تزداد التحديات التي تواجه الدعوة والدعاة تعقيدًا مع تشابك الحياة، وتأثير مجالاتها بعضها في بعض.. ولا شك أن هذه التحديات تمثل عبئًا ثقيلاً على الدعاة يعوقهم عن أداء رسالتهم، إن لم يتعاملوا معها بوعي وبصيرة..
فما أهم هذه التحديات؟ وكيف نتغلب عليها؟ وما أهمية الزاد المعرفي لدى الدعاة؟ وهل للدعاة دور في “الشأن العام”، وما طبيعته؟.. هذه الأسئلة وغيرها نحاول أن نبحر في إجاباتها مع الدكتور محمد عزب، الأستاذ المشارك بقسم الدعوة وأصول الدين بجامعة المدينة العالمية.
ود. محمد عزب مهتم بالشأن الفكري والدعوي وتحقيق التراث.. ومن أهم مؤلفاته: الطريق السالم إلى الله، لابن الصباغ- دراسة وتحقيق. محاسن المجالس لابن العريف الصنهاجي- تحقيق. منهج ابن الجوزي في دراسة الفرق الإسلامية. موقف العلماء من ظاهرة التصوف الفلسفي: ابن مسرة الجبلي نموذجًا. فهم الدليل على غير وضعه وأثره في نشأة التكفير وشيوعه.
فإلى تفاصيل الحوار..
كيف ترى المشهد الدعوي المعاصر.. مع التسليم بوجود تباينات خاصة بكل بلد عربي أو إسلامي؟
المشهد الدعوي هو صورة للحالة العامة التي تمر بها أمتنا المسلمة، من أقصاها إلى أقصاها؛ فعلى الرغم من بعض الصور الطيبة التي توجد فيه، إلا أنه بشكل عام ليس على الصورة المرضية لما ينبغي أن يكون عليه؛ فالخطاب الدعوى من مهامه أن يكون حصنًا منيعًا ضد تيارات التغريب، ويعالج حالة الانفلات الأخلاقي والديني في المجتمع، كما أنه الركيزة الأساس لتمكين الخير والحفاظ على وجوده، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: 104).
وحين ننظر إلى هذه المستويات في الخطاب، نجده بعيدًا كل البعد عن هذه المهام والأهداف، والكثير من أهله يشغلهم قضايا لا وجود لها في واقع الناس، كما أن السعي لتمكين الخير لا يمثل غاية في عموم الخطاب الدعوي؛ لأن كثيرين ممن يقومون به مشغولون بالتبكيت وبكاء الماضي التليد، وما كان عليه الأقدمون، أو التغني بمآثرهم وفتوحاتهم وزهدهم وعبادتهم.
ما أهم التحديات التي تواجه الدعاة؟
الدعاة هم ركيزة أساسية في حالة الوعي التي تبحث عنها الأمة، بيد أن التحديات التي تواجه الدعاة عديدة منها: ضعف المقررات التعليمية التي يدرسها الدعاة في المؤسسات التعليمية.. وضعف الممنوح لهم بعد ممارستهم العمل الدعوي.. وسريان أميِّة دينية في كثير من شرائح المجتمع؛ مما يشكل عبئًا كبيرًا عليهم.. يضاف لذلك تيارُ الحياة المتسارع الذي يجرف الدعاة في طياته، فيجعلهم غير متفرغين ذهنيًا ونفسيًا للدعوة.. وتمكينُ تيارات علمانية متطرفة تطرح قضايا زائفة تستنفد جهدهم الدعوي.
بجانب هذا، يوجد فريق من الدعاة لا يترسم خُطا واجبة؛ من الاتزان في الفعل والقول، مما يؤثر سلبًا على المنضبطين بحدود العمل الدعوي رسمًا ومنهجًا.
