فقد العالم العربي يوم الاثنين الرابع عشر من أكتوبر لعام 2024 م أحد أبرز المفكرين الذين تركوا بصمة في ميدان علم النفس الاجتماعي، هو الدكتور مصطفى حجازي – رحمه الله – هذه لمحة موجزة تعرف بتكوينه العلمي ومسيرته الأكاديمية والمهنية وبمشروعه الفكري وبأهم مؤلفاته.

البدايات والتكوين العلمي

ولد الدكتور مصطفى حجازي في مدينة صيدا بجنوب لبنان عام 1936، وحصل على ليسانس في علم النفس من جامعة عين شمس بمصر عام 1960. لم يكن هدفه الأكاديمي مجرد تحصيل الشهادات، بل كان يسعى بشكل دائم إلى توسيع آفاق المعرفة وتطوير رؤيته العلمية.

في عام 1964، توجه إلى بريطانيا للاطلاع على تجارب رعاية الطفولة والناشئة، مما أثّر بشكل كبير على اهتمامه بالمشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه الشباب.

في عام 1965، حصل على دبلوم علم الجريمة العيادي من جامعة ليون في فرنسا، ثم توج مسيرته العلمية بالحصول على دكتوراه في علم النفس من نفس الجامعة عام 1967. عاد بعدها إلى لبنان ليبدأ مسيرة أكاديمية حافلة بالإنجازات والتأثير.

المسيرة المهنية والعلمية

استهل الدكتور حجازي مسيرته المهنية بالعمل كخبير نفسي في محاكم الأحداث ومراكز رعاية الناشئين في لبنان منذ عام 1968، حيث أسهم في تطوير أساليب علاجية جديدة للتعامل مع الأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية واجتماعية، خاصةً الأطفال والشباب. كانت هذه التجارب هي حجر الأساس الذي شكل فهمه العميق للأبعاد النفسية للتخلف الاجتماعي.

بين عامي 1983 و1990، شغل الدكتور حجازي منصب أستاذ علم النفس في الجامعة اللبنانية، حيث أسس قسم علم النفس بالتعاون مع زميله الدكتور نزار الزين.

انتقل إلى جامعة البحرين ليشغل منصب أستاذ الصحة النفسية والإرشاد النفسي من 1991 حتى 2006.

 في عام 2007، تم تعيينه أستاذًا زائرًا في كلية الطب بجامعة الخليج العربي. بعد تقاعده في 2008، تفرغ للبحث والكتابة، حيث واصل إسهاماته الفكرية والعلمية التي أثرَت المجال الأكاديمي.

وإلى جانب عمله الأكاديمي، شارك الدكتور حجازي في العديد من المشاريع الدولية، حيث عمل مستشارًا للمنظمات مثل اليونيسيف والإسكوا، مقدّمًا استشارات متخصصة في رعاية الطفولة وتنمية المجتمع.

مشروع مصطفى حجازي الفكري

كان مشروع الدكتور مصطفى حجازي الفكري قائمًا على تحليل ظاهرة التخلف الاجتماعي في العالم العربي من منظور نفسي واجتماعي حيث ساهم في بناء نظريات حديثة لفهم ديناميات التخلف في المجتمعات العربية. لم يكن يرى الدكتور مصطفى حجازي التخلف مجرد حالة اقتصادية أو تعليمية، بل اعتبره نمطا نفسيا واجتماعيا معقدا، يتمتع بديناميات تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات بشكل عميق.

كما تناول الدكتور حجازي ظاهرة العصبيات في المجتمعات العربية، معتبرا أنها إحدى العوامل الرئيسية التي تعيق تقدم الأوطان وتهدر الطاقات البشرية.

ولم يقتصر حجازي في مشروعه الفكري على نقد التخلف والقهر فقط، بل قدم حلولا عملية لتحرير الأفراد والمجتمعات من هذه القيود. كان من أوائل المفكرين العرب الذين تبنوا مفهوم علم النفس الإيجابي، الذي اعتبره أداة لتحرير الإنسان من حالة الاستسلام والعجز.

أهم مؤلفات الدكتور مصطفى حجازي

على مدار مسيرته الطويلة، أصدر الدكتور مصطفى حجازي العديد من المؤلفات التي تعتبر مراجع أساسية في مجال علم النفس الاجتماعي. من بين هذه المؤلفات:

  • التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور : يعد هذا الكتاب أحد أهم أعمال الدكتور حجازي، حيث قدم فيه تحليلا شاملا لظاهرة التخلف في المجتمعات العربية. وحاول فهم الإنسان المتخلف بنوعيته وخصوصية وضعه، وبشكل حي وواقعي، حتى يؤسس ما أسماه “مرتكزات علم نفس التخلف”.
كتاب (التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور)
  • الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية : في هذا الكتاب، يناقش حجازي مفهوم الهدر النفسي، مشيرا إلى أن الهدر هو حالة يتعرض فيها الإنسان العربي لانتقاص من قيمته، مما يعوق تحقيق طاقاته الكاملة.
كتاب إطلاق طاقات الحياة من منظور علم النفس الإيجابي
كتاب (إطلاق طاقات الحياة من منظور علم النفس الإيجابي)
  •  العصبيات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الإنسان: يناقش فيه حجازي التأثير المدمر للعصبيات في المجتمعات العربية، مشيرًا إلى أنها تعرقل بناء دولة حديثة قائمة على الحرية والمواطنة.
  • علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية : يناقش حجازي تأثير العولمة على المجتمعات العربية، داعيًا إلى تطوير أنظمة التعليم والتنمية لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة على الهوية والثقافة
  • الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية :  يقدم في هذا الكتاب دراسة حول الشباب الخليجي، مسلطًا الضوء على التحديات التي يواجهونها وكيف يمكن تنمية قدراتهم لمواكبة تطورات العصر.
  • الأسرة وصحتها النفسية: يتناول فيه حجازي أهمية الصحة النفسية للأسرة في بناء مجتمع متوازن، مسلطًا الضوء على كيفية تعزيز استقرار الأسرة لتحقيق تنمية شاملة.
  • أثرى الدكتور مصطفى حجازي المكتبة العربية بترجمات من أهمها: كتاب “التحليل النفسى علما وعلاجا وقضية” وهو من تأليف مصطفى صفوان” ونقل إلى العربية كتاب “معجم مصطلحات التحليل النفسي” لجان لابلانش وج. بونتاليس.

برحيل الدكتور مصطفى حجازي – رحمه الله – فقد العالم العربي مفكرا عظيما أسهم في توجيه مسار علم النفس الاجتماعي لفهم التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات العربية. لم تكن مؤلفاته مجرد دراسات أكاديمية، بل كانت دعوات صادقة إلى تحرير الإنسان من القيود النفسية والاجتماعية، وإطلاق طاقاته ليحقق التقدم والازدهار.

سيظل إرث الدكتور مصطفى حجازي – رحمه الله- المعرفي حيا، وستبقى أعماله مرجعا للأجيال القادمة من الباحثين والمفكرين الذين سيستفيدون من أفكاره لتحليل الواقع النفسي والاجتماعي والعمل على بناء مستقبل أفضل.