إن الباحث المنصف وهو يقرأ بعمق وروية وتحليل كتابات الدكتور إسماعيل الحسني- سواء باكورة أعماله – نظرية المقاصد عند الطاهر بن عاشور– أو ما تلاها من إنتاج علمي وفكري: التجديد والنظرية النقدية- فقه العلم في مقاصد الشريعة- الاقتراض البنكي والاضطرار الشرعي- مقاصد الشريعة والاجتهاد في المغرب الحديث- مفهوم الإصلاح في القران الكريم- يقف على السمات الآتية:
ـ الروح الوثابة والتواقة إلى الإبداع التي تلتقط ما بين السطور بلوذعية فذة وألمعية حادة، فتستذر المعاني الرائقة والرقراقة.
ـ الحسي النقدي الجلي، والذي يتضح من خلال استدراكاته وإضافاته ومقارناته وترجيحاته العلمية.
ـ لنفس التجديدي والانهمام بالقضايا الحقيقية، فهو لا يكتب في المواضيع المستهلكة والمكرورة، وإنما يروم أن يكون إنتاجه إضافة نوعية في صرح العطاء العلمي.
ـ الانفتاح على المدارس الفكرية والفقهية المتنوعة دون تعصب أو تحيز أو تحامل، وهو مسلك يتأبى على التصنيف والخندقة.
ـ المنهجية الصارمة في التحليل والاداء وتوظيف الدرس المقاصدي في أسمى تجلياته وتمفصلاته.
ـ الذهنية المستفهمة التي لا تسرع في تقرير الأحكام قبل الاستشكال والاشتباك مع القضايا تفكيكا وتركيبا.
والكتاب الذي بين أيدينا نموذج حي وعملي على ما ندعي ونزعم ” الاختلاف والتفكير في القران الكريم”[1] .
فكرة الكتاب وقضيته ظلت تراود صاحبها وكابد معاناة التفكير في تضاعيفها ما ينيف على عقدين من الزمن، عبر عن بعض جوانبها في ندوات ومحاضرات ومقالات علمية، منها على سبيل المثال لا الحصر ما نشر في مجلة فكر ونقد سنة2001 عدد 34.
وقبل أن أدلف إلى مضمون الكتاب يمكن أن أشير إلى أن قضية الكتاب منضودة في مقدمة وخمسة فصول، فجاءت كحبات عقد في السموط كما يقال.
الفصل الأول: معطيات الوعي بالاختلاف في القران المجيد
الفصل الثاني: الاختلاف ومقاصد القران الكريم
الفصل الثالث: المقاصد الاعتقادية في القران المجيد
الفصل الرابع: مفهوم ضرب الزوج زوجته
الفصل الخامس: مفهوم الترتيل
مند البداية يصرح أستاذنا المقاصدي بالعلاقة العضوية والوحدة النسقية بين التدبر والتفكير والاختلاف.
يقول:” لا يمكن إنجاز تدبر للقران المجيد بدون تفكير، نعم لاشك في ذلك ولكن لا يمكن القيام بهذا التفكير أيضا بدون وعي بالاختلاف فيه، نقول هذا ونحن نعلم مسبقا أن المستوى الديني بما يتضمنه من عقائد وأحكام وقيم متعددة مستوى واحد من مستويات الاختلاف في الحياة البشرية، والمستويات المتعددة لا تشكل المستوى الديني.
ويوضح أيضا أن ما يشغله في الكتاب من قضية الاختلاف ” هو ما ينتظمه من وعي بفروقه الكونية الطبيعية واللسانية والعملية والعقائدية والزمانية والجيلية. ومهما يكن مبلغ التعدد الفروقي في معطيات الاختلاف التي يضمنها مفهوم الاختلاف، فإنها منتظمة في الوعي بالمفارقات، والمتمثل في الإمساك المعرفي والمنهجي بالفارق بين الأمور المتعددة.” إن الوعي بالاختلاف وعي نقدي يميز به صاحبه بين مراتب الناس المعرفية، وبين متغيرات واقعهم الوجودية.
