(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) حقيقة حياتية لا ريب فيها. والآية الكريمة إشارة واضحة إلى أن التغيير الناجح أو تحول واقع ما نحو الأفضل، إنما يتطلب أولاً أن يقع التغيير في الذين يقومون على أمر ذلك الواقع، سواء كانوا على شكل أفراد أو على هيئة كيانات سياسية، إدارية، مالية أو غيرها.

وبصورة أكثر وضوحاً، على شكل شركات، وزارات، دول، أمم وغيرها.

يحكى أن ملكاً كان يحكم دولة واسعة جداً، وأراد هذا الملك القيام برحلة برية طويلة ذات يوم. وبعد أن قطع شوطاً في الرحلة، بدأ في رحلة الرجوع، وخلال العودة وجد أن قدميه تورمتا بسبب كثرة المشي في الطرق الوعرة، فأصدر أمراً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد !

لكن أحد المستشارين حوله، أشار عليه برأي آخر وجده أفضل مما ذكره الملك نفسه، وهو صناعة قطعة جلد صغيرة تكون تحت قدمي الملك فقط تمنع تورم قدميه. فارتاح الملك وأراح من كان حوله من عمل ضخم بلا جدوى، فكانت تلك الفكرة أيضاً بداية صناعة الأحذية – أعزكم الله.

العبرة من القصة أنه إذا ما أردت أن تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم، بل ابدأ مشروع التغيير في نفسك أولاً، وابذل جهدك عليه، ومن ثم ابدأ في تغيير ما حولك من بشر وحياة بقدر ما تستطيع.

إن أراد نفرٌ تغيير واقع شركة مفلسة مثلاً، أو وزارة فوضوية أو حتى دولة متدهورة أحوالها، فلا بد أن يحدث التغيير أولاً فيمن سيقومون على أمر التغيير. سواء كان على شكل إعادة تأهيلهم وتدريبهم، أو حتى ابعادهم عن مواقع الإدارة والمسؤولية. ومن ثم يتم بعد ذلك تغيير الأنظمة والإجراءات والقوانين في تلك الكيانات. وهكذا، يكون أولئك النفر قد بدأوا الخطوات الأولى في تجسيد الآية أو أحد أبرز قوانين التغيير الحياتية { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد: 11).

تغيير الكيانات البشرية إلى الأفضل حسب هذا القانون، يتطلب أن تطول عمليات التغيير كل الفاسدين والظلمة، والمرجفين والمنافقين، وكذلك المستفيدين من أوضاع التردي وأشباههم كثير كثير. إن مثل هذه التغييرات لا يمكن تحقيقها بالأماني والأحلام. بل بعمل صحيح ووفق رؤى سليمة بعيدة، وعلى أيدٍ مخلصة أمينة، ترى التغيير هو الحل الأنجع والأنجح في تغيير واقع سلبي محبط كئيب، إلى واقع آخر مشرق إيجابي سعيد.

التغيير لا يمكنه أن يكون فاعلاً واقعاً ذا تأثير عميق ما لم يكن ناتجاً عن رغبة عارمة جازمة حازمة، وفيما غير ذلك لن يكون القيام بالعملية التغييرية بالصورة المثالية من تلك التي ترى أثرها إيجابياً على الواقع المراد تغييره.

إذن واحدة من شروط التغيير الأساسية أن يكون بناء على رغبة عارمة في إحداث التغيير. وكلمة عارمة تفيد هذا المعنى. أي أن تتكون لدى راغبي التغيير، نهمٌ وشغف بتغيير ما يرغبون في تغييره، بحيث لا يمكن أن يحول بينهم وبين التغيير حائل، أو يمنعهم مانع.

بهذه الروح وبهذا التصميم وذاك الحزم، ستتغير الأمور والوقائع، لأن هذا هو المنطق السليم في التغيير كما بينته الآية الكريمة. نقطة البداية تكون من الداخل، سواء كانت على شكل أفراد أو لوائح وإجراءات أو أخلاقيات وقيم أو غيرها من عوامل التدهور والواقع السيء الذي عليه الكيان المراد تغييره، وتغيير ما يحيط به. ثم بعد ذلك ينتقل التغيير تدريجياً نحو الخارج أو المحيط..

ولنا في رسولنا الكريم الأسوة والقدوة الحسنة.

لاحظ وبتوجيه إلهي، كيف بدأ تغيير واقع متكلس جاهل غارق في الظلم والفوضى، ونقله إلى واقع آخر بشكل مختلف تماماً. فهو بدأ بعملية التغيير من الداخل أولاً، فأنذر عشيرته الأقربين، وشرح لهم دعوته.

هكذا بدأ بهم ثم توسع تدريجياً في اختيار من سيكون لهم أدوارهم المؤثرة قريباً في عملية تغيير واسعة شاملة، وهكذا تدريجياً خلال سنوات ثلاث حتى اكتملت العملية بفضل من الله، لتتواصل عمليات التغيير يوماً بعد آخر وتكتمل خلال ثلاثة وعشرين عاماً حافلة، ليأتي عليه الصلاة والسلام ويقرأ على أصحابه { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة :3).

والله سبحانه كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.