كما أن من التحديات التي تواجه الدعاة أيضًا وجود تباين خطير داخل الصف الدعوي في ترتيب الأولويات من ناحية، وفي طرح القضايا ومعالجاتها من ناحية أخرى.. وقد جاء في المسند وغيره عن معاوية رضي الله عنه: “نهى رسول الله ﷺ عن الْغُلُوطَاتِ. وجاء في تفسير الْغُلُوطَاتِ- وفي رواية: الأُغْلُوطَاتِ- أنها شِدَادُ المسائل وصِعَابها. فكم ممن يسلك طريق الدعوة بضاعته شرار المسائل أو شوارد الأحكام، أو غرابة القصص.. مما يسهم في تبديد الجهد الدعوي لتلافي مثل هذه الغرائب من خلال أهل الدعوة الحقيقيين.
وفي الحديث عن التحديات، لعلنا نلاحظ أيضًا أن الظروف السياسية في كثير من البيئات تضغط على الخطاب الدعوي، وتحاول أن تحرفه عن الجادة يمينًا أو يسارًا؛ حتى تكتسي شرعية من خلاله، وتضمن ألا يمارس دورًا في توعية لا تتفق مع رؤيتها.
لاشك أن الزاد المعرفي، أو توافر الوعي لدي الدعاة؛ أمر أكثر من مهم.. كيف يمكن الارتقاء بهذا الجانب عندهم؟
الزاد المعرفي للدعاة هو الركيزة الأهم التي تجعلهم قادرين على مواجة التيارت التي تمور في المجتمع، إذ من خلالها يستطيعون تمييز الزائف والحقيقي من المشكلات، ووضع كل في إطاره؛ فالزاد المعرفي يجعلهم لا يستهينون بما حقه أن يكون مهمًا، ولا يهتمون بما حقه أن يكون مهملاً.
وهذا الجانب يحتاج في تنميته إلى جهد مؤسسي يدرك أهمية تنشئة الداعية تنشئةً تجعله قادرًا على حمل الدعوة والانطلاق بها؛ فينبغي أن يمر الداعية بعدد من الدورات الاجتماعية والنفسية والإدارية، والإعلامية، والسياسية؛ بحيث يكون قادرًا على الوقوف على حقيقة ما يدور حوله، وكيف يُنمي فكره وقوله وتصرفه تجاه المواقف.. يسبق هذا كله الزاد المعرفي التراثي، خاصة الفقه، وأخص كتب النوازل الفقهية والأقضية؛ إذ تمثل رافدًا مهمًّا للتعاطي مع الأحكام والأدلة الشرعية، وتخلِّص الداعية من الظاهرية التي تجعله كالحجر الصلد في مواجهة مشكلات الناس المعروضة عليه، أو المتناول لها من تلقاء نفسه.
وفي هذا السياق نذكر ابتعاث النبي ﷺ لمصعب بن عمير سفيرًا لأهل المدينة، وكان من سمات مصعب علم مكين واتزان نفسي، بما جعله يحمل الإسلام لأهل المدينة من خلال موقفه مع سادات أهلها، مثل أُسيد بن حضير وسعد بن معاذ؛ فقد جاءه أسيد بن حضير متجهمًا متشتمًا، فقال له مصعب بكل اتزان: أو تجلس فتسمع؛ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟ قال: أنصفت. في قصة طويلة أسلم هو وسعد بعدها.
لقد كان مصعب بن عمير على علم تام بدعوته، يعرف ما يعرضه على المدعويين، وما لا يجب عرضه في هذا الموقف؛ فوُفِّق توفيقًا تامًّا.. وهو رضي الله عنه نموذج يجب احتذاؤه في الدعوة دائمًا؛ من حيث الشخص والطرح.