إن الوعي بالاختلاف أمر مفصلي، لأن اتباع ما هو أحسن – بحسب المنطق القرآني- لا يتم إلا بتمثله تمثلا موضوعيا، ولا يحصل إلا بنقده نقدا قائما على اعتماد أساليب المساءلة، والمراجعة والتحقيق. فهذا الوعي تفكير في القران المجيد لا يرسخ لقيم الانغلاق على ذواتنا، وإنما يرسخ لقيم الانفتاح على ما عند غيرنا، وهو تفكير أيضا في القران المجيد لا يرسخ لقيم التعبد لما ورثناه من ماضينا، وإنما يرسخ لقيم الانفتاح على ما في حاضرنا.
و لقد عنون الفصل الأول بـ: معطيات الوعي بالاختلاف في القران المجيد:
1 ـ معطى الكمال :
ـ كمال الحاضر : يقصد به عصر النبوة حيث يسجل بوضوح تفاعل النص مع الواقع والاجابة عن القضايا الراهنة.
ـ كمال المستقبل:ويقصد به أن المتوفر من القران الكريم والسنة كاف لكل الأمة الإسلامية في عبادتها ومعاملاتها وسياساتها، وذلك على اختلاف عصورها وأمكنتها وأحوالها. وهذا التمييز رؤية منهجية ضرورية من أجل تثوير المعطيات القرآنية وتحقيق خلود الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان وكشف أسرار القران والحفر في مستوياته الدلالية ” فكأنها طبقات جيولوجية يتمكن الباحث من الوصول إلى أعماقها بقدر ما يميك من أدوات حفر ناجعة وفعالة.
2 ـ معطى أسلوب التدرج:
ـ التدرج في الزمان والمكان: ولذلك كان القران المكي معنيا ببناء التصورات الكبرى وإصلاح مناهج التفكير، وتغيير النظرة إلى الكون والإنسان بإحداث نقلة نوعية تصورية اعتقادية حررت طاقات الإنسان الابداعية الكامنة، وأعادت له المكانة والاعتبار بعد أن كان تائها بين البعد الطيني المادي والبعد الخرافي العبثي.
ـ التدرج في البيان:فينتظم الخطاب عنصر الاجمال والتفصيل والاطلاق والتقييد والعموم والخصوص، جامعا بين جمالية الأسلوب، والتنوع في العرض حسب مقتضيات السياق.
ولا يسعنا هنا إلا نسجل قدرة المؤلف على الارتقاء بمباحث علوم القران من الطرح التقليدي إلى المضي بها إلى الأمام رغبة في الإفادة والتجديد.
يقول: والحاصل من مباحث المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ وأساليب النزول، والإجمال والتفصيل أن الباحث في معطى التدرج إزاء وعي بالاختلاف يحضر لدى المفكر في القران الكريم في ثلاث صور لحقت واقترنت وقارنت نزوله: الأولى: الاختلاف في الأزمنة، الثانية: الاختلاف في الأمكنة ، والثالثة الاختلاف في أساليب البيان وكلها صور لا بد من الوعي بها لكل من يريد التفكير في القران وخدمة مقاصده في حياة الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، إذ لا يتصور القران بدونها لأنه لم ينزل دفعة واحدة.
الاختلاف ومقاصد القران الكريم
يمكن في ضوء الوعي بالاختلاف أن نميز في مقاصد القران المجيد بين مستويين:
أولا : مستوى الدلالات المقصودة، وتفاوت مراتب المعاني المقصودة من الخطاب القرآني:
ـ مرتبة المنصوص عليها من المعاني المقصودة
ـ مرتبة غير المنصوص عليها من المعاني المقصودة من الخطاب القرآني: وهنا يطيل أستاذنا النفس في بيان دور المقام في تعقل وإدراك المعاني. – إن إدراك المعاني المقصودة متوقف على الاستيعاب الجيد للمقام الذي سيق في إطاره الخطاب. وهكذا إذا ظفر الباحث في مقاصد القران الكريم بالمقامات، الحالية، والمقالية، التي سيق في إطارها الخطاب القرآني، أعطى العلاقة بين الدال والمدلول مدلولها وبعدها الحقيقي والمقصود.
يقول في نظرية المقاصد: يعد استحضار المقام، بشكل عام، أمتن مسلك في تحديد القصد لأن من شأن هذا التحديد استباق قصد واحد وإلغاء الدلالات الأخرى غير المقصودة. نظرية المقاصد ص327.
