الراغب الأصفهاني أديب من الحكماء العلماء، اشتهر بلقبه، فلذلك كثر الاختلاف في اسمه، والأشهر أنّ اسمه الحسين، وعليه مشى جلّ من ترجم له. هو من أهل (أصبهان) سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يقرن بالإمام الغزالي. لكن شخصية هذا العالم يحوم حولها الكثير من الجدل والغموض بداية من اسمه وانتهاء بعقيدته ومذهبه الفقهي وعصره وأيضا في تاريخ وفاته.

الراغب الأصفهاني هو أحد علماء مسلمين في القرن الحادي عشر في التفسير السائد للقرآن باللغة العربية. أصله من أصفهان، وعاش ببغداد ولا يُعرف الكثير عن حياته. ألَّف عدة كتب في التفسير والأدب والبلاغة.

من هو الراغب الأصفهاني؟

ولد الراغب الأصفهاني بأصفهان في رجب 343هـ / نوفمبر 954م – توفي 502 هـ / 1108 م) وهو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الأصبهاني) المعروف بالراغب. وقيل: الحسين بن محمد بن المفضل، وقيل: الحسين بن مفضل بن محمد وقيل: الحسين بن الفضل وقيل: المفضل بن محمد.

والراغب الأصفهاني من أهل السنة، وبيّن في “الرسالة في الاعتقاد” بأن الفرقة الناجية من ناحية الاعتقاد هي أهل السنة، وكثيرا ما هاجم المعتزلة وهاجم الشيعة في بعض الأحيان. زعم البعض أنه من المعتزلة لأنه استفاد من علماء المعتزلة وقدم استنتاجات عقلانية، كما زعم البعض أنه شيعي لكونه من مدينة أصفهان، ولحبه لأهل البيت وروايته عنهم.

لكنه رفض آراء المعتزلة واعتبر أن الذين يجادلون بأن القرآن مخلوق وينكرون الصفات الإلهية، هم من أهل البدعة. كما أن أوضح دليل على أنه ليس شيعياً هو أنه يعتبر الشيعة، الذين قال أنهم ضُللوا عن الإمامة، كأهل البدعة، ويشير على وجه الخصوص إلى التأثير اليهودي في تقديم المعتزلة لقضية أهل القرآن، مؤكدًا أن الشيعة كانوا مخطئين بشأن الإمامة.

مؤلفاته

خلّف الراغب الأصفهاني تراثا كبيرا من المؤلفات، وحريّ به ذلك، إذ أنّه عاش في القرن الرابع الهجري وهو قرن الازدهار العلمي، والنهضة والعلمية. فمنها:

  1. الذريعة الى مكارم الشريعة
  2. المفردات في غريب القرآن
  3. تفسير الراغب الأصفهاني
  4. درّة التأويل في متشابه التنزيل أو “درة التأويل في حل متشابهات القرآن”
  5. تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين
  6. الذريعة إلى مكارم الشريعة
  7. محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء

تفسير الراغب الأصفهاني

كتاب الراغب الأصفهاني تفسير القرآن الكريم. وبعضهم يسميه “جامع التفاسير” ، وهو خطأ، وإنّما اسمه: “جامع التفسير”، وفرق واضح بين الاسمين. وقد ذكره الراغب نفسه في كتابه: “حلّ متشابهات القرآن” عند كلامه على سورة الكافرون، فقال: إنا قد أجبنا في “جامع التفسير” عن ذلك بأجوبة كثيرة”

وذكره صاحب كشف الظنون، فقال: وهو تفسير معتبر في مجلد، أوله: الحمد لله على آلائه … إلخ. أورد في أوله مقدّمات نافعة في التفسير، وطرزه أنّه أورد جملا من الآيات، ثم فسّرها تفسيرا مشبعا، وهو أحد مآخذ أنوار التنزيل للبيضاوي .

تفسير الراغب الأصفهاني

وقد طبعت مقدّمة التفسير مع تفسير سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة بتحقيق د. أحمد فرحات في دار الدعوة في الكويت.

وقال الفيروزآبادي: له التفسير الكبير في عشرة أسفار، غاية في التحقيق.