من المشاهَد أن الدعوة لدى قطاع كبير من المؤسسات الدعوية الرسمية، تحولت إلى وظيفة، وفقدت رساليتها.. ما الوسائل التي بها يمكن تصحيح هذا الأمر؟
هذا سؤال مهم؛ لأن إحدى عقبات الدعوة في واقعنا تحول الدعوة إلى وظيفة راتبة تجعل الداعية موظفًا تطحنه عجلة الوظيفة تحت إطاراتها!.. وتفادي هذا بنظري يكمن في عدد من الأمور منها:
-التحول إلى فكرة المسجد الجامع: الذي يكون مؤسسة يقوم على الدعوة فيه أربعة أو خمسة من الدعاة؛ بحيث تكون الدعوة فيه متعاقبة لا تقتصر على أوقات دوام للداعية، فضلاً عن تنوع المشارب بينهم بما يجعلهم ملاذًا آمنًا للمدعوين على اختلافهم.
-الاهتمام بالتنشئة الدعوية الصحيحة للداعية: بحيث لا يقتصر تعليمه على مقررات دراسية راتبة يدرسها الجميع.
-التحول بالدعاة من فكرة الوظيفة إلى فكرة الرسالة: من خلال برامج تمنح لهم، وتوفير وسائل حياتية يستطيعون معها ممارسة الدعوة دون الانشغال بهموم الحياة.
-التدقيق في اختيار الداعية: كالشأن في اختيار أصحاب الوظائف المهمة كالقضاة وغيرهم؛ بحيث يشمل التدقيق في سالف الحياة للدعاة، وانتقاء أصحاب الممارسات المنضبطة سلوكيًا وأخلاقيًا.
هل ترى أن مجتمعاتنا بمشكلاتها الراهنة المتجددة تحتاج خطابًا يتناسب مع ذلك، أم أن الخطاب الدعوي ثابت؟ بمعنى آخر: كيف ترى الخطاب الدعوي في ضوء معادلة “الثوابت والمتغيرات”؟
لا يمكن الزعم بإمكانية ثبات الخطاب الدعوي؛ فالخطاب الدعوي كالآلة الناقلة للمسافرين لا بد أن تتطور بتطور الحياة، فإذ كان يناسب الناس منذ قرنين السفر بالخيل والجِمال، فقد أضحت الخيل اليوم لا تمثل إلا عنصر الزينة لمن يقتنيها، والجِمال عنصر استثمار لمن يربيها، وأصبح انتقال المسافر بالوسائل الحديثة يفوق مئات الأضعاف عن ذي قبل، وهي لا شك كانت مناسبة لعصر الناس وقتئذ، وإيقاع الحياة بالنسبة لهم.
الخطاب الدعوي بالمثل؛ وسيلة تسعى لتمكين الخير، ونقل الفكر، وأداة للتغيير للأفضل؛ فاستعمال ما استعمله السابقون في نقل الخير غَدَا ضعفًا يلحق بالرسالة الدعوية، ويدل بالتالي على ضعف حاملها، وعدم إدراكه للمتغيرات.
ولهذا، فالخطاب الدعوي في حاجة للتطوير بما يناسب الثقافة التي جدَّت، ويناسب الهموم التي لحقت بالأمة. ولعل من المناسب هنا الاستئناس بقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: “حدثوا الناس، بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله” (البخاري). فعدم مناسبة الخطاب الدعوي لواقع الناس وهمومهم يمثل نوعًا من خطاب الناس بما لا يفهمون، وإدخالهم في دائرة تكذيب الله ورسوله ﷺ، أو الأعراض بالكلية عنه!
كيف ترون دور الدعاة في مساحة الشأن العام؟ وهل ممارسة هذا الدور يعتبر عملاً سياسيًّا؟
من المسلَّم به أن الإسلام قد جاء لهداية الناس في أمر معاشهم ومعادهم، وأن القرآن الكريم أنزله الله تعالى بيانًا شافيًا لما يحتاج إليه العباد ؛ فقد قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89). و”الشأن العام” هو مما يندرج تحت هذا المعنى الأساسي الذي يميز الإسلام عما سبقه من الشرائع.