ثانيا : مستوى الغايات المقصودة ( أنواع الهدى القرآني) ويتضمن هذا المستوى ثلاثة أنواع من المقاصد القرآنية.
ـ النوع الأول : الغايات الجزئية المقصودة من العمل بالحكم القرآني: يتعلق هنا بالعلل والحكم المقصودة من إنزال الأحكام، وكمثال على ذلك – الفقه الخلاق لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي يستحضر روح النص القرآني لا معناه النصي الحرفي الظاهري- قضية الزواج بالكتابيات- تقسيم أرض السواد- سهم المؤلفة قلوبهم- عدم قطع يد السارق في عام الرماد
ـ النوع الثاني: الغايات الخاصة المقصودة من السورة القرآنية وهنا نقف على الإشارة إلى أهمية الوعي بأن للسورة القرآنية هندسة معمارية متكاملة، غاية في التناضد والتماسك، وهو مسلك يعين على جودة الفهم وحسن البيان والتفسير.
ونحب أن نلفت النظر هنا إلى أن اجتهادات الأستاذ إسماعيل الحسني لا تتنكب عن الانتاجات العلمية السابقة، وإنما يصدر في أعماله عن طول عكوف على مؤلفات السابقين من خلال- الوعي بالحاضر والالتفات المبصر للماضي، واستشراف المستقبل—ينظر التجديد والنظرية النقدية.
ـ النوع الثالث: الغايات العامة المقصودة من إنزال القران الكريم: هنا يبرز المؤلف عناية العلماء القدماء والمحدثين بتحديد مقاصد القران الكريم بين موسع ومقتصد. ليخلص إلى أنه ” مهما استفرغ المرء وسعه في حصر موضوعات المقاصد القرآنية على اختلاف أنواعها، فإنها متعددة بتعدد اهتمامات وانشغالات الإنسان المخاطب بهذا الكتاب.
يرى الاستاذ المؤلف أن من الموضوعات التي تحتاج إلى مزيد من التدقيق ضمن مقاصد القران – الموضوع الاعتقادي- وهو ما خصص له فصلا كاملا ضمن الكتاب
وهو الفصل الثالث: المقاصد الاعتقادية في القران المجيد
وهنا ايضا نسجل الالتفاتة اللماحة إلى أن الاستدلال على وجود الله حسب الرؤية القرآنية مساوق للمستوى المعرفي للعصر الذي يوجد فيه العالم والباحث” ليس المهم في استدلال ابن رشد على اثبات وجود الله، انفصال أو عدم انفصال دليلي العناية والاختراع عن أدلة المتكلمين في الحدوث والجواز، إن المهم في تقديرنا هو تقديم ابن رشد لاجتهاد عقائدي في اثبات الربوبية بقدر ما يناسب روح الشريعة ومقصدها ومراتب الناس في تعقل نصوصها المتعلقة بإثبات الخالق، يقدم أيضا صاحبه نموذجا متميزا في مواكبة الفقيه والمفكر في الإسلام لما يمكن أن يعد هو الفكر العلمي في لحظة تاريخية تعيشها التجربة الإنسانية، تجسد ذلك بالنسبة إلى الأنموذج الرشدي في الفكر الأرسطي بالنسبة لدليل العناية، ومع فكرة صنع العالم بالنسبة إلى دليل الاختراع.
وبعد مناقشة وتحليل ما يتعلق ب- الربوبية والألوهية، والصفات والتنزيه والأفعال يخلص إلى أنه لا تنكشف حقائق الاعتقاد الإسلامية إلا بالحفاظ على مقاصد الشرع منها، ومقاصد الشرع منها لا سبيل إليها إلا بوعي فكري بالاختلاف تتكون عدته الفكرية من الاستقراء والاتساق، وقد أفضى هذا الوعي بالنسبة لابن رشد إلى استخلاص خمسة مقاصد:
ـ مقصد استدلالي في اثبات الربوبية والألوهية، ويتمثل في دليلي العناية والاختراع.
ـ مقصد تنزيهي لا تعطيل فيه ولا تجسيم للصفات الإلهية.
