الحديث عن ( سعر الفائدة) ليس قاصرًا على الودائع البنكية، فتجنب التعامل مع البنوك الربوية ليس معناه أننا ودّعنا استخدام ( سعر الفائدة)؛ فقد تغلغلت آلية ( سعر الفائدة) في الاستثمار حتى لو تجنب المستثمرُ التعاملَ مع البنوك من الأصل.
فدراسات الجدوى المعدة لأي مشروع استثماري، تعتمد بشكل رئيس على هذه الآلية لحساب جدوى العائد الاستثماري للمشروع المعد.
الكفاءة الحدية وسعر الفائدة
فمثلا، حينما تذكر دراسة الجدوى أن الربح الصافي المتوقع من مشروع ما ( هو 15% من رأس المال) لابد أن تكون هذه الدراسة تعمل في بيئة، تنخفض فيها معدل الفائدة البنكية عن هذه النسبة، وإلا كان الإيداع البنكي أفضل من المشروع الاستثماري المقدم، وهذا ما يعنيه الاقتصاديون بقولهم : لا بد أن تكون الكفاءة الحدية أعلى من سعر الفائدة.
وهذه الموازنة بين التدفقات النقدية الحالية، والتدفقات النقدية المستقبلية، أو ما يسمى بمعدل الخصم، أمر جائز من حيث المبدأ، إذ إن الإسلام لا يسوي بين السعر النقدي، والسعر المستقبلي.
تكمن المشكلة هنا في الاعتماد على سعر الفائدة كأداة لسعر الخصم، وهذا أمر محرم من ناحيتين:
الأولى : ارتباط الفائدة بالربا المحرم.
الثانية : أننا في ظل الاقتصاد الإسلامي المنشود، نفترض اختفاء الفائدة في الاقتصاديات الإسلامية، سواء على سبيل المصطلح، أو على سبيل الممارسة؛ فالإقرار بنظام الفائدة ولو محاسبيا، فيه إقرار ضمني بضرورته!
ومما سبق نصل إلى نتيجة هامة مؤداها أن تطبيق أهم طرق جدوى الاستثمار يتطلب تحديد سعر خصم للتدفق النقدي. ومع اعتراف المنهج الاقتصادي الإسلامي بأهمية العامل الزمني فيجب تحديد الأداة الصحيحة والمتفقة مع هذا المنهج مع تأصيلها بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية.
ومن هنا برز هذا التحدي أمام علماء الاقتصد الإسلامي، ما البديل عن الفائدة كأداة لسعر الخصم؟
الربح الاحتمالي
استهدى علماء الاقتصاد بالمقابلة القرآنية بين ( البيع، والربا) في قوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إلى أن العائد المحقق من عملية البيع ،هو الأساس العلمي السليم الواجب استخدامه كأداة للخصم.
ويرجع مفهوم القيمة الحالية من منظور إسلامي إلى الفرق النقدي المحقق من سعر البيوع الآجلة عن السعر النقدي، وهو الفرق الذي اعترف به الفقهاء، وأجازوه في بيع السلم والبيع الآجل.
مميزات استخدام الربح الاحتمالي
(أ) أنه يستند إلى أسس علمية وموضوعية بعيدا عن التقدير الشخصي أو التحيز .
(ب) يعتبر أداة مقارنة صحيحة؛ لأنها تعتمد على العائد الفعلي للنشاط.
(ج) أن الربح الاحتمالي أو معدل الربح المتوقع هو الأساس السليم الذي يمكن استخدامه في ظروف عدم التأكد، وبذلك يأخذ في الحسبان مشكلة عدم التأكد عند التوصل إلى معدل الخصم المطلوب، فهو يمثل بذلك المدخل المناسب لتمثيل الفرص المتاحة أمام المشروع.
(د) يستند الربح الاحتمالي إلى الأسس والأحكام الفقهية الإسلامية، ويرفض الطرق الأخرى المخالفة لها كاستخدام سعر الفائدة، وبذلك فهو يصلح للاستخدام في الاقتصاد الإسلامي، كما يصلح في الاقتصاديات الأخرى.
