موضع واحد وهو قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى: 1-4].

أولًا: سبب نزول سورة الضحى

قد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه السورة الكريمة روايات منها:

الرواية الأولى:

ما أخرجه الإِمام البخاري ومسلم وغيرهما عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة – وفي رواية أنها أم جميل امرأة أبي لهب – فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.

الرواية الثانية:

وذكر بعضهم أن جبريل – عليه السلام – أبطأ في نزوله على النبي ، فقال المشركون: قد قلاه ربُّه وودَّعه، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.

ثانيًا: مضمون الآيات وفق سبب النزول

تضمنت الآيات بحسب ما ورد في سبب النزول وقوع المشركين – أو امرأة أبي لهب – في السخرية من النبي عندما تأخر عليه الوحي، وزعموا أن الله تعالى قد جفاه – أي أبغضه وودَّعه – تعالى الله عن ذلك، وحاشاه .

ثالثًا: دفاع الله تعالى عن نبيه

جاء دفاع الله تعالى عن نبيه بأن بيَّن لهؤلاء المفترين أنه سبحانه لم يجفُ حبيبه ، وما ودَّعه، وانظر كيف كان هذا الرد:

1- استفتاح الرد بالقسم

استفتح جل وعلا الرد عليهم بقسم على عدم جفائه للنبي ، فقال: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾، ولا يكون القسم إلا لتوكيد المعنى المراد، وهذا القسم فيه تطمين لقلب النبي وإسكات لأولئك المشركين.

2- تفسير صاحب تتمة أضواء البيان

قال صاحب تتمة أضواء البيان: أقسم تعالى بالضحى والليل هنا فقط، لمناسبتها للمقسم عليه؛ لأنهما طرفا الزمن وظرف الحركة والسكون، فإنه يقول له مؤانسًا: “ما ودعك ربك وما قلى”، لا في ليل ولا في نهار.

3- التفريق بين نفي التوديع ونفي القلي

لم يكتف المولى سبحانه بنفي ما افتراه المشركون، بل جاء بعبارات تدل على إيناسه ، ففرَّق في التعبير بين نفي التوديع ونفي القلي، فقال: ﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾، فأتى بكاف الخطاب، ثم قال: ﴿ وَمَا قَلَى ﴾، ولم يأت بكاف الخطاب.

والسر في ذلك كما قال بعضهم: والذي يظهر من لطيف الخطاب ورقيق الإيناس ومداخل اللطف، أن الموادعة تشعر بالوفاء والود، فأُبرزت فيها كاف الخطاب، أي: لم تتأتَّ موادعتك وأنت الحبيب، والمصطفى المقرب، وأما: “قلى”، ففيها معنى البغض، فلم يناسب إبرازها إمعانًا في إبعاد قصده بشيء من هذا المعنى، كما تقول لعزيز عليك: لقد أكرمتك، وما أهنتُ، لقد قرَّبتك، وما أبعدت، كراهية أن تنطق بإهانته وكراهيته.

4- البشارة والتأكيد على المستقبل

زاد الله تعالى نبيه تطمينًا وبشَّره بأن كشف له عما سيكون له من العز والمجد في المستقبل، فقال له: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4]

وذهب بعضهم إلى أن المراد بالآخرة هو نهاية أمره في هذه الدنيا، والمراد بالأولى بداية أمره في هذه الدنيا، فيكون المعنى: ولنهاية أمرك – أيها الرسول الكريم – خير من بدايته، فإن كل يوم يمضي من عمرك، سيزيدك الله تعالى فيه، عزًّا على عز، ونصرًا على نصر، وتأييدًا على تأييد، حتى ترى الناس وقد دخلوا في دين الله أفواجًا، وقد صدق الله تعالى نبيَّه وعدَه؛ حيث فتح له مكة، ونشر دعوته في مشارق الأرض ومغاربها.