في أحد حلقات المسلسل الكرتوني ” جيتسونس” اشتكى جورج جيتسون مرة من أعباء العمل الثقيل. كان ذلك مدعاة للضحك وللتفكير حول مستقبل العمل. كانت وظيفته هي الضغط على زر لمدة ساعة، مرتين في الأسبوع.
رؤيتنا المثالية للمستقبل، تشبه مسلسل الكرتون “جيتسونس” الذي رسم صورة تعتمد على التكنولوجيا بشكل أكبر وتقل فيه ساعات العمل مقابل منحنا وقتا إضافيا مع العائلة والأصدقاء ويسمح بمتابعة شغفنا في الحياة.
ولكن هل هذا ما نريده حقا؟ هل يمكننا كمجتمع التعامل مع هذا التحول في الحصول على وقت فراغ أكبر؟
في هذه المرحلة ارتفعت عدد من الأصوات الرائدة في وادي “السيليكون” – منطقة غرب الولايات المتحدة تضم جميع أعمال التقنية العالية- مطالبة بالحصول على دخل أساسي عالمي يتناسب مع ذلك المستقبل الذي تسير في نفس الأعمال كما هي عليه الان بدوام كامل.
السؤال المطروح عما إذا كانت ثقافتنا يمكن أن تتكيف مع وجود أعمال أقل وأوقات فراغ أكثر ؟
يقول أفي ريشنتال، عندما طرح عليه سؤالا حول ما إذا كنا نرغب في تكنولوجيا تزيد أوقات فراغنا “نظريا، أعتقد أن هذا أمر يريده الأمريكيون”. ريشنتال هو مؤسس ورئيس “زبوننتيالوركس” ، وله أراء بشأن التقارب مع الاتجاهات التكنولوجية.
ويعد ريشنتال من أصحاب الرؤى المستقبلية ويعمل في مجلس مؤسسة الابتكار “إكسبريز” ويتحدث بانتظام عن اتجاهات المجتمع حيال هذا الأمر.
يضيف ريشنتال “نحن نجد أنفسنا متسقين مع الطبيعة البشرية، ولنا رغبة في الإنتاج وزيادة الانتشار مع سهولة التواصل”.
إن المفارقة الكبيرة للتقدم التكنولوجي هو أنه في عام 2017، نجد أنفسنا مرهقين تماماً. ألا ينبغي أن يكون لدينا وقت فراغ أكثر اليوم؟ وهذا يتناقض مع الطريقة التي نرسم بها الهدف المعلن للتقدم التكنولوجي – وهو تسهيل أسلوب الحياة – الحقيقة أننا لا نملك نفس حياة الشخصية الكرتونية جورج جيتسون !
لماذا كل هذا؟ هل هناك أسباب أخرى؟ لماذا نعمل بقدر ما نقوم به (في الثقافات الغربية وخاصة أمريكا) ؟
في أمريكا، نحن في كثير من الأحيان نمثل حياتنا المهنية، لا نقوم بالعمل لمجرد الحصول على راتب بل لأنه يوفر شعورا بتحقيق الأهداف والهوية. إن أحد الشواغل المتعلقة بمفهوم الدخل الأساسي الشامل هو أنه قد لا يأخذ في الاعتبار الحالة الإنسانية المتعلقة بعملنا. كيف يمكننا التكيف مع مستقبل يركز بشكل أقل على مهننا؟
كتب توم فرييرز مقالة عن علاقة العمل بالهوية والصحة نشرت في مجلة علم الأوبئة في الصحة العقلية : ” ينظر إلى العمل على أنه ليس مجرد مصدر دخل، بل يعطي شرعية اجتماعية لحياتنا، وبالنسبة لآخرين قد يكون المصدر الرئيس للهوية الشخصية، بحيث يمنح شعورا بالأهمية والقيمة ولذلك ترى ضرورة الاحترام وتقدير الذات. المهنة أو التجارة تعطينا هوية مثال ذلك الطبيب، والمعلم، والمهندس، والميكانيكي والسكرتير، والكهربائي، وقد تعطينا وظيفة معينة، مستقلة عن المهنة أو التجارة، مثل هوية مستشار أو مدير أو رئيس عمال أو قائد فريق عمل أو قد نستمد شعوراً بالهوية ببساطة من كوننا مشاركين ومساهمين؛ فالأشخاص الذين لا يستطيعون العمل أو لا يستطيعون العثور على عمل في مجتمعنا قد يكون مفهوما أن يحسدوا حتى هذه الهوية “.
عند الدخول في أي تجمع اجتماعي، فإن السؤال الأول الذي يطرح عادة هو: ماذا تعمل؟
وبطبيعة الحال، فإن السؤال هو طريقة مبسطة لتصنيفك وفق حياتك المهنية، إذا كانت التكنولوجيا الناشئة تعطل قدرتنا على ربط هويتنا بمهنتنا، يجب على المرء أن يتساءل عما إذا كان المجتمع يمكنه التعامل مع هذا الانتقال، في حين أن وجود هوية تركز بشكل أكبر على العاطفة ( إذا حررت التكنولوجيا قدرا كبيرا من وقتنا) فإنها تتعارض مع معايير ثقافية لدينا .
يقول ريشنتال: “أعتقد أنه سيتم الإعداد لذلك على مستوى الأجيال القادمة وعلى مدى فترة زمنية أطول، وسيكون مطلوبا القيام بذلك بطريقة هادئة حتى نتمكن من الانتقال بأسلوب تقل فيه الصدمات، فالتكنولوجيا لن تغير الطبيعة البشرية”.
ويشير رايشنتال إلى كل من رأيه المتفائل بشأن استفادة المجتمع من التكنولوجيا في خلق ثروة من الموارد، وكيف أن هناك جوانب متأصلة بعمق في الطبيعة البشرية يصعب تغييرها. ويقول: “إن بعض القيمة التي نوفر فيها الربط الاقتصادي ستولد وفرة بطريقة تسمح لكل من يشارك في النظام البيئي بالعيش بشكل جيد”. وأضاف “هذا لا يعني أننا سنتمكن من تحرير أنفسنا من مخاوفنا وقلقنا”.
في المستقبل، قد تؤدي الكفاءات وتوليد الثروة من خلال التكنولوجيا إلى وجود وقت فراغ أكبر. هذا الوقت يمكن أن نستغله لمتابعة هواياتنا وقضاء وقت أكثر مع العائلة والأصدقاء ونبتعد عن النظر للمهنة كمصدر هوية.
نحن بحاجة لمعرفة ما إذا كان هذا هو المستقبل الذي نريده حقا وكيف سيتم التعامل معه.