في رواية (سقوط سرداب) للكاتب العراقي نوزت شمدين لا يقتصر الكاتب على إدانة الحكم الاستبدادي وتصوير وحشيته وعلى تصوير الهرب منه ولو بطريقة “دفن النفس ونحن احياء” بل يتجاوز ذلك إلى الحكم على النفس الإنسانية عامة وعلى الجبن الذي قد يتحكم بالإنسان.
واذا كان “السرداب” في الرواية هو الملجأ والمخبأ والخلاص من الموت المحتم ظلما وقهرا ووحشية من النظام الحاكم فسرعان ما يتحول الخلاص المر عبر السرداب والشبيه بالموت إلى مهرب من الحياة التي كنا نحلم بها.
نتذكر من خلال الرواية امورا وأقوالا مختلفة منها على سبيل المثال قصيدة (السجين) للشاعر اللبناني الراحل خليل حاوي حيث يتساءل عما يبتغيه سجانه “العاتي اللعين” الذي يقول عنه انه (جاء بالعفو عقابا للسجين) وخاطبه قائلا “رد باب السجن في وجه النهار/ كان قبل اليوم يغري العفو او يغري الفرار.”
جاءت الرواية في 173 صفحة متوسطة القطع مع لوحة غلاف للدنمركي بيتر رافن. وصدرت رواية (سقوط سرداب) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
يروي نوزت شمدين وخلال حروب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من اجتياح الكويت وما اعقب ذلك من أعمال عسكرية قامت بها دول على رأسها دول غربية ضد العراق إلى اتهام العراق بامتلاك اسلحة الدمار الشامل وشن حرب عليه لم تبق ولم تذر كما يقال.
يتحدث الكاتب عن عائلة كان ربها عميدا في الجيش العراقي وأحد أبطال سلاح المدرعات الناجحين. قيل ان الرجل قتل بقذيفة قوية سقطت عليه فمزقته فاعلن شهيدا بطلا ثم تآمر بعض الضباط من اصحاب النفوذ عليه فاتهموه بالسرقة والخيانة فدارت التحقيقات مع عائلته. واصرت العائلة على رواية الاستشهاد.
كانت الام والجدة قبل ذلك قد قررتا ان الابن الوحيد في العائلة المؤلفة من بنات -وهو على ذكائه في العلم كان ضعيفا ويتأتىء فيسخر منه رفقاؤه- أضعف من ان يتحمل حياة العسكرية وهو لا شك سائر إلى الموت اذا ارسل إلى جبهة القتال.
قررتا اخفاءه في سرداب سري في البيت الكبير وادعتا انه سافر خفية عن عائلته إلى بلد اوروبي. حكم عليه بالاعدام بسبب الهرب من الجندية. امضى الشاب سنوات في السرداب وامه تزوده سرا بما يحتاج اليه للبقاء على قيد الحياة.
في السرداب وبعامل الصدفة اكتشف جثة والده الذي بعد هربه وبقائه في السرداب انهى حياته بيده لانه لم يستطع وهو بطل حربي ان يتحمل هذا العار ولا هذه الحياة. وعثر الابن على رسالة من الاب موجهة اليه تروي له قصة بطولاته وقصة تآمر مجموعة من الضباط الفاسدين عليه واتهامه بامور هو برىء منها لكن لا مجال لتحقيق العدالة في نظام الكلمة فيه لأصحاب النفوذ.
تعددت مجالات العفو عن الهاربين لكن الشاب المدعو (ثائر) كان يعتبر ذلك خدعا للتغرير بامثاله. في هذه الاثناء عثر في خزائن السرداب على مخزون ضخم من الاف االكتب المهمة فانكب طوال السنوات الطويلة على قراءتها حتى ثقف نفسه ثقافة عميقة شاملة.
وتكر الايام ويحتل الامريكيون وحلفاؤهم العراق ويقضى على الرئيس صدام حسين. وفي يوم من الايام قرر ثائر الخروج إلى العالم حوله بشعره الطويل ولحيته فشاهد الآليات الامريكية تجوب الشوارع ورأي الناس تتصرف بوحشية وبما يخجل.
قال “صادفت كثيرين يشبهونني مظهريا في الشوارع التي مررت بها ذلك اليوم وكأنهم خرجو للتو من سجون سرية كالذي كنت فيه. بعضهم كان يحمل اشياء نهبها من أماكن عامة وآخرون يفتشون عن أشخاص لتصفية حسابات قديمة معهم وجميعهم غير مبالين بمركبات الهامر العسكرية الامريكية وهي تجوب بحذر المحتلين مستكشفة طرقات المدينة.”
وفي مواجهة هذه الصدمة بين الواقع والمأمول يقف ثائر في موقف اختيار بين العودة للحياة كما أصبحت عليه من متغيرات والعودة مرة أخرى لمكمنه الخفي