طرق تقدير الربح الاحتمالي المستخدم في معدل الخصم :
قدمت عدة طرق لتقدير الربح الاحتمالي منها :
المقترح الأول : مقترح الدكتور معبد الجارحي
هذا النظام، أسماه اختصارا باسم ( معام) وهو اختصار لـ ( معدل العائد على الودائع المركزية قصيرة الأجل)
وهو العائد الذي تحدده البنوك المركزية على الودائع التي تمنحها للبنوك التجارية. لكن مشكلة هذا المقترح أنه يشترط لصحة تطبيقه أن يكون النظام المصرفي نظامًا إسلاميا كاملا قد تخلى عن الفائدة، وهو ما لا يتحقق الآن إلا في بلاد إسلامية قليلة جدا.
كما أن هذا العائد يقيس الاستثمارات قصيرة الأجل، فماذا تفعل دراسات الجدوى في المشروعات طويلة الأجل، وهي المشروعات الأكثر!
كما أنه يتعامل مع المعطيات التاريخية، ولا يصلح لأداء العائد المستقبلي.
المقترح الثاني : مقترح الدكتور سيد الهواري
وهذا الاقتراح يقترح أن يكون معدل الخصم هو “معدل العائد على أحسن استثمار بديل يتصف بنفس مواصفات المشروع تحت الدراسة ”
ويلاحظ على هذا المقترح ما يلي:
-أنه يقترح معدل عائد واحد مختار، وليس نسبة متوسطة لعوائد الاستثمارات البديلة.
-أن هذا المعدل يختص بأحسن استثمار بديل، وهذا ما سيؤدي إلى رفع معدلات الربحية المطلوبة على الاستثمارات محل التقييم. فإذا كان الاستثمار البديل يتوقع نسبة ربح (10%) فإن الدراسة سترفع معدل ربح المشروع المقدم إلى نسبة أعلى.
– أنه يتناسى مقارنة خسائر المشروع المعد بالمشروع البديل.
المقترح الثالث : مقترح الدكتور حسين شحاتة
يقترح د. حسين شحاتة استخدام “متوسط النسبة المئوية للأرباح المتوقعة إلى رأس المال المستثمر” .
ويلاحظ على هذا المقترح:
(أ) أن استخدام متوسط النسبة المئوية للأرباح يتطلب إعداد بيانات الربحية للمشروعات الأخرى، ولكن لم يتم توضيح المقصود بهذه النسب المئوية، وهل تعني الطريقة المشروعات المثيلة أم المشروعات الأخرى بصفة عامة؟.
(ب) أن هذه الطريقة تهتم بالأرباح المتوقعة بالمستقبل أكثر من اهتمامها بالماضي، لكنها لم توضح كيفية استخراج متوسط هذه النسبة.
(ج) إن هذه الطريقة تساوي بين جميع أنواع المشروعات البديلة بغض النظر عن أهميتها النسبية.
المقترح الرابع : مقترح الدكتورة كوثر الإبجي
وهذا المقترح يعتمد الخصم على استخدام “متوسط المعدل المتوقع مقدرا بأوزان نسبية لعوائد الاستثمارات المثيلة التي تتصف بنفس درجة المخاطرة للمشروع تحت الدراسة”.
هذه بعض المقترحات التي قدمت لمعالجة هذا التحدي، وهي مقترحات تشكر لأصحابها، ولا تعني مناقشتها الاستهانة بها.
كما أن هذه التحديات تثبت أن إلغاء الفائدة، والتخلص من النظام الربوي وآثاره ليس مجرد قرار شفهي، ولكنه يحتاج إلى دراسات معمقة لترميم ما عساه يخلفه من آثار وفجوات تطال النظام الاقتصادي بأكمله.
المراجع :
دراسة جدوى الاستثمار في ضوء أحكام الفقه الإسلامي .د .كوثر عبد الفتاح الأبجي.
الاستثمار الخاص…محدداته وموجهاته. د. عبد الجبار السبهاني.