في وقفتنا التربوية هذه نتناول أدبا مهما لتأثيره على النفوس وأخذه بمجامع القلوب، عن الحفاوة والترحيب بطالب العلم .
أخرج الطبراني في المعجم الكبير قال: حدث صفوان بن عسال المرادي قال: أتيت رسول الله ﷺ، وهو متكئ في المسجد على برد له فقلت له: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم، فقال: «مرحبا بطالب العلم، طالب العلم لتحفه الملائكة وتظله بأجنحتها، ثم يركب بعضه بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب، فما جئت تطلب؟»…
نلاحظ هنا حسن استقبال النبي ﷺ لصفوان ولم يقل في الترحيب مرحبا بصفوان بل قال مرحبا بطالب العلم، فكل من جاء يطلب علما ويريد هدى فهو يستحق هذه الحفاوة وهذا الإكرام.
ولا شك أن هذا الترحيب وتلك الحفاوة سيكون لهما عظيم الأثر في نفس صفوان أو من يفعل به ذلك. فلكم أن تتخيلوا كم هو أثر هذا الترحيب وتلك الحفاوة في نفس صفوان، هل تراه يزهد في طلب العلم بعد ذلك؟
في بعض الأحيان يأتـي الطالب إلى محاضرة أو حلقة علم فلا يلقى تلك الحفاوة بل قد يقابل بشيء مــن البـرود (.. لا بأس، اجلس مع زملائك..) دون أن يسمع كلمة ترحيب، بل ربما استُقبل بعارضة من الشروط (شروط القبول) وقد يعود يعود أدراجه بسبب تلك المعاملة. وفي هذا مصداق لقول النبي ﷺ: ” يا أيُّها الناسُ، إِن منكم مُنفرين،”. إي والله هناك من ينفر عن طلب العلم وهناك من ينفر عن حضور الجماعة في الصلاة وهناك من ينفر عن الدين فليتق الله هؤلاء.
لقد كان من يقابل النبي ﷺ ولو لأول وهلة يجد عنده من الحفاوة والترحيب وحسن الاستقبال ما يجعل النفوس تنجذب إليه وتأنس بحديثه.
في مسألة الحفاوة والترحيب بطالب العلم لا ينبغي أن نتعامل مع المتعلم على أننا أصحاب منَّةٍ عليه وتفضل، بل ينبغي أن نستشعر أنه هو صاحب المنة علينا لنحمله الأمانة التي تحملنا وليحمل هنا العلم والأخلاق والتربية فينشر ذلك. فرحم الله من جاءنا يحمل عنا زادنا إلى الآخرة.
من الجفاء العظيم لدى بعض المربين والمدرسين أن يعتبر مجرد قبوله لطالب العلم أن يدرس عنده كافياً في الإكرام، لا شك أن للمدرس وللمربي حقاً كبيراً، وفضلا عظيما لكن لكي يدرك الطالب ذلك لا بد ان نشعره بالقرب منه والحفاوة به لنغرس في قلبه إكرام أهل العلم وتقدير أهل الفضل. وفي سيرة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه ما يدل على ذلك الأدب.
لما أتاه وفد عبد القيس رحب بهم -ﷺ-، فقال: “مرحبا بالوفد، غير خزايا ولا ندامى”.
ولما قدم الأشعريون أهل اليمن قال النبي -ﷺ-: “أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان (وفي طريق: الفقه) يمان، والحكمة يمانية”.
وقد ذكر ابن كثير في وفادة وائل بن حجر الحضرمي على رسول الله ﷺ أنه بشر أصحابه قبل قدومه به، وقال: يأتيكم بقية أبناء الملوك. فلما دخل رحب به وأدناه من نفسه وقرب مجلسه وبسط له رداءه. وقال: ” اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده “..
هكذا كان خلقه ﷺ فأسر القلوب وأخذ بمجامع النفوس.