في ظاهرة غريبة يقع فيها كثير من الناس، وهو كثرة السؤال عما إذا كان يمكن إخراج الزكاة في أمور كثيرة، الأصل فيها أنها ليست من الزكاة، لكن السؤال يجيء تهربا من الصدقة، وإلباس هذا التصدق الذي ربما كان المسلم سيقوم به، لكنه يريد أن لا يخرج من الصدقة فيتهرب بذلك بإخراجه من أموال الزكاة، وهو سيخرج المال على أية حال.

وهذا ما نقصد به بتسميته ( الاعتداء في الزكاة).

والاعتداء في اللغة مجاوزة الحد والحق. وعرفه الفقهاء بأنه مجاوزة الحدّ المأذون فيه شرعاً، بمعنى عدم التزام أحكام الشارع في الأمر.

وعلى هذا، فيكون الاعتداء في الزكاة مقصودا به: إخراج الزكاة في غير المصارف الشرعية التي نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

المستحقون للزكاة

وعلى هذا، فالمستحقون للزكاة هم من يلي:

أولا– الفقراء والمساكين:

فالفقراء الذين لا يجدون من المال ما يكفي احتياجاتهم، والمساكين هم الذين عندهم حد لا يكفيهم، فالفقير أشد حاجة من المسكين.

ويشمل مصرف الفقراء والمساكين: الأرامل والمطلقات والمرضى واليتامى بشرط أن يكون هؤلاء فقراء وبحاجة إلى المال، أما إن كانوا أغنياء، فلا يجوز إعطاؤهم من مال الزكاة.

كما يشمله طلبة العلم الفقراء، والذين يحتاجون إلى الزواج إن كان فقراء، والموظفون في وظائف الدولة العامة أو الوظائف الخاصة ولا يجدون ما يكفيهم.

وحد الكفاية من المسكن والمأكل والمشرب والملبس والعلاج والتعليم ونحوها من الحاجات.

ثانيا– عمال الزكاة ( العاملون عليها):

وهم الذين تعينهم الدولة أو ترخص لهم في جمع أموال الزكاة، ويشترط فيهم الإسلام والأمانة والعلم بأحكام جمع الزكاة.

ثالثاالمؤلفة قلوبهم:

وهم أنواع، هي: الذين أسلموا حديثا، فيعطون من مال الزكاة تثبيا لهم على الإسلام، أو الكفار الذين يرجى استمالتهم إلى الإسلام، أو الزعماء والقادة الذين يرجى إسلامهم وإسلام أقوامهم، أو الكفار الذين يدفعون عن الإسلام شرا بدفع مال الزكاة لهم.

رابعا– تحرير العبيد ( الرقاب):

ومن عظمة الإسلام أنه جعل من مال الزكاة أن ينفق منها في تحرير العبيد والإماء، وإن كان المجتمع الدولي قد اتفق على تحريم الرق والعبودية، إلا أن هذا السهم يبقى إن وجد عبيد وإماء ولو خارج القانون، فالمقصود هو تحرير الإنسان من العبودية، كما يجوز تحرير الأسرى من هذا المصرف.

خامسا– أصحاب الديون ( الغارمون):

وأصحاب الديون على قسمين:

الأول: المدينون للإصلاح بين الناس ولأعمال البر والخير التي يعود نفعها على المسلمين.

الثاني: المدينون لمصالحهم الشخصية، بشرط أن تكون في مباح وليس في حرام.

سادسا– الجهاد في سبيل الله:

المقصود بمصرف ( في سبيل الله) هو الجهاد في سبيل الله، بدفع اعتداء العدو على ديار المسلمين، كما يتحقق بمقصود الجهاد من تبليغ الإسلام لغير المسلمين، أيا كانت وسيلته، كبناء المساجد والمراكز الإسلامية والإعلام وغيرها من الوسائل التي تنشر الإسلام في بلاد غير المسلمين.

سابعا– المسافرون الذين لا يجدون العودة إلى ديارهم( ابن السبيل):

فابن السبيل هو المسافر الذي نفذ ماله ولا يجد حاجته أثناء سفره، فيعطى من مال الزكاة نفقته من الطعام والشراب والمسكن المؤقت وما يوصله إلى داره مما يدفعه في وسائل المواصلات ولو كانت الطائرات.

ويدخل في ذلك المهجرون خاصة وقت الحروب والطوارئ إلى أن يستقروا في بلد ولو كان غير بلدهم، ويشمل ذلك المغتربون عن أوطانهم إذا أرادوا العودة إليها، لكنهم لا يمتلكون ذكرة السفر أو نفقة السيارة أو أي وسيلة من وسائل المواصلات.