ـ مقصد شمولي من البعثة النبوية، لأن المقصود من المعجزة القرآنية شمول الخطاب القرآني للناس على تفاوت مراتبهم في الإدراك والمعرفة.
ـ مقصد تعليمي من الإيمان بالقضاء والقدر، إذ القصد منه الإيمان بأن الله تعالى كما انه خالق الخير وأسبابه هو ايضا خالق الشر وأسبابه
ـ مقصد توسطي بين الجبر والاختيار، لأن المطلوب هو الجمع بين أدلتها النقلية والعقلية.
وكان الدكتور الحسني في انتقائه هذا المقصد من بين مقاصد أخرى يوافق ما ذهب إليه الشيخ الطاهر بن عاشور في أصول النظام الاجتماعي عندما يقول التفكير في تلقي الشريعة: صراحة القران والسنة في الأمر بالتفكير في تلقي الشريعة لا تبلغ مبلغ مالها في الدعوة إلى التفكير في العقيدة، ووجه ذلك أن دلائل الأمور الاعتقادية أدخل في الفطرة أوضح في الدلالة فكانت دعوة عامة الأمة إليها متيسرة بخلاف دلائل التشريع فإنها تخالف دلائل الاعتقاد من ثلاثة وجوه : الأول: أنها أخفى دلالة وأدق مسلكا إلى الفطرة، فلا تتأهل لإدراكها جميع العقول، الثاني أن المقصد من مخاطبة الأمة بالشريعة وامتثالهم إليها أن يكون عملهم بها كاملة، وهذا المقصد لا يناسبه وضع الشريعة لاستدلال بالنسبة لعموم الأمة.
الثالث: أن المخاطبين بالشريعة هم الذين استجابوا للإيمان وصدقوا الرسل، فالاستغناء معهم عن التصدي لاقناع أدل على الثقة بإيمانهم والشهادة لهم بالإخلاص لهم فيه” أصول النظام الاجتماعي ص 55- 56.
ويقول الدكتور إسماعيل الحسني في كتابه مفهوم الإصلاح في القران الكريم: إذا كان التفكير مؤسسا على الاعتقاد فإن العمل مؤسس على التفكير لأننا لا ندخل إلى حقل الأعمال والممارسات المختلفة ونحن مجردون من أي سلاح اعتقادي أو عدة فكرية أيا كان نوعها وأيا كان مستواها. وانطلاقا من هذا الأساس الاعتقادي- التفكيري ندرك المغزى من اقتران الإيمان بالعمل الصالح في القران المجيد، فهو ثمرة للإيمان، يغذي أحدهما الاخر ويقوي بعضهما بعضا. ص 57.
في الفصل الرابع: تناول بالتحليل قضية من القضايا الملتبسة والشائكة وهي مفهوم ضرب الزوج زوجته.
وهو مثال تطبيقي لما ذكر سابقا حيث استحضر مقاصد القران وهديه والتجسيد العملي في السنة المطهرة والسياق والمقام لمعالجة هذا الموضوع متسائلا: انطلاقا من خطورة الضرب وصعوبة تحديده كيف تكون إفادتنا للمقصد القرآني من الضرب متسقة مع مقاصد القران من إنزاله؟
وبعد سياحة ماتعة شيقة مع مقامات الضرب المقالية والحالية، ومفهوم الضرب في القران الكريم والبيان النبوي له.
يخلص انطلاقا من النظرة المقاصدية الموجهة للتفكير والنظر إلى أنه ” لا يسعنا إلا أن نقول – وفي كلمة نظنها جامعة – أن الأفهام التي تنص على الضرب ممثلا في الايلام الجسدي والمهانة النفسانية، أيا كان نوعها وأيا كانت درجتهما وقدرهما تتناقض تناقضا واضحا مع النظرة المقاصدية القرآنية التي تنص على التكريم والود والرحمة والإخاء وغيرهما من المقاصد التي ينبغي أن تسود حياة الزوجية.
” وهي نظرة تقوم كما بين الشاطبي رحمه الله تعالى على الالتفات إلى أول الكلام واخره، بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون اخرها، ولا في اخرها دون أولها … فلا محيص للمتفهم عن رد اخر الكلام على اوله، وأوله على اخره… وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع المكلف.
