عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ : ” إن الله يحب الرفق في الأمر كله ” متفق عليه.
الرفق ضد العنف . ورفق بالأمر ، يرفق أي لطف به ، وكذلك ترفق .
قال الليث : الرفق لين الجانب ولطافة الفعل . وقال ابن الأعرابي : رفق : انتظر . والرفيق ضد الأخرق .
وقد ورد في الحديث أنه من أسماء الله تعالى وصفاته ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه : عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال : ” ياعائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ، والا يعطي على ماسواه ”.
قال الإمام النووي : ” وأما قوله ” إن الله رفيق ” ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق “.
وقال القرطبي : ” فهو الرفيق ، أي : الكثير الرفق ، وهو اللين والتسهيل ، وضده العنف والتشديد والتصعيب .
وقد يجيء الرفق بمعنى : الإرفاق ، وهو إعطاء مايرتفق به ، وهو قول أبي زيد . وكلاهما صحيح في حق الله تعالى .
إذ هو الميسر والمسهل لأسباب الخير كلها ، والمعطي لها ، وأعظمها : تيسير القرآن للحفظ ، ولولا ما قال ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) القمر : 17. ما قدر على حفظه أحد ، فلا تيسير ألا بتيسيره ، ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره “.
ورفقه عز وجل بعباده يظهر في رأفته ورحمته بهم شرعا وقدرا ، وهو مالا يحصى ولا يعد . ومن ذلك : رفقه بالعصاة فلا يعجل عليهم ليتوب منهم من يتوب ، ويزداد إثما من سبقت الشقاوة .
وقال الإمام ابن القيم في نونيته :
وهو الرفيق يحب أهل الرفق يعطيهم بالرفق فوق أمان
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن فضل خلق الرفق وعظمته ، وإصلاحه للأمور كلها ، بقوله : ” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه ” رواه مسلم .
وقال : ” مهلا ياعائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ” رواه البخاري في الأدب من صحيحه ( 10/449) : باب الرفق في الأمر كله.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا : ” من يحرم الرفق يحرم الخير ” رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه .
وتحكي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رفق النبي ﷺ فتقول : ما خُيرَ رسول الله ﷺ بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا ، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء قط ، إلا أن تُنْتَهَك حرمة الله ؛ فينتقم لله تعالى . متفق عليه .
وكان النبي ﷺ يقول لأصحابه: ” يسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا ، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا ” متفق عليه .
قال القرطبي : فينبغي لكل مسلم أن يكون رفيقا في أموره ، وجميع أحواله ، غير عجل فيها ، فإن العجلة من الشيطان ، ولا تفارق الخيبة والخسران ، وقال رسول الله ﷺ لأشج عبد القيس : ” إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة ” . ( رواه مسلم ) .
وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس ، فإن الله سبحانه سيرفق به في الدنيا ويوم القيامة ، فقد كان النبي ﷺ يدعو ، فيقول : ” اللهم مَنْ وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم ، فارفق به” . رواه مسلم .
ودخل أعرابي الإسلام ، وجاء ليصلى في المسجد مع الرسول ﷺ ، فقام في جانب المسجد وتبول ، فقام إليه الصحابة ليقعوا به ويضربوه ، فقال لهم النبي ﷺ: ” دعوه ، وأريقوا على بوله ذنوبًا من ماء أو سجلاً – أي دلوًا- من ماء ، فإنما بعثتم مُيسِّرِين ، ولم تبعثوا مُعَسِّرين ” رواه البخاري .
وكان رسول الله ﷺ يرفق بالضعيف والرقيق والخدم ، وأمر من كان عنده خادم أو عبد أن يطعمه مما يأكل ، ويلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه ما لا يطيق ، فإن كلَّفه ما لا يطيق فعليه أن يعينه .
وجعل ﷺ كفارة من ضرب رقيقه بغير حق أن يعتقه ، فقال ﷺ : ” من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعْتِقَه ” رواه مسلم .
بل إن الرفق مطلوب حتى الحيوان ، وقد بين النبي ﷺ أن الله سبحانه قد غفر لرجل ، لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش . بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة ، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ، إنك سميع مجيب الدعاء .