صور الاعتداء على الزكاة

تتعدد صور الاعتداء على الزكاة، منها على سبيل المثال:

أولا– إعطاء الأصول والفروع من مال الزكاة:

فكثيرا ما يسأل الناس: هل يجوز لي أن أعطي والدي الذي لا يعيش معي، أو أمي وأنا لا أعيش معها، أو أعطي أبنائي؟

والقاعدة في هذا: أنه يحرم إعطاء من يجب على الإنسان نفقته من الأصول والفروع، مثل: الأب والأم والابن والبنت والزوجة.

أما من لا يجب عليه نفقتهم كالأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة وأبنائهم، أو غيرهم من الأقارب والأجانب فلا حرج في ذلك.

ثانيا– التوسع في مصرف ( وفي سبيل الله):

ومن الاعتداء في الزكاة ما يفتى به في جواز إخراج الزكاة في بلاد المسلمين في بناء المساجد والمعاهد والمدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها من المصالح العامة، والاستدلال بقوله تعالى ( وفي سبيل الله) وأن المقصود به كل وجوه الخير تفسير غير منضبط، وإلا أليس من وجوه الخير إعطاء الفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم وأصحاب الديون وابن السبيل؟

بل من بلاغة القرآن الكريم أنه لم يجعل مصرف ( وفي سبيل الله) لا أول المصارف ولا آخره، وإلا كان يمكن أن يخرج مخرج الإجمال بعد التفصيل أو العكس، لكنه جاء سابعا ثم جاء بعده ( وابن السبيل) فدل على المغايرة بينه وأنه مصرف خاص.

ثم إن المصارف التي تصرف فيها الزكاة، والتي تبين المستحقين لها جاءت مفصلة كلها، فكيف يكون ( وفي سبيل الله) عاما؟!

ثالثا– وكيل المزكي:

إذا عين الأغنياء بعض الناس من قبلهم لتوزيع زكاة أموالهم لا يجوز للأغنياء أن يعطوهم رواتب من الزكاة من باب ( العاملين عليها)، كما لا يجوز للوكلاء الذين يوزعون الزكاة أن يتقطعوا لأنفسهم جزءا من الزكاة على أنه من المصارف لأنهم من العاملين عليها.

ذلك أن الوكيل إما أن يقوم بالوكالة تبرعا، وإما أن يقوم بها بأجرة، وتكون الأجرة من مال المزكي وليس من مال الزكاة.

رابعا– الاعتداء في سهم المدينين:

وذلك بإعطاء المدينيين الذين استدانوا لأنفسهم وأنفقوا المال في معصية الله تعالى، فمثل هذا لا يجوز.

كما لا يجوز أن يعطى من هذا السهم الذين عليهم ديون من التجارة، وهم أغنياء؛ لأن في هذا جورا على حق الفقراء والمساكين، كما أن ديون التجارة لا تنتهي، ولو فتح فيها الباب لأكلت مال الزكاة خاصة أن ديون التجارة بالآلاف والملايين.

خامسا– تحويل مال الزكاة إلى وقف:

فالزكاة يجب أن تملك لأصحابها الذين حددهم القرآن الكريم من المصارف، ولا يجوز تحويل مال الزكاة إلى وقف، لأن الوقف من عقود التبرعات غير اللازمة، أما الزكاة فلازمة مفروضة.

سادسا– التوسع في نسبة جامعي الزكاة:

ومن صور الاعتداء على الزكاة التوسع في نسبة جامعي الزكاة، وقد اشترط الفقهاء المعاصرون أن لا تزيد نسبة جامعي الزكاة عن الثمن، باعتبارهم سهما من ثمانية أسهم، أي ما يعادل (12،5%)، والزيادة على ذلك جور على حق الفقراء والمساكين والمصارف الأخرى، فلا يجوز.

سابعا– إخراج زكاة المال عينا:

فالأصل أنه لا يجوز للإنسان أن يشتري بمال الزكاة للفقراء احتياجاتهم، بل الواجب عليه أن يعطيه زكاة ماله مالا، ويملكه للفقير، ثم يشتري الفقير حاجته، ولا يجوز أن ينوب عنه المزكي، ولا أن يحدد احتياجات الفقير.

واستثنى بعض الفقهاء أن يكون في ذلك مصلحة للفقير كأن يكون مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها مبذرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله  في مجموع الفتاوى (25/ 83)

: ” إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه.. ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا بأس به”.

والخلاصة:

أنه يجب صرف أموال الزكاة في المصارف التي حددها الشارع، والتي اجتهد الفقهاء في إلحاق بعض الصور المعاصرة بها، وإخراجها لمستحقيها دون غيرهم، وأن لا يقصد المزكي الاعتداء على الزكاة مما فيه له مصلحة، فيراعي مصلحته حتى لا يخرج الصدقة فيريد أن يخرجها من الزكاة على وجه غير مشروع.