فإذا أردنا أن نجمع بين قول صاحب كشف الظنون وبين قول الفيروزآبادي فهذا يعني أنّ للراغب تفسيرين: أحدهما كبير، والآخر صغير.

أما تفسيره فتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ولي الدين جار الله في تركيا، وفيها الجزء الأول من أول المقدمة وينتهي بتفسير آخر سورة المائدة، ويقع في ٣٥٠ ورقة، ولم نجد بقيّته إلى الآن.

منهج الراغب الأصفهاني في كتاب “المفردات”

لقد سلك الراغب الأصفهاني في كتابه منهجا بديعا، ومسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، وعمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.

وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها. ويذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثا.

ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة.

محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء

كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء للراغب الأصفهاني، كتاب ذو شهرة كبيرة في ميدان الأدب، مطبوع في مجلدين كبيرين، بمكتبة الحياة- في بيروت، لكنّه مليء بالأخطاء المطبعية والتصحيفات والتحريفات في الأعلام والأشعار.

ولأهمية هذا الكتاب كان يهدى إلى الوزراء والأمراء، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء ص 369 أنّ أمين الدولة ابن التلميذ أهدى كتاب المحاضرات إلى الوزير ابن صدقة، وكتب معه:

لمّا تعذر أن أكون ملازما ... لجناب مولانا الوزير الصاحب
ورغبت في ذكري بحضرة مجده ... أذكرته بمحاضرات الراغب

وهناك كتب أخرى كثيرة للكاتب العالم الراغب الأصفهاني مثل:

“مجمع البلاغة”، ويسمّى أفانين البلاغة. طبع مؤخّرا في عمّان، بمكتبة الأقصى، بتحقيق الدكتور عمر الساريسي، وبذل فيه جهدا طيبا لكن فيه كثير من الأشعار المشهورة لم يعرف نسبتها.

معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني

“أدب الشطرنج” ذكره بروكلمان ولم يتم العثور عليه.

“مختصر إصلاح المنطق” وتوجد منه نسخة مخطوطة في مركز البحوث الإسلامية في جامعة أم القرى برقم 316، وهو مصوّر عن نسخة المكتبة التيمورية رقم 137.

“رسالة في آداب مخالطة الناس” مخطوطة ضمن مجموعة رسائل للراغب برقم 3654 بمكتبة أسعد أفندي في تركيا.

“رسالة في الاعتقاد” وقد قام بتحقيقها الطالب أختر جمال محمد لقمان، ونال بها شهادة الماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم العقيدة.

“الإيمان والكفر” ذكره صاحب هدية العارفين ولم يعثر عليه.

“رسالة في مراتب العلوم” مخطوطة ضمن رسائل الراغب بمكتبة أسعد أفندي.

كتاب “كلمات الصحابة” ذكره البيهقي في تاريخ حكماء الإسلام ص 112.

“أصول الاشتقاق” ذكره الراغب نفسه في المفردات.

  كتبٌ نُسبت إليه

هناك في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة كتابا باسم “أطباق الذهب” نسب للراغب الأصفهاني، عارض فيه «أطواق الذهب» للزمخشري. ومنه نسختان خطيتان فيها. وواضح أنه ليس للراغب، لأنّ الراغب توفي قبل الزمخشري بقرن، والصحيح نسبة الكتاب لعبد المؤمن بن هبة الله الأصفهاني.

وصفه وخُلقه

قال عنه الذهبي: العلّامة الماهر، والمحقق الباهر، كان من أذكياء المتكلمين. وقال البيهقي وتبعه الشهرزوري: كان من حكماء الإسلام، وهو الذي جمع بين الشريعة والحكمة ، وكان حظّه من المعقولات أكثر .

وقال الصلاح الصفدي: أحد أعلام العلم، ومشاهير الفضل، متحقق بغير فنّ من العلم وله تصانيف تدل على تحقيقه وسعة دائرته في العلوم، وتمكّنه فيها.

ووجد على نسخة مخطوطة من كتاب الذريعة: كان حسن الخلق والخلق، وكان يستعبد الناس حسن محاورته بهم .

وجاء على الورقة الأخيرة من مخطوطة حل متشابهات القرآن: تصدر للوعظ والتدريس والتأليف، وله مصنفات كثيرة جليلة، ومناظرات عجيبة .

