مقدمة عن الإسراء والمعراج وما يلحق بهما : تُعدُّ ليلة سبع وعشرين من شهر رجب عند سلف الأمة من الليالي العادية، فحينما تمرُّ بهم تلك الليلة تمرُّ كأي ليلة بلا تخصيصها بفضيلة أو عبادة معينة مثل الذكر أو التلاوة أو الاجتماع ونحوها. وهكذا حالهم مع شهر رجب وليلة سبع وعشرين باختصار، فسبيلهم في الدين أضمن الطرق لسعادة المرء، وأحمد سبيل النجاح والفوز في الدارين، لأنهم فوقنا في كل خير، وفي كل علم وفضل وفقه وهدى واعتقاد وتقى.
لا حاجة اليوم إلى الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج التي يعتقد بعض الناس من المسلمين تعظيمها وتحديدها بليلة سبع وعشرين من رجب، وكلما جاءت في كل سنة خصصوا لها جلسات ولقاءات وأنواعًا من القربات والعبادات التي لم يفعلها ولا يعرفها أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أحد من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم. ولو كان خيرًا لما كتموه ولسبقونا إليه ولبينوه لنا كعادتهم، فليسعنا ما وسعهم فما نحن إلا متتبعين غرزهم.
سبب عدم ثبوت تاريخ الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج ثابتتان بالنص القرآني الواضح، وثبت الإسراء والمعراج بالحديث النبوي الشريف الصريح الذي لا يحتمل شك، بل إلى التواتر المعنوي أقرب، لشهرته وتداوله في كتب السنة والسير بأسانيد مقبولة عند أهل العلم بالحديث. إلا أنه لم ترد رواية معتمدة تفيد تحديد يومه أو تعيين ليله ولا شهره فضلاً أن يتخذ تاريخه بشكل احتفال عيد ديني غير مسبوق.
لم يعتن الصحابة رضي الله عنهم بضبط تاريخ الإسراء والمعراج لعدم قيام الحاجة إلى ذلك، إذ لو أن معرفته من الدين أو له أهمية في حياة المسلمين لخبر به النبي عليه الصلاة والسلام ولأمر بذكرياته كل سنة، شأنه كشأن الحوادث التاريخية التي لم يتطرق رسول الله ﷺ إلى بيانه أو الأمر به، ولا سأل عنه الصحابة على مر تاريخهم ومعايشتهم لنزول الوحي، لأن العبرة بدلالات الحوادث ومقاصدها ومفادها لا برموزها والاحتفال بها.
الإسراء والمعراج من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام
تخصيص الإسراء باسم سورة الإسراء من سور القرآن الكريم دليل على أهمية الحادثة، وهي أعظم حادثة أكرم الله تعالى بها رسوله الكريم، ومن أعظم آية دلت على صدق نبوة نبيه الأمين. فإن اجتماع الإسراء التي هي الرحلة الأرضية والمعراج الرحلة السماوية في ليلة واحدة دليل على المنزلة الخاصة برسول الله ﷺ عند رب العالمين، وأجل النعمة والمنة أخصها الله تعالى عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام دون غيره من البشر. حيث رفعه إلى أعلى المكان في السماء السابعة، وإلى أعظم المقام لم يبلغه بشر قط؛ ليريه بعض الحقائق والآيات العظمى والأمور الأخروية يقظة لا مناما، بل بجسده وروحه معًا، كما تظاهرت الأدلة على ذلك، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [سورة الإسراء: 1]. والأعظم من ذلك كله أن الله جل في علاه قد كلم عبده في تلك الليلة العظيمة.
من أهم مقاصد الإسراء والمعراج
من دلالات حادثة الإسراء والمعراج والمقاصد والعبر التي يجب على المسلم أن يحتفي بها دائمًا:
- إرساء دعائم عقيدة التوحيد: توحيد أديان أنبياء الله تعالى وبيان أن أساس مللهم ورسالاتهم هو التوحيد، وإنما اختلفت شرائعهم حسب الأزمنة والأمكنة والأعراف والأحوال، “الأنبياء إخوة لعلات“.
- دلالة صلاة الأنبياء خلف النبي: تأكيد على أن الشريعة الإسلامية أصبحت ناسخة لما قبلها من الشرائع، وقائه عليه الصلاة والسلام ببعضهم في السموات وترحيبهم به إشارة إلى أن الرسالة السماوية قد انقطعت، وأنه هو خاتمهم ووارثهم، ورسالته رسالة عالمية باقية إلى قيام الساعة.
- الإشادة بمكانة المسجد الأقصى وأهميته الإيمانية: جعله الله تعالى ملتقى الأنبياء في ليلة الإسراء، وقبلة صلاتهم والمسلمين قبل تحويلها إلى مكة المكرمة، ومعراجه عليه الصلاة والسلام إلى السموات السبع، وجاء التنصيص على اسمه في مطلع سورة الإسراء صراحةً ومقرونًا بالمسجد الحرام لإشعار بقدسية مكانتهما وارتباطهما بالرسالة الإسلامية.
