هذا شرح مختصر ميسر على مذكرة مصطلح الحديث لشيخنا أبي يوسف عبد الرحمن عبد الصمد رحمه الله تعالى، رجونا بها أن نسد فراغاً لدى الشباب في هذا الفن المتعلق بسنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وقبل الشروع بالمقصود، نقدم بترجمة مختصرة للشيخ رحمه الله.
هو الشيخ «أبو يوسف» عبد الرحمن بن يوسف بن محمود بن حسين بن علي بن عبد الصمد، من عائلة الفقهاء «وهي قبيلة كانت تسكن ضواحي مكة المكرمة نزح منها فخذ يقال لهم الفقهاء وسكنوا بلقاء الأردن ولا يزالون إلى الآن يسمون بهذا الاسم.
ولد عام 1927 ميلادي في بلدة عنبتا قضاء طولكرم التابعة لنابلس في فلسطين توفي والده وعمره دون السابع وتوفيت أمه وهو دون التاسعة فنشأ يتيماً يرحمه الله. استكمل التعليم الذي كان في بلدته – عنبتا – يومذاك. رحمه الله تعالى. ثم خرج الشيخ من فلسطين إلى لبنان فسوريا فاستقر في حلب وذلك بعد عام 1944. وتزوج رحمه الله تعالى في عام 1955 من امرأة حلبية فاضلة فكانت خير معين له على الدعوة. رزق الله الشيخ ثلاث بنين وهم «يوسف وبه يكنى» وعبد الله وعبد العزيز وأربع بنات.
مصطلح السنة
السنة لغة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة «من سن في الإسلام سنة حسنة» ـ الحديث
و السنة في اللغة أيضاً: الطريقة و الهدي، و حديث «من سنّ في الإسلام سنة حسنة» رواه مسلم في الزكاة (2/705) و في العلم (4/2059) عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه . ومنه حديث «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر..» متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
السنة في الشرع: هي كل ما أمر به النبي ﷺ أو نهى عنه أو نَدَبَ إليه قولاً أو فعلاً.
السنة عند المحدثين: هي كل ما نقل عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقية أو خُلُقية أوسيرة سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها (انظر السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي (صـ 47) المصطفى السباعي رحمه الله تعالى.)
مثال السنة القولية: قوله ﷺ «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه .
مثال السنة القولية: قوله ﷺ «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه .
و مثال السنة الفعلية: ما نقله الصحابة من أفعال النبي ﷺ في العبادات كالصلاة والصيام و مناسك الحج و غيرها.
و مثال السنة التقريرية: ما جاء أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أكل الضب بين يديه، أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنه .
والسنة عند الفقهاء: ما يقابل الواجب، و قد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم: طلاق السنة و طلاق البدعة.
والسنة بالمعنى العام: هي ما كان عليه النبي ﷺ و أصحابه و الذن اتبعوهم بإحسان إلى يوم الذين.
ومنه قوله ﷺ : «عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي» رواه أحمد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه، وهو صحيح، و هي تقابل البدعة.
مصطلح البدعة
البدعة في اللغة: كل جديد مستحدث. وأصل مادة «بدع» للاختراع على غير مثال سابق، و منه قول الله تعالى {بديع السموات و الأرض} أي مخترعها من غير مثال سابق متقدم، و قوله {قل ما كنت بدعاً من الرسل} أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة. الاعتصام للشاطبي(1/49). ويقال: ابتدع فلان بدعة: يعني ابتدأ طريقة لم يسبق إليها. فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة. انظر الاعتصام للإمام أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى (1/49).
البدعة في الشرع: هي كل ما أحدثه الناس في الدين بطريقة مخترعة، لم يعمل بها محمد ﷺ و لا خلفاءه و لا الصحابة و لا الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين، يقصد بها التقرب إلى الله و زيادة في التعبد، سواء كانت في الأقوال أو الأفعال أو الاعتقاد، و سواء كانت بالفعل أو الترك(5).
مصطلح الحديث
الحديث في اللغة: هو كل ما جد من الأشياء.