لكن، ولأن مجتمعاتنا أصابها ما أصابها، من تغير في القيم والمفاهيم والسلوكيات، فإن تماسَّ الداعية مع “الشأن العام” يحتاج منه وعيًا وبصيرة من نوع خاص؛ حتى لا يكون الداعية سببًا في الشقاق بدلاً من الوفاق، والتنازع لا التآلف.
إن الداعية فردٌ من عموم الناس، وكل ما في المجتمع من تيارات وأفكار وتحولات يشعر به، وينعكس على انفعالاته ومواعظه ومشاركاته المجتمعية وكافة وسائل الدعوة.. ويمكن للداعية أن يشق لنفسه مساحة بعيدة عن التيارات الموارة في المجتمع، لكنه قد لا يستطيع أن يصمد كثيرًا في هذا، وإن حاول الصمود صادف من يضطره اضطرارًا لكسر حالة البعد عن هذه التحولات.. لكن يساعده في التغلب على الانجراف وضمان ائتلاف الكلمة عليه، وضمان مساحة لا تنال من دعوته ولا من ركائزها- ثقافته الواسعة ودراسته الواعية، وعلومه المدنية التي حصَّلها.
فعلى الداعية أن يؤدي دوره في النصيحة والتوجيه والتوعية، وأن يتماس مع هموم مجتمعه بوعي وبصيرة.. بما يجعله منارةَ هُدى، ومنبرًا للكلمة النافعة، بعيدًا عن التجاذبات الضيقة..
“تجديد الخطاب الديني” مصطلح يتم تداوله على نطاق واسع.. ما رؤيتكم لهذه القضية؟
تجديد الخطاب الديني لاحقٌ بما سبق فيه القول عن الثوابت والمتغيرات في الخطاب الدعوي.. لقد كان حريًا بأن يطرحه الدعاة أنفسهم حتى يستطيعوا الأخذ بزمام المبادرة، وأن يقوم الدعاة مبادرين بطرح خطاب ديني جديد في وسائله وقضاياه حتى لا يُفرض عليهم ما لا يسر! على سبيل المثال: اليوم لا يزال بعضهم مشغولاً بقضية التوحيد كقضية فاصلة في طروحاته الدعوية، ثم يسوق ما يتعلق بها من منهج السلف، ومناقشة خصومهم في منهجهم… إلخ؛ فهل نحن بحاجة ملحة لهذا الطرح؟
الجواب: كلا، وإنما المطلوب اليوم هو دعوة الناس بوسائل تعيد قيم التوحيد العليا في الأخلاق والمعاملات والسلوك.. بهذا نكون قد انتصرنا لقضية التوحيد على منهج السلف بل والخلف؛ فإنهم ما أرادوا إلا أن يكون المسلم صورة حية لإنسان الاستخلاف، الذي يكون عضوًا فاعلاً في أمة الشهود على الناس.
لا بد أن تكون عملية التجديد شاملة للوسائل والغايات.. كما أن الوسائل الدعوية غدت كثيرة جدًا، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات والمواقع مجالاً خصبًا لممارسة الدعوة، فضلاً عن تجديد خطاب الجمعة، بحيث تلامس الخطبة والخطاب مشكلات الناس، أو تعالج همومهم.. وقد سمعت علمانيًا يقول: نحن نظل طوال الأسبوع نتكلم، وتأتي خطبة الجمعة تهدم كل ما صنعناه!
وهو محق في هذا؛ لكن المقصود خطبة الجمعة الجديدة في موضوعها وفي الإقناع بها، وفي استقامة القائم بها وصدق نفسه وشعوره بموضوعه؛ وهو سبيل من سبل التجديد في هذا الجانب الدعوي المهم.
ما تقييمكم لما عُرف بظاهرة “الدعاة الجدد”؟ وكيف يمكن تجنب سلبياتها وتطوير أدائها؟
بنظري أنها لا تمثل “ظاهرة”، وذلك لعدة أسباب:
أولها: محدودية عدد هؤلاء الدعاة؛ فعددهم قليل جدًّا.