- ملائمة دين الإسلام بالفطرة: أوتي رسول الله ﷺ في ليلة الإسراء بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر فقيل له: خذ ما شئت منهما، فأخذ اللبن فشربه فقيل له: هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، ولذا ترى جميع الأحكام والشعائر والأمور الدينية كلها متفقة مع الفطرة والعقول والمنطق السليم، وليس بين دين الإسلام وبين الفطرة السوية أي تصادم أو تعارض أبدًا.
- تقرير مبدأ “إنما مع العسر يسرا”: أن الصبر في مواجهة المحن يؤدي إلى منحة عظيمة، حيث منح الله تعالى النبي عليه الصلاة والسلام أكبر المنحة بعد محن كثيرة.
- إعلاء شأن الصلاة وفضائلها: تكرار ذكر الصلاة خلال رحلة الإسراء والمعراج أكثر من مرة، وفرضها في السماء السابعة كأعلى فضائل العبادة.
أحاديث لا تصح في حادثة الإسراء والمعراج
هناك بعض الأحاديث المتداولة في بعض الكتب والجلسات التي تُروى عن حادثة الإسراء والمعراج، لكنها إما موضوعة أو ضعيفة أو معروفة بالتنكر. من علاماتها سرد روايات طويلة ومبالغة في وصف مشاهد الرحلة من البداية إلى النهاية، كما في نقل بعضهم الروايات عن عجائب مخلوق البراق، وأجرام السماوات، وأعداد الملائكة، وتفاصيل صفة الجنة وأهلها وكذا النار. من هذه الأحاديث:
- حديث صلاة النبي عند قبر إبراهيم وعند مكان مولد عيسى عليهما السلام: ما يرويه بعضهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له جبريل: “هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصل فيه، وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصل فيه”.
- حديث بكاء الأرض عند المعراج: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: “لما عرج بي إلى السماء بكت الأرض من بعدي فنبت اللصف من مائها، فلما أن رجعت قطر من عرقي على الأرض نبت ورد أحمر، ألا من أراد أن يشتم رائحتي فليشتم الورد الأحمر”.
- حديث عن سدرة المنتهى والتشهد: روي أن رسول الله ﷺ يمشي في معية سيدنا جبريل في طريقهما لسدرة المنتهى في رحلة المعراج، وفي مكان ما يقف سيدنا جبريل عليه السلام، فيقول له سيدنا محمد ﷺ: “أهنا يترُك الخليل خليله؟” قال سيدنا جبريل: “لكلٍّ منا مقام معلوم يا رسول الله”.
- حديث رؤية النبي ﷺ لله سبحانه وتعالى: عن أنس مرفوعًا: “ليلة أسري بي إلى السماء أسريت فرأيت ربي بيني وبينه حجاب بارز من نار فرأيت كل شيء منه حتى رأيت تاجًا مخوصًا من اللؤلؤ”.
- حديث عما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام عند العرش: روي أن النبي ﷺ لما وصل عند العرش أراد أن يخلع نعليه فنودي من العلي الأعلى: “يا محمد، لا تخلع نعليك، فإن العرش يتشرف بقدومك متنعلًا”.
- حديث عن فضل الأمة المحمدية: عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: “لما أسري بي إلى السماء قربني ربي تعالى حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى لا بل أدنى وعلمني السمات قال يا حبيبي يا محمد قلت لبيك يا رب قال هل غمك أن جعلتك آخر النبيين قلت يا رب لا قال حبيبي فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم قلت لا يا رب قال بلغ أمتك عني السلام وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم لأنفح الأمم عندهم ولا افضحهم ثم الأمم”.
- حديث عن فضل الحجامة: عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: “خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين” وقال: “وما مررت بملء من الملائكة ليلة أسري بي، إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد”.
- حديث عودة النبي ﷺ من المعراج: روي أن النبي ﷺ لما عاد من المعراج وجد ملاءة سريره دافئة كما تركها.
- حديث تلقيب جبريل بأبو بكر الصديق: عن أبو وهب، مولى أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال ليلة أسري به لجبريل عليه السلام: “إن قومي لا يصدقوني”، فقال له جبريل: “بلى، يصدقك أبو بكر الصديق”.
الخلاصة
ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة عن حادثة الإسراء والمعراج يغني عن كل كذب وخبر لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي قد يُدخل واضعه وناشره تحت وعيد قوله ﷺ: “من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار”. وهذا يستدعي الحذر الشديد من نشر كل خبر لا يعلم حاله من الصحة، والواجب الوقوف عند حد ما أثبته أهل العلم بالحديث دون زيادة ولا نقصان.