وقال الخوانساري عنه: الإمام، الأديب، والحافظ العجيب، صاحب اللغة والعربية، والحديث والشعر والكتابة، والأخلاق والحكمة والكلام، وعلوم الأوائل، وغير ذلك، وفضله أشهر من أن يوصف، ووصفه أرفع من أن يعرف، وكفاه منقبة أنّ له قبول العامة والخاصة، وفيما تحقّق له من اللغة خاصة، وكان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته.

ثم قال: ذكره صاحب “معجم الأدباء” كما نقل عنه بهذه الصورة: الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، أحد أعلام العلم بغير فنّ من العلوم أدبيّها وحكميّها، وله كتاب تفسير القرآن، قيل: وهو كبير.

عقيدته

تنازع الناس في عقيدة الراغب، فقال قوم: هو من المعتزلة، وقال آخرون: هو من الشيعة، وقال غيرهم: هو من أهل السّنة والجماعة.

والصحيح الذي لا غبار عليه- إن شاء الله تعالى- أنّه من أهل السنة والجماعة.

ويؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال: كان في ظني أنّه معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من “القواعد الصغرى” لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في: “تأسيس التقديس” في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب كان من أئمة السّنة، وقرنه بالغزالي.

تفصيل النشأتين للراغب الأصفهاني

قال: وهي فائدة حسنة، فإنّ كثيرا من النّاس يظنون أنّه معتزلي.

ويتضح هذا أيضا من خلال كتابه “المفردات” حتى نجده يردّ على المعتزلة، فمن ذلك ردّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم) ، وعلى البلخي في مادة (خل) .

وأيضا فإن الراغب قال في كتاب الاعتقاد: أمّا رؤية العباد لله عزّ وجلّ في القيامة فقد أثبتها الحكماء وأصحاب الحديث كما نطق به الكتاب والسنة.

مذهبه الفقهي

الذي تبيّن بعد مطالعة كتبه أن الرلاغب الأصفهاني لم يكن من المقلّدين لأحد في الفروع الفقهية، وإنما كان مجتهدا في ذلك. وبعضهم جعله شافعيا، ولم يصب، بل للمؤلف ردّ على بعض أقوال الشافعية.

ففي مادة (طهر) – مثلا- يقول في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً:

قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الطّهور بمعنى المطهّر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ، لأنّ فعولا لا يبنى من: أفعل وفعّل، وإنما يبنى من فعل.

ونراه يعرض أقوال الفقهاء في خلال كتبه، فتارة يأخذ بقول ذا، وتارة بقول ذاك مما يدلّ على عدم التزامه بمذهب معين. ففي مادة: عود، عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يقول: فعند أهل الظاهر: هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة، وقوله: ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله: فَإِنْ فاؤُ.

وعند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها. وعند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل.

وفي مادة (طهر) ، عند قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ يقول: فدلّ باللفظين على أنّه لا يجوز وطؤهنّ إلا بعد الطهارة والتطهير، ويؤكد ذلك قراءة من قرأ: يَطْهُرْنَ أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل. وهذا مذهب الشافعي، إذ لا يجوز عنده الوطء إلا بعد الاغتسال.

وكذلك في كتابه “محاضرات الأدباء” يذكر أبوابا من الفقه كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج ويذكر أحكامها على المذهب الشافعي، والمالكي، والحنبلي، والحنفي، ومذهب الشيعة، ومذهب الخوارج.

وفاته

كما اختلف في اسم الراغب الأصفهاني، وعقيدته، ومذهبه الفقهي، وعصره، كذلك اختلف في تاريخ وفاته:

فالسيوطي ذكر أنها في أوائل المائة الخامسة. والذهبي ذكره في الطبقة الثانية والأربعين- قال: يسأل عنه في هذه إن شاء الله تعالى. وهذه الطبقة تبدأ وفياتها بسنة 440 هـ وتنتهي في حدود سنة 470 هـ. وحاجي خليفة قال: وفاته سنة 502 هـ، وتبعه في ذلك بروكلمان. أما الزّركلي في “الأعلام” ، فذكر أن الراغب الأصفهاني توفي سنة 502 هـ.