في الفصل الخامس : بكل موضوعية وتجرد ورغبة في التفاعل البناء والمثمر مع الانتاجات الفكرية الهادفة والرصينة يشيد الدكتور إسماعيل الحسني بكتاب الدكتور أحمد عبادي ” مفهوم الترتيل في القران الكريم- النظرية والمنهج” باعتباره تجسيدا عمليا لإدراك مستويات الاختلاف والتفكير في القران الكريم، ويبرز سبب اختياره لهذا الكتاب ويتجلى ذللك في :
ـ أولهما : رشاقة لغته التي تنهل من الكتاب المجيد كالوحي والترتيل والوجهة والآياتية والتسخير والتيسير والصلاح.
ـ والثاني: جرأته النظرية التي تستمد مشروعيتها من فكر يتوق صاحبه إلى معانقة النزعات العلمية، ومن أبرزها نزعة الحيوية الذهنية التي تجعلنا نتطور في فكرنا وفي أساليب علمنا وعملنا, ومنها نزعة بناء مفاهيمنا بمنهجية واضحة، ومنها نزعة قدرتنا على صياغة النظرية المناسبة لموضوع اشتغالنا وممارستنا.
وبعد عرض محتويات الكتاب وتوضيحها يخلص استاذ أصول الفقه مقاصد الشريعة بجامعة القاضي عياض إلى: أننا في هذا الكتاب إزاء نظرية ومفهوم ومنهج.
ـ نظرية يروم صاحبها تأسيس الترتيل كمفهوم قراني اعتاد معظم العلماء والباحثين أن يفهمه من خلال جوانبه الصوتية دون أن يتبصروا بما ينطوي عليه من دلالات، وما يكتنزه من طاقات.
ـ مفهوم للترتيل لم يعد مجرد تناغم الأصوات أو تناسقها أو اتساقها وإنما فعل علمي واضح يتمثل في التنسيق بين الآيات القرآنية.
ـ منهج يعتمد من أجل الظفر بالهداية القرآنية – الاستقراء- تتبع المقامات- المقارنة- استنتاج السنن, الاستنباط، الموضوعية- النزاهة.
وكعادة الدكتور إسماعيل الحسني الذي يحاول أن يستفرغ الوسع في البحث والتنقيب، وينأى عن التقريرات ”الديماغوجية” لا يكف عن التساؤل والاستفهام، لذلك يتساءل هل استطاع المؤلف- أحمد عبادي- ان يكون في تطبيقاته وفيا لمقتضيات النظرية الترتيلية؟ هل تمكن من إعمال العدة المنهجية التي يقدمها مفهوم الترتيل عندما انتقل إلى معالجة ما سماه ب” أسس منهج إخراج الإنسان الصالح في القران الكريم.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر جزيل الشكر الدكتور إسماعيل الحسني على هذا الجهد الماتع الذي ضمنه عصارة أفكار ظلت تراوده زمنا غير يسير، كابد فيها قلق السؤال، ومتعة إجالة المخيال، ونشوة تدقيق النظر وهاجس التجديد والإبداع، وقد فتح بكتابه هذا افاقا رحبة واسعة أمام الباحثين الجادين لمزيد من التطوير والبناء والاستئناف، ولذلك يقول في الخاتمة: يفتح التمييز في كمال القران المجيد – التمييز بين كمال الحاضر وكمال المستقبل- الباب واسعا للنظر في كل اجتهاد واستنباط في القران الكريم من زاوية كونه برنامجا فكريا مفتوحا على ما يحمله المستقبل من أفهام وتعقلات يتفاوت أهل العلم في تحصيلها، إن صاحب هذا البرنامج يشعر دائما بالنقص النظري والعملي وتحركه باستمرار هاجس الوعي بالاختلاف عند التفكير في القران الكريم.
التمس من الأستاذ الكريم المعذرة إن كنت أخللت بمضامين الكتاب، فعمق قضية الكتاب وأفكاره تحتاج إلى قراءات لا إلى قراءة واحدة، وحسبي أن أنوه إلى ضرورة قراءة الكتاب بروية، فهذه الأسطر القليلة لن توفيه حقه.
[1] الطبعة الأولى 2015 دار السلام للنشر والتوزيع والترجمة ، مصر