الحديث في الشرع: هو مرادف لتعريف السنة في اصطلاح المحدثين، وهو كل ما نقل عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير و هو المعبر عنه في القرآن بـ {الحكمة} . كما في قوله تعالى {و أنزل عليك الكتاب و الحكمة و علمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً} (النساء:113). و انظر الرسالة للإمام الشافعي (صـ93، 103) إذ قال: «فكان مما ألقي في روعه سنة، و هي الحكمة التي ذكر الله..» (2)الحديث القدسي كلام يضيفه النبي ﷺ إلى الله تعالى فالرسول ﷺ ناقل لهذا الكلام راوٍ له. و حديث «أتدرون ماذا قال ربكم..» في المطر، رواه البخاري و مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه . و حديث «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..» هو من أطول الأحاديث القدسية، رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه .
الحديث القدسي: هو كل حديث نسبه النبي ﷺ إلى الله جل و علا مثل قوله ﷺ «أتدرون ماذا قال لكم ربكم..» الحديث، و مثل قوله ﷺ قال الله تعالى «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعله بينكم محرماً..» الحديث القدسي كلام يضيفه النبي ﷺ إلى ا& تعالى، فالرسول ﷺ ناقل لهذا الكلام راوٍ له، وحديث «أتدرون ماذا قال ربكم…» في المطر، رواه البخاري ومسلم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه . وحديث «يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي…» هو من أطول الأحاديث القدسية، رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
مصطلح السند
السند في اللغة: هو المعتمد، يقال: أسنده إذا جعله يستند إلى شيء من جدارٍ أو غيره. و أسند الكلام: رفعه إلى قائله.
السند في الاصطلاح: هو الطريق الموصل للمتن و بعبارة أوضح هوسلسلة الرواة الذين نقلوا المتن من مصدره الأول مثل قولهم «حدثنا فلان حدثنا فلان حدثنا فلان قال قال رسول الله ﷺ .
فائدته: معرفة منزلة الحديث صحة و ضعفاً من حيث نقلة.
الإسناد من خصائص هذه الأمة و مما تفردت به، و به يعرف الصحيح من الضعيف. قال الإمام النووي في تبويبه على مقدمة صحيح مسلم (صـ 14) باب بيان أن الإسناد من الدين، و أن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، و أنه جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل واجب، و أنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذبِّ عن الشريعة المكرمة. و مما جاء تحت هذا الباب: عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. و قال أيضاً: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم، و ينظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم.
و قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، و لو لا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
و قال: بيننا و بين القوم: القوائم، يعني الإسناد.
الإسناد: هو رفع الحديث إلى قائله «البخاري عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس قال قال رسول الله ﷺ .
المتن في الاصطلاح: هو الألفاظ التي يتكون منها الحديث، مثل «إنما الأعمال بالنيات» (1).
تقسيم الحديث باعتبار عدد نقلته
يقسم الحديث بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1- الحديث المتواتر : هو ما رواه جمع تُحيل العادةُ تَواطؤهم على الكذب، عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه، على أن لا يختل هذا الجمع في أي طبقة من طبقات السند. أي هو الحديث الذي يرويه في كل طبقة من طبقات سنده، جماعة من الرواة ،يستحيل أن يكونوا قد اتفقوا على اختلاق هذا الخبر، لتباعد بلدانهم و تباين مشايخهم و نحو ذلك، و استندوا إلى أمر محسوس كقولهم: سمعنا أو رأينا.
التواتر لغة: هو التتابع، تقول: تواتر المطر أي تتابع نزوله.
حكم العمل به: إنه مما لا شك فيه أنه يجب العمل به، و يكفر جاحده لأنه قطعي الثبوت. لأن جاحده مكذِّب للرسول ﷺ ، و مكذِّبه كافر بلا شك.
أقسام الحديث المتواتر
ينقسم إلى قسمين:
(ا) تواتر في اللفظ. (ب) تواتر في المعنى.
(ا) المتواتر باللفظ: هو ما رواه جَمعٌ عن جمعٍ من الثِّقات العدول من أول السند إلى منتهاه بلفظ، مثل «من كذَبَ علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» (الحديث رواه الشيخان، وذكر الإمام النووي في شرحه على مسلم: عن بعض الحفاظ: أنه روي عن اثنين و ستين صحابياً وفيهم العشرة المبشرون في الجنة، و أنه لا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة إلا هذا، و لا حديث يروى عن ستين صحابياً إلا هذا. و في «لقط اللآلئ المتناثرة» للزبيدي (صـ 261 ـ 263) عدّ (99) طريقاً. و في صحيح الجامع الصغير للشيخ الألباني رحمه ا& (6395) ذكره عن ثلاث و ستين صحابياً).
