبراهيم -عليه السلام– حيث رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، ولا بد من تنفيذها.. ويحكي لنا القرآن المجيد قصة إبراهيم -عليه السلام- مع ولده، فيقول: “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ” (الصافات: 102-107).
إنه لموقف عظيم أن يقدم الأب على ذبح ولده الوحيد، ولكنه الإيمان الكامل، والتسليم المطلق، ومن أجدر من خليل الله تعالى بهذا الإيمان والتسليم؟
يستجيب إبراهيم –عليه السلام- لإشارة ربه التي جاءت في المنام، يستجيب دون تردد أو خوف، ودون سؤال أو اعتراض، ويعرض الأمر على ابنه: “فانظر ماذا ترى”، ولم يكن سؤال إبراهيم –عليه السلام– لولده سؤال مشاورة، فإن قال له: نعم مضى لتنفيذ أمر الله، وإن رفض الغلام ذلك توقف عن التنفيذ، “ولكنه كان منه ليعلم ما عند ابنه من العزم: هل هو من الصبر على أمر الله على مثل الذي هو عليه فيسر بذلك، أم لا؟ وهو في الأحوال كلها ماضٍ لأمر الله” (تفسير الطبري جـ 23 ص 50، ط بولاق).
وفي هذا المعنى يقول الشيخ سيد قطب –رحمه الله تعالى– في تفسيره القيم (في ظلال القرآن): “إنه لا يأخذ ابنه على حين غرة لينفذ إشارة ربه وينتهي، إنما يعرض الأمر عليه.. فابنه ينبغي أن يعرف، وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاما، لا قهرا واضطرارا؛ لينال هو الآخر أجر الطاعة.. ويتذوق حلاوة التسليم” (جـ 5 ص 2995).
ويأتي جواب الولد الحليم محققا لأمل أبيه فيه، يأتي مثالا للطاعة والتسليم “يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين”. فهو لا يخاف ويفزع، ولا يفقد رباطة جأشه من هول الموقف العصيب، بل لا يفقد أدبه مع أبيه، وحبه له وحنانه فيخاطبه بـ “يا أبت” كما خاطبه أبوه بـ “يا بني”.. ويعلم الولد المقبل على الذبح أنه بدون عون من الله وتأييد لا يستطيع أن يصبر، فيعلق وعده لأبيه بالمشيئة الإلهية، الرحيمة العظيمة.
ويأتي وقت التنفيذ “فلما أسلما وتله للجبين” يُسلم الوالد الولد ويستسلمان، ويضع الوالد رأس ولده على الأرض ليذبحه.. وبعد أن تم الاختبار والابتلاء يأتي الفرج من الله ويُفدى الغلام بذبح عظيم.. ومضت بذلك سُنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان، وجمال الطاعة، وعظمة التسليم.
وهذه الذكرى تعلم المسلمين التضحية في سبيل الله بكل غال ورخيص بالنفس والمال والولد.. وعليهم أن يضحوا ببعض أموالهم في هذه المناسبة فيذبحوا الأنعام ويوزعوا لحوما على الفقراء والأصدقاء؛ تقربا إلى الله تبارك وتعالى.
2- ومن حكمة مشروعية الأضاحي: الشكر على نعم الله تعالى؛ فرب العزة سبحانه وتعالى قد أنعم على الإنسان بنعم كثيرة منها: نعمة الإسلام، والسمع، والبصر، والحياة، والمال. وهذه النعم تستوجب الشكر للمنعم -سبحانه وتعالى-. والأضحية صورة من صور الشكر يتقرب بها العبد إلى ربه.
3- التوسعة على الناس؛ فالمسلم حين يقوم بذبح أضحيته، وإطعام أهله منها، فقد وسّع على أسرته، وحين يهدي بعضها إلى أصدقائه وجيرانه فقد وسّع عليهم، وحين يتصدق بجزء منها إلى الفقراء والمحتاجين في يوم العيد فقد أغناهم عن المسألة في هذا اليوم وأدخل السرور إلى قلوبهم.
قال الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه القيم (أحكام الذبائح في الإسلام، ص 126): “ولا يقوم دفع قيمة الأضحية مقام ذبحها والأكل منها والإطعام والإهداء إلى الفقراء والأصدقاء في التوسعة على الناس.