ثانيًا: محدودية الوسائل التي يبرزون من خلالها للناس؛ فهم لا يوجدون خارج الإطار الإعلامي؛ ومع أنه مجال مؤثر جدًّا، لكنه ليس الأخطر وليس الأهم.. فهؤلاء الدعاة ليس لهم ساق ولا قدم في حركة التأليف وهو رافد دعوي مهم، ولك أن تعرف أن الشيخ الغزالي لا يُعرف بين الناس إلا من خلال المؤلفات الدعوية والتجديدية في هذا المجال، فضلاً عن عدم وجودهم في بقية المجالات الدعوية الأخرى.
ثالثًا: إقليمية هؤلاء الدعاة، فهم دعاة محليون- في مصر تحديدًا- لا يُعرف لهم نظائر في الوطن العربي إلا نادرًا.
رابعًا: أنهم يتعاقبون على شريحة واحدة ولا يجيدون خطابًا لغيرها مطلقًا، ولا يستطيعون تنويع شرائحهم.
لهذا ولغيره أعتبرهم “أشخاصًا” ظهرت في مجال الدعوة، لا “ظاهرة”.. وهم بنظري يُشكرون على جهدهم في التمكين للأخلاق وسط الشريحة التي يتعاملون معها.. ولو أنهم لم يتجاوزا هذا الجانب، لأسهموا إسهامًا كبيرًا في حركة الوعي.
فإذا أردنا أن نقيم هذا الأمر من ناحية أثره على الدعوة سلبًا أو إيجابًا، فسنجد أن هناك من لا يفرق بين “الداعية” و”الفقيه” و”العالم”؛ حتى العاملون في حقل الدعوة قد لا يجيدون وضع الفوارق بين هذه الأصناف الثلاث.
وحين ننظر إلى “الدعاة الجدد” كدعاة، فنحن ننظر إلى أناس يقومون بواجب لازم في عنق كل مسلم استجابة لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: 110).. لكن الحقيقة أن هذا البعد الدعوي انتقل للبعد الآخر عند بعضهم فتقمص بعضهم صنعة الفقيه؛ فأفتى في أمور تخص العامة فكانت فتواه مهلكة له ولمن يتابعه. ذكر ابن وهب: أن مالك بن أنس قال له: يا عبد الله؛ ما عملت فقل، وإياك أن تقلد الناس قلادة سوء.
وتحت عموميات من قبيل: الإسلام دين رحمة- الله تعالى رفع عنا الحرج- روح الإسلام تقتضي…- الإسلام دين السماحة.. إلخ، هذه العبارات التي تُتخذ عندهم مدخلاً للفتوى في المسائل العامة، أو تصدير الفتوى بلا استفتاء.. كل ذلك جعل هناك ملاحظات شتى عليهم وعلى وسائلهم! والغايات السامية لا تبررها الوسائل الممنوعة؛ فليتهم اقتصروا على الدعوة وتركوا الفتوى في كبريات المسائل لأهل العلم، إذًا لسلموا وسلم أتباعهم من الجنوح.
وفي قصة جبلة بن الأيهم الذي أصر عمر بن الخطاب على القصاص منه إن لم يعف عنه خصمه، بعد أن هشُّم جبلة أنف رجل وطأ إزاره في الطواف حول الكعبة؛ ثم لم يجد جبلة مفرًّا إلا أن يتنصّر ويلوذ بالفرار.. في هذه القصة خسر الإسلام فردًا، لكنه كسب المبادئ التي رسّخها في أتباعه ودعا لها.. وأظن والحال هكذا لو تكرر المشهد لآثرنا- ومن خلال ما نراه من بعض الدعاة الجدد- الفوز بإسلام الرجل على الحكم الشرعي، بحجة تأليف القلوب وأن الله غفور رحيم! لهذا وغيره كانت للظاهرة سلبيات قاتلة أحيانًا.