تدور تساؤلات حول قدرة الرياضة على تبديد الصورة النمطية السلبية عن الإسلام، وهل هناك مسئولية على عاتق الرياضيين المسلمين لخلق تصدعات في “الإسلاموفوبيا” أو الخوف من الإسلام، الذي بثته وأكدته وسائل إعلام ومراكز بحثية غربية على امتداد عقود طويلة؟

منذ عدة سنوات ومراكز بحثية تهتم بدور الرياضيين في تعديل الصورة الذهنية للجماهير، من خلال استثمار الشعبية في تحفيز الجماهير للتعرف على المختلف عنهم دينيا وعرقيا، وخلق مساحة من المشتركات للتفاهم، وإبعاد شبح العنصرية عن المجتمع، خاصة في الجانب الرياضي، وخلصت غالبية الدراسات الميدانية أن للرياضيين تأثير قوي في تشجيع التسامح، وتخفيض حدة التعصب والعنف ضد الآخر، وتجفيف مستنقعات سوء الفهم والشك في نفوس الجماهير.

شروخ الاسلاموفوبيا

في العام 2016 ومع مشاركة عدد من الرياضيين المسلمين في دورة الألعاب الأولمبية في العاصمة البرازيلية ” ريو دي جانيرو” طرح سؤال دور الرياضة في تعديل الصورة الذهنية، فقد جاءت المشاركة مع تصاعد الاتهامات للمسلمين بالإرهاب، والزعم بأن هجوما إرهابيا سيقع على الأولمبياد يدبره مسلمون، لكن بعد أيام من انطلاق البطولة استقطب الرياضيون المسلمون اهتمام المتفرجين، مثل: العداء البريطاني “مو فرح” ومبارزة الشيش الأمريكية “ابتهاج محمد“، واسترعى هؤلاء الاهتمام، واستطاعوا إحداث شرخ في الإسلاموفوبيا.

وقد سبقها بأقل من عام حملة قامت بها الرياضيات المسلمات في الولايات المتحدة على الأنترنت بعنوان  “Muslim Girls Hoop Too” بعد تصاعد  الانتقادات العدائية ضدهن، وقادت هذه الحملة لاعبة كرة السلة الجامعية “بلقيس عبد القادر” التي خُيرت بين الرياضة والحجاب، والتي انتهت بدعوتها إلى البيت الأبيض ومقابلة الرئيس الأمريكي الأسبق “أوباما” أثنا لقاءه بقادة المسلمين في الولايات المتحدة، وهو ما خفف من حدة العداء للإسلام، إذ كان حضور “بلقيس” تأكيد على هويتها المسلمة والأمريكية في ذات الوقت.

ويمكن النظر لرياضة الأمريكيين المسلمين على أنها نوع من الدعوة، ففي كتاب الباحث “ستيفن فينك” Steven Fink بعنوان “المراوغة للدعوة: الرياضة بين المسلمين الأمريكيين”[i] حديث طويل عن تأثير رياضة المسلمين الأمريكيين في صياغة هويتهم، وإعادة تقديمهم لأنفسهم من خلال الرياضة؛ خاصة كرة السلة، وأكد “فينك” أن الرياضة عززت الترابط بين المسلمين وغير المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وخفضت من درجة العداء للمسلمين، وهو ما يجعل الرياضة جزءا من استراتيجية الدعوة للإسلام في الوقت الراهن، ويرى أن الرياضة من الممكن أن تقدم نماذج مسلمة للمجتمع الأمريكي تكافح الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين.

وفي كتاب “الرياضة في الإسلام وفي المجتمعات المسلمة”[ii] الذي شارك فيه عدد الباحثين، رأت بعض أوراقه أن لاعبي كرة القدم قد يكونوا سفراء للإيمان، وهو ما يشير إلى أمرين، الأول: زيادة حضور الإسلام على الساحة العالمية، وفي غالبية المجتمعات العالمية، وثانيهما: هو الحضور الواسع للرياضة عالميا، وتحول أبطالها إلى مؤثرين في الرأي العام العالمي، وهو ما يعني أن الرياضيين قد يكون لهم دور إيجابي في مقاومة الإسلاموفوبيا.