لا سيما الأسر الموسرة الغنية وحتى الفقيرة، كما أن دفع القيمة لا يحقق الغرض المقصود من الأضحية غير الإطعام، وهو إراقة الدم امتثالا لأمر الله تعالى الذي هو في حد ذاته عبادة يتقرب بها العبد إلى الله -سبحانه وتعالى-، قال الله عز وجل ” لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ” (الحج: آية 37).
حكم الأضحية
الأضحية سنة مؤكدة أي أنها مستحبة يثاب فاعلها، ولا يأثم تاركها، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وبلال بن رباح وأبي مسعود البدري من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين- وبه قال: سعيد بن المسيب، وعلقمة، وعطاء وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك -رضي الله عنهم- عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -ﷺ- قال: “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا” (صحيح مسلم) فالأضحية مردودة إلى إرادة المسلم.
ما هي شروط الأضحية؟
وللأضحية شروط:
1- أن تكون الأضحية من الأنعام أي من الإبل والبقر، والغنم، على الترتيب بحسب الأفضلية؛ لأن الإبل أنفع للفقراء لعظمها، والبقرة أنفع من الشاة كذلك.
واختلف العلماء في الأفضل للشخص الواحد هل يهدي سُبع بدنة (ناقة أو جمل) أو سُبع بقرة أو يهدي شاة؟ والظاهر أن الاعتبار بما هو أنفع للفقراء.. وللمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم.. وقد أهدى رسول الله ـ ﷺ ـ مائة من الإبل وكان هدية هدي تطوع.
وأقل ما يجزي عن الواحد شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سَبعة.
قال جابر -رضي الله عنه- حججنا مع رسول الله -ﷺ- فنحرنا البعير عن سبعة والبقر عن سبعة (رواه أحمد ومسلم).
2- الرسول -ﷺ- يضحي عن الأمة أحياء وأمواتًا جزاه الله خيرًا:
هذه الأضاحي سنة أبينا إبراهيم ونبينا محمد -عليهما الصلاة والسلام- وإنها لسنة مؤكدة يكره لمن قدر عليها أن يتركها، وإن ذبحها لأفضل من الصدقة بثمنها لما فيها من إحياء للسنة والأجر العظيم ومحبة الله تعالى لها… فضحوا أيها المسلمون عن أنفسكم وعن أهليكم متقربين بذلك إلى ربكم، متبعين لسنة نبيكم محمد -ﷺ- حيث ضحى عنه وعن أهل بيته، ومن كان منكم لا يجد الضحية فقد ضحّى عنه النبي -ﷺ- جزاه الله عن أمته خيرًا.
وتتمة للكلام الأسبق: لا يشترك شخصان في شاة واحدة، ولكن للإنسان أن يشرك في ثواب أضحيته من شاء سواء كانت شاة أم سُبع بدنة أم سُبع بقرة.
قال النبي -ﷺ– عند ذبح الأضحية: “بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد” (أخرجه مسلم).
3-وأن تبلغ الأضحية السن المعتبرة شرعا، وهي: خمس سنين من الإبل، وسنتان من البقر، وسنة كاملة من الماعز، وستة أشهر من الضأن.
4- أن تكون خالية من العيوب: العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والكبر المتناهي. وقد دل على هذه العيوب حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه– قال: “أربع لا تجوز في الأضاحي– وفي رواية، ولا تجزئ – العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقى” (أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح).
– والعوراء البين عورها: هي التي انخسفت عينها أو برزت. والعمياء أشد فإن كان على عينها بياض ولم تذهب أجزأت؛ لأن عورها ليس بينا فلا يؤثر في نقصان لحمها.
– المريضة التي ظهرت عليها آثار المرض الذي يقعدها عن الرعي، وهو ما يسبب لها الهزال وفساد اللحم، ومنه الجرب فهو يمنع الإجزاء قليله وكثيره؛ لأنه يفسد الشحم واللحم، وكذلك ما بها جروح أو ما يسمى بـ (الطلع) إذا كان مؤثرا عليها تأثيرا بينا، وكذا ما أخذته الولادة حتى ينجو.
– والعرجاء البين ضلعها: وهي التي تتخلف عن القطيع، وتسبقها الماشية إلى الكلأ الطيب فيرعينه، ولا تدركهن فيقنص لحمها.. وكذلك العاجزة عن المشي لعاهة منكسر ونحوه.
– والكسيرة التي لا تنقى أي لا نقى لها. والنقي هو المخ.