(ب) المتواتر بالمعنى: هو ما اتفق نقلته على روايته بالمعنى دون المطابقة في اللفظ (أي اتفقوا على المعنى الكلي للحديث.) ، مثل: أحاديث الشفاعة، و أحاديث الرؤية، و أحاديث نبع الماء من بين أصابعه ﷺ و غير ذلك
2- الحديث المشهور: هو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنتين، و لم يبلغ حد التواتر. والحديث المشهور لغة من: شَهَرْتَ الأمر، إذا أعلنته و أظهرته، و سُمِّي بذلك لاشتهاره، و قال الحافظ ابن حجر: سُمي بذلك لوضوحه. و هو اصطلاحا: ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة، ما لم يبلغ حد التواتر. و التعريف الذي ذكره شيخنا هو تعريف الحافظ ابن حجر، كما في «نزهة النظر» (صـ29).
و أشهر المصنفات فيه: «المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة» للسخاوي، و «كشف الخفاء و مزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس» للعجلوني.
3- الحديث الآحاد: هو ما رواه الواحد أو الاثنين فأكثر، و لم يبلغ حد المشهور أو المتواتر. أما ما لا يقل رواته عن اثنين في جميع طبقات السند، فهو: العزيز. و سمي بذلك: إما لقلة وجوده، و إما لكونه عزّ، أي: قوي بمجيئه من طريق أخرى. انظر نزهة النظر (صـ 29). أما ما انفرد بروايته راو واحد في أي موضع من السند، فهو الغريب و هو الفرد أيضاً وسيأتي تفصيله .
حكم العمل بهما: وجوب العمل بهما، عند توفر شروط القبول فيهما. و هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، أن كل حديث صح سنده يوجب العلم و العمل جميعاً و الاحتجاج به في العقيدة وغيرها، و قد صح عن الأئمة الأربعة جميعاً قولهم: إذا صح الحديث فهو مذهبي، انظر مقدمة صفة صلاة النبي ﷺ للعلامة الألباني حفظه الله تعالى، و للإمام المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى بحث في المسألة في «مختصر الصواعق» (2/359/446).
أقسام الحديث من حيث القبول و الرد
يقسم الحديث من حيث القبول، و الرد إلى قسمين: (ا) مقبول، (ب) مردود.
(ا) المقبول: ما توفرت به شروط القبول، من عدالةٍ، و ضَبْط، و اتصال سند و غيره.
(ب) المردود: ما فَقَد شروط القبول أو بعضها.
المقبول و المردود
فالحديث من حيث القبول و الرد يقسم إلى ثلاثة أقسام كلية: (ا) صحيح (ب) حسن (جـ) ضعيف.
الصحيح :والصحيح لغة ضد السقيم. وهو الحديث المسند، الذي اتصل سنده، برواية العدل الضابط، عن مثله، من أول السند إلى منتهاه، من غير شذوذ و لا علة، خمسة شروط وهي: 1ـ اتصال السند، 2ـ عدالة الرواة، 3ـ ضبط الرواة، 4ـ عدم العلة، 5ـ عدم الشذوذ.. فإذا اختل شرط واحد من هذه الشروط فلا يسمى الحديث صحيحاً.
(1) اتصال السند: هو كل سند ليس فيه انقطاع، و لا إعضال، و لا تعليق، و لا إرسال، و لا تدليس. فالسند المتصل هو الذي سمع رواته بعضهم من بعض إلى منتهاه.
(2) العدالة: أن يكون جميع الرواة عدولاً، مستقيمين على دين الله، أخلاقهم حسنة و عالية، سالمين من الفسوق و خوارم المروءة. والأصل في هذا الشرط قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} (الحجرات: 6). وقال ابن سيرين رحمه الله تعالى: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
(3) الضبط: هو تيـقُّظ الراوي حين تحمُّلهِ و فهمه لما سمعه، و حفظ ما تحمله من وقت التحمل إلى الأداء، مع العلم التام، بما يرون إن حدّث من حفظه، و حفظ كتابه من دخول التحريف و التبديل أو التبديل أو النقص إن حدّث من كتابه. والضبط إما ضبط صدر، و إما ضبط كتاب.