تشير الخبرة أن الإعلام لا يتعامل إلا مع المأساة، أما بعض النجاحات فقد يدير لها ظهره؛ خاصة إذا كانت نجاحات من شخصيات تنتمي إلى ثقافة يهاجمها، لذا لا تحظى بعض نجاحات الرياضيين المسلمين بالاهتمام الكافي، فمثلا لاعب هوكي الجليد الكندي “ناظم قادري” الذي رفع ” كأس ستانلي” الخاص بالبطولة بعد فوزه بها، وكان فوزه مثار اهتمام في مسقط رأسه بلندن، أصر أن يحمل كأس البطولة في المسجد، وأصبح “قادري” شخصية ملهمة لكثير من الشباب في كندا وبريطانيا، واستطاع التغلب على العنصري ، وكان فوزه فوزا للجالية المسلمة.

تغيير الصورة

من علامات حضور الاسلاموفوبيا في المجال الرياضي، السعي لتحميل الشعائر الإسلامية؛ خاصة الصيام ضعف الأداء، مثل “نجولو كانتي” في نادي تشيسلي البريطاني، الذي تكلم النقاد عن تأثير الصيام على أداءه في إحدى المباريات، رغم أنه يوجد أكثر من خمسين لاعبا مسلما في (18) نادي بالدوري الإنجليزي فقط، مثل ” ساديو ماني ” و” بول بوجبا”  و” سفيان بوفال” و”مسعود أوزيل ” لكن تبقى ظاهرة “محمد صلاح” هي الأكثر اهتماما ورصدا في الجانب البحثي والاعلامي، إذ كان حضور “صلاح” المميز في الدوري الإنجليزي من عوامل إعطاء صورة مغايرة عن الإسلام والمسلمين بين الجماهير وفي المجتمع البريطاني وتخفيض حدة العداء والكراهية للمسلمين.

ففي دراسة “دور نخبة الرياضيين في تغيير الصورة الذهنية للعرب والمسلمين في المجتمعات الغربية”[iii] للدكتورة “رشا مرسي” أكدت من خلال بيانات إحصائية دور “صلاح” في تغيير الصورة الذهنية عن العرب والمسلمين، ونبهت إلى أهمية الرياضة كقوة ناعمة في تصحيح الصورة السيئة، وإقناع الآخرين بتغيير انطباعاتهم السلبية عن الإسلام والمسلمين، ورصدت بعض تصريحات مشجعي نادي “ليفربول” المؤكدة على زيادة اهتمامهم بالتعرف على الصورة الصحيحية للإسلام عن قرب، حيث انخفضت التغريدات المعادية للإسلام والمسلمين بنسبة كبيرة، قد تزيد على النصف من مشجعي النادي.

وفي دراسة أخرى صدرت عام 2019  لباحثين في جامعة “ستنانفورد” الأمريكية أكدت أن جرائم الكراهية ضد الإسلام والمسلمين انخفضت بنسبة 18.9% بعد انضمام “محمد صلاح” إلى “ليفربول” عام 2017، كما أن نصف التغريدات المعادية للإسلام من قبل مشجعي النادي انخفضت بعد تألق “صلاح”، وألمحت الدراسة أن السبب هو زيادة الإلمام بالإسلام، فـ “صلاح” استطاع إزالة حواجز نفسية، ونجح في إيجاد تصدعات في “الإسلاموفوبيا” .

وفي دراسة ثالثة نشرتها المجلة الأمريكية للعلوم السياسية APSR  في يونيو 2021 أكدت أن جرائم الكراهية في جميع أنحاء بريطانيا انخفضت بنسبة 16% بعد انضمام صلاح لنادي ليفربول، وأن الـ16 مليون تغريدة لمشجعي النادي انخفض فيها العداء ضد إلى الإسلام إلى النصف، وإن إبراز “صلاح” لهويته الإسلامية، ساهم في خلق صورة إيجابية عن الإسلام، حيث انتقلت مشاعر مشجعي ليفربول الإيجابية من “صلاح” إلى الإسلام والمسلمين وخفضت التعصب.

وكان البرفيسور “عمران أوان” Imran Awan والدكتورة “إيرين زيمبي” Irene Zempi أجريا بحثا في بريطانيا عن كيفية تحول كرة القدم من لعبة جميلة إلى ساحة للكراهية، ورصدا الكثير من جرائم الكراهية من أفراد الجمهور ضد رياضيين مسلمين، لكن تبقى الحقيقة أن للرياضة دور في تخفيض التعصب والكراهية، وذلك في ظل عدم تخلي الرياضي عن هويته، والتفوق في مجاله الرياضي، وإبراز هويته في شكل إنساني.


[i] Dribbling for Dawah: Sports among Muslim Americans

[ii]  Sport in Islam and in Muslim Communities

[iii]  رابط الدراسة : https://ejsrt.journals.ekb.eg/article_117301.html