ويكره التضحية بما يلي:
(ا) العضباء: وهي مقطوعة الأذن أو مكسورة القرن.. أما ما لا قرن له خلقة أو لا أذن له خلقة؛ فتجوز التضحية به بلا كراهة.
(ب) البتراء من الإبل والبقر والمعز: وهي التي قُطع ذنبها أو بعضه، أما مقطوع الإلية من الضأن فهذا لا يجزئ في الأضحية؛ لأن ذلك نقص بيّن في جزء مقصود منها.. أما إذا كانت من نوع لا إلية له بأصل الخلقة فإنها تجزئ؛ إذ لا نقص فيها عن جنسها.
(ج) التي في أذنها شق سواء أذنها طولا وهي الشرقاء أو عرضا من الخلف وهي المدابرة أو عرضا من الأمام وهي المقابلة، أو خرقت أذنها أو استؤصلت حتى بدا صماخها. روى النسائي بإسناده عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه– قال: “أمرنا رسول الله –ﷺ- أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء”.. وأيضا لا تجزئ المجنونة (التولاء) وفاقدة الأسنان.
5- ومن شروط الأضحية أن يملكها المسلم من طريق شرعي، فلا تصح الأضحية بمسروق أو مغصوب أو مملوك بعقد فاسد.. وكذا لا تصح التضحية بما كان ثمنه حرامًا كربا وغشا؛ لأن الأضحية قربة لله تعالى.. وهذه طرق معصية، ولا يتقرب إلى الله تعالى بمعصية.
قال النبي –ﷺ-: “إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا”.
تعظيم شعائر الله في الأضحية
قال رب العزة والجلال: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج: 32).
والشعائر هي المعالم التي ندب الله تعالى إليها وأمر بالقيام بها.. وشعائر الحج هي آثاره وعلاماته أو كل ما كان من أعماله: كالوقوف بعرفة، والطواف بالبيت العتيق، والسعي بين الصفا والمروة، والرمي ونحر الهدي، وغير ذلك.
وقال تعالى: “ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ” (الحج: 30).
وتعظيم حرمات الله تعالى هو صيانتها وإجلالها، والشعور في قلب المسلم بالرهبة منها والحرص على أداء الحقوق المتعلقة بها في وفاء وإخلاص.
والقيام بشعائر الله تعالى علامة على الخضوع لله جل جلاله وعبادته إيمانا وتسليما.
وينبغي للمسلم أن يهتم باختيار الأضحية، فيحرص على أكمل الأضاحي في جميع الصفات؛ لأن ذلك من تعظيم شعائر الله تعالى الدال على التقوى.. قال تعالى: “وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ” (الحج: 36).
فتعظيم البدن من تعظيم شعائر الله. أي استسمانها واستحسانها.. وليحرص المسلم على تأمل الأضحية حال الشراء، وتحقق خلوها من العيوب المانعة من الإجزاء.. وينتبه لتمام سنها.. وكلما كانت الأضحية أكمل فهي أحب إلى الله تعالى وأعظم لأجر صاحبها وأدل على تقواه.
وقت ذبح الأضحية
الأضحية عبادة لها وقت لا تصح إلا به، وهو من بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل صلاة العيد فلا أضحية له. ويلزمه أن يذبح مكانها أخرى بعد الصلاة لحديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت الأضحى مع رسول الله -ﷺ– فلما قضى صلاته نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: “من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانه، ومن لم يكن ذبح فيذبح على اسم الله.. الحديث” (أخرجه البخاري ومسلم).
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه– قال: سمعت رسول الله -ﷺ– يخطب فقال: “إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا، ومن نحر فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء.. الحديث” (أخرجه الشيخان).
والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان تأسيا بالرسول الكريم -ﷺ-.
ما يطلب من المضحي وأمور تراعى في ذبح الأضحية:
من كان يحسن الذبح فليذبح بنفسه، ولا يوكل في ذبحها لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: “ضحَّى النبي -ﷺ– بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده” (أخرجه البخاري ومسلم).
ولأن الذبح قربة، وكون الإنسان يتولى القربة بنفسه أفضل من الاستنابة، قال البخاري: أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن.
تجوز الاستنابة؛ لأن الرسول –ﷺ– نحر ثلاثا وستين بدنـة بيـده واستناب عليًّا -رضي الله عنه– في نحر ما بقي من بُدنه” أخرجه مسلم عن جابر –رضي الله عنه- إذا كان المضحي لا يتقن الذبح، فليفوض عنه مسلمًا يقوم بالذبح عنه، ويسن له أن يشهد ذبح أضحيته، فقد أمر النبي –ﷺ– فاطمة -رضي الله عنها– أن تشهد ذبح أضحيتها (روى ذلك الحاكم وصحح إسناده).
وعن ذبح الأضحية يُراعى ما يلي:
1- الإحسان إلى الذبيحة: عن شداد بن أوس -رضي الله عنه– أن النبي -صلى الله عليه وسلـم– قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، وليحدَّ أحدكم شفرته وليرحْ ذبيحته” (أخرجه مسلم).
2- ويكره أن يحد السكين والبهيمة تنظر إليه، لما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما– قال: “أمر النبي -ﷺ– بحد الشفار وأن تُوارى عن البهائم، وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز” (أخرجه أحمد، وابن ماجة وغيرهما).
3- إذا كانت الأضحية من الإبل فتنحر قائمة معقولة يدها اليسرى لقول عز وجل: “فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ” (الحج: 36).
قال ابن عباس -رضي الله عنهما– “قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى”.
وإذا كانت من غير الإبل فإنها تذبح مضجعة؛ لأنه أرفق بها، ويكون الإضجاع على جنبها الأيسر؛ لأنه أسهل للذبح في أخذ السكين باليمنى وإمساك رأسها باليسار، ويستحب وضع الرجل على صفحة عنق الذبيحة ليتمكن منها.
3- أن يستقبل بها القبلة عند الذبح لحديث جابر -رضي الله عنه– قال: “ذبح النبي -ﷺ– يوم النحر (الذبح) كبشين أقرنين أملحين مُؤجئين فلما وجههما قال: إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.. الحديث” (أخرجه أبو داود وابن ماجه).
– تجب التسمية فيقول: “بسم الله” لقوله تعالى: “فكلوا مما ذكر اسم الله عليه” (الأنعام: 118).
وقال رسول الله -ﷺ– عند الذبح: “بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد” (أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها).
ويسمى عند الذبح من هي له ويدعو فيقول: “اللهم هذه أضحية عن فلان -يعني نفسه– فتقبل مني أو من فلان فتقبل منه”.
5- لا بد من إنهار الدم وذلك أبلغ ما يكون بقطع الودجين، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء.. وتمام ذلك بقطع أربعة أشياء: الحلقوم والمريء والودجان.
6- يحرم على الذابح أن يفعل بالذبيحة ما يؤلمها قبل زهوق نفسها، مثل: أن يكسر عنقها أو يبدأ بسلخها، أو قطع شيء من أعضائها قبل تكامل خروج نفسها لما في ذلك من تعذيب الحيوان.
حكم التضحية عن الميت
يحرص بعض الصالحين من أقرباء الميت كأبنائه وأحفاده أن يتصدقوا عنه، وربما قام بعضهم بالتضحية يوم عيد الأضحى عنه، فهل يجوز هذا في الشرع؟
تبين من استقراء أقوال الفقهاء في حكم التضحية عن الميت أقوال:
– القول الأول: يجوز للحي أن يضحي عن قريبه الميت، وقال بهذا الحنابلة، وهو من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية – ومال إليه أبو داود في سننه رحمه الله– واستدلوا بأحاديث منها ما روته عائشة -رضي الله عنها– “أن النبي -ﷺ- أخذ الكبشين فأجعهما وذبحهما وقال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد، ثم ضحى بهما” (رواه أبو داود وغيره).
– القول الثاني: يكره للحي أن يضحي عن الميت قال بهذا المالكية.
– القول الثالث: لا تجوز الأضحية عن الميت ولا تقع.. فقال بهذا البغوي.. وذهب إلى هذا من المحدثين الشيخ عبد الله بن زايد آل محمود -رحمه الله- رئيس المحاكم الشرعية الأسبق في قطر”.. وقد ناقش الأقوال الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في رسالته القيمة “أحكام الذبائح في الإسلام”، وبعد أن استخار الله في شرح صدره والفتوى قال: يجوز الأضحية عن الميت؛ لأن الأضحية عن الميت بجملتها صدقة، والصدقة تجوز عن الميت بالإجماع.
*الشيخ